من هو تبع المذكور في القرآن الكريم ؟
السؤال: 131521
أريد من فضيلتكم إلقاء بعض الضوء مما ثبت عن تُبع الذي ورد ذكره في الآية : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) والآية (وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ) وهل كان تبع هذا شخصاً ؟ وهل كان موحدًا أم كافرًا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم ” تبعا ” هذا في موضعين اثنين ، في معرض
الإخبار عن كفر قومه وذكر ما حل بهم من عذاب الله وسخطه .
قال الله تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) الدخان/37 .
وقال سبحانه : (كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ . وَعَادٌ
وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ . وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ
كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) ق/12-14 .
وكان تبع هذا ـ كما ذكر المفسرون ـ أحد ملوك اليمن ، وكان مشركاً ثم أسلم ،
وكان يعبد الله على شريعة موسى عليه السلام ، وقد توقف نبينا صلى الله عليه
وسلم في شأنه ، في بادئ الأمر ، هل كان رجلاً صالحاً أم لا؟ ثم بعد ذلك نزل
عليه الوحي بأنه كان رجلاً صالحاً ، فنهانا عن سبه فقال صلى الله عليه وسلم : (
لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ ) رواه أحمد في ”
المسند ” (37/519) عن سهل بن سعد رضي الله عنه وقال المحققون: حسن لغيره. وحسنه
الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (2423) .
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره شيئاً من سيرة تبع هذا ، فقال :
” كانت حِمْيَر – وهم سبأ – كلما ملك فيهم رجل سموه ” تُبَّعًا ” ، كما يقال :
كسرى : لمن ملك الفرس ، وقيصر : لمن ملك الروم ، وفرعون : لمن ملك مصر كافرا ،
والنجاشي : لمن ملك الحبشة ، وغير ذلك من أعلام الأجناس .
ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن ، وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند ،
واشتد ملكه وعظم سلطانه وجيشه ، واتسعت مملكته وبلاده ، وكثرت رعاياه ، وهو
الذي مَصَّر الحيرة ، فاتفق أنه مَرَّ بالمدينة النبوية وذلك في أيام الجاهلية
، فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار ، وجعلوا يَقْرُونه بالليل ،
فاستحيا منهم وكف عنهم ، واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه
وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة ؛ فإنها مُهَاجَرُ نبي يكون في آخر
الزمان ، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن ، فلما اجتاز بمكة أراد هدم
الكعبة ، فنهياه عن ذلك أيضًا ، وأخبراه بعظمة هذا البيت ، وأنه من بناية
إبراهيم الخليل ، وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي ذلك النبي المبعوث في آخر
الزمان ، فعظمها وطاف بها، وكساها الملاء والوصائل والحبير ، ثم كر راجعًا إلى
اليمن ، ودعا أهلها إلى التهود معه ، وكان إذ ذاك دين موسى عليه السلام ، فيه
من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح عليه السلام ، فتهود معه عامة أهل اليمن .
وقد ذكر القصة بطولها الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة ، وقد ترجمه الحافظ
ابن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة ، أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا ومما لم
نذكر ، وذكر أنه ملك دمشق ، وأنه كان إذا استعرض الخيل صُفَّت له من دمشق إلى
اليمن .
ثم ساق من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ما أدري الحدود طهارة لأهلها أم لا ؟ ولا أدري تبع لعينًا كان أم لا ؟ ولا
أدري ذو القرنين نبيًّا كان أم ملكا ) ، وقال غيره : ( أعزيرًا كان نبيًّا أم
لا؟ ). – رواه أبو داود (4674)-
وكأنه – والله أعلم – كان كافرًا ثم أسلم وتابع دين الكليم على يدي من كان من
أحبار اليهود في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح عليه السلام ، وحج البيت
في زمن الجُرهُميين ، وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبر ، ونحر عنده ستة
آلاف بدنة ، وعظمه وأكرمه . ثم عاد إلى اليمن .
وقد ساق قصته بطولها الحافظ ابن عساكر من طرق متعددة مطولة مبسوطة ، عن أبي بن
كعب ، وعبد الله بن سلام ، وعبد الله بن عباس ، وكعب الأحبار ، وإليه المرجع في
ذلك كله، وإلى عبد الله بن سلام أيضًا ، وهو أثبت وأكبر وأعلم .
وكذا روى قصته وهب بن مُنَبِّه ، ومحمد بن إسحاق في السيرة ، كما هو مشهور فيها
.
وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة ” تُبَّع ” هذا بترجمة
آخر متأخر عنه بدهر طويل ، فإن ” تُبَّعًا ” هذا المشار إليه في القرآن أسلم
قومه على يديه ، ثم لما مات عادوا بعده إلى عبادة الأصنام والنيران ، فعاقبهم
الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ .
وقال سعيد بن جبير: كسا ” تُبَّعٌ ” الكعبة ، وكان سعيد ينهى عن سبه .
و ” تُبَّع ” هذا هو تُبَّع الأوسط ، واسمه أسعد أبو كُرَيْب بن مَلْكيكرب
اليماني ، ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستا وعشرين سنة ، ولم يكن في
حمير أطول مدة منه ، وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من
سبعمائة عام ، وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود المدينة أن هذه البلدة
مُهَاجَرُ نبي في الزمان اسمه أحمد قال في ذلك شعرا واستودعه عند أهل المدينة
، وكانوا يتوارثونه ويروونه خلفًا عن سلف ، وكان ممن يحفظه أبو أيوب خالد بن
زيد الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره ، وهو :
شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أنَّه … رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَاري النَّسَم …
فَلَو مُدَّ عُمْري إلى عُمْرِهِ … لَكُنْت وَزيرا له وابن عَم …
وَجَاهَدْتُ بالسَّيفِ أعْدَاءَهُ … وَفرَّجتُ عَنْ صَدْرِه كُلَّ غَم …
وذكر ابن أبي الدنيا أنه حُفِر قبر بصنعاء في الإسلام ، فوجدوا فيه امرأتين
صحيحتين ، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب : ” هذا قبر حبي ولميس –
وروي : حبي وتماضر- ابنتي ” تُبَّع ” ، ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله
ولا تشركان به شيئًا ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما .
قال قتادة : ذكر لنا أن كعبًا كان يقول في ” تُبَّع ” : نُعِت نَعْت الرجل
الصالح ، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، قال : وكانت عائشة تقول : لا تسبوا ”
تُبَّعًا ” ؛ فإنه قد كان رجلا صالحًا ” انتهى باختصار .
” تفسير القرآن العظيم ” (7/256-259) .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟