التوفيق بين حديث ( لن تُغزى مكة بعد هذا العام ) وغزو الحجاج والقرامطة لها
السؤال: 132762
لي سؤال مرتبط بالحديث التالي من كتاب صحيح الجامع الصغير: ( لَنْ تُغزى مكةُ بعد هذا العام أبداً ) ، فيكف يكون فهمنا للحديث وهناك حوادث ، مثل : غزو مكة على يد أبي طاهر من القرامطة ، والعراك الذي دار بين الحَجَّاج وعبد الله بن الزبير ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نص
الحديث الذي سأل عنه السائل :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (لاَ
تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَداً) رواه أحمد في “مسنده” (24/133) ،
وحسَّنه المحققون .
وللحديث شاهد عند الترمذي ( 1611 ) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ
قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ :
(لاَ تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، وصححه الألباني
في صحيح الترمذي .
وأما معنى الحديث فهو محمول على معنيين :
الأول : أن أهل مكة لا يَكفرون أبداً , ولا يُغزون على الكفر ؛ وهكذا فسَّره سفيان
بن عيينة ، كما نقله عنه الطحاوي في ” شرح مشكل الآثار ” ( 4 / 162 ) .
ويشهد لذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا تَنْتَهِي الْبُعُوثُ عَنْ غَزْوِ هَذَا الْبَيْتِ
حَتَّى يُخْسَفَ بِجَيْشٍ مِنْهُمْ) رواه النسائي (2878) ، وصححه الألباني في “صحيح
النسائي” .
والثاني : أنه إخبارٌ بمعنى النهي ، أي : لا يجوز لمسلم ، أو لجيش أن يتعرض لحرمتها
.
ويشهد لهذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ
مَكَّةَ الْقَتْلَ – أَوِ : الْفِيلَ – وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي
، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ
نَهَارٍ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .
قال
الحافظ ابن حجر رحمه الله :
“وَمُحَصِّله : أَنَّهُ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي ، بِخِلَافِ قَوْله : ( فَلَمْ
تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ) فَإِنَّهُ خَبَر مَحْض ، أَوْ مَعْنَى قَوْله : (وَلَا
تَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) أَيْ : لَا يُحِلّهَا اللَّه بَعْدِي ، لِأَنَّ النَّسْخ
يَنْقَطِع بَعْده ؛ لِكَوْنِهِ خَاتَم النَّبِيِّينَ” انتهى .
“فتح الباري” (4/46) .
وعلى كلا الوجهين لا يرِد ما فعله الجنابي القرمطي ، ولا الحجَّاج الظالم ، بالكعبة
، وأهلها ، فهم لم يغزوا مكة لأجل كفر أهلها ، بل الأول هو الكافر كفراً أشد من كفر
أهل الكتاب ، والثاني لم يرد إلا إخضاع عبد الله بن الزبير لطاعة الخليفة المسلم .
وقد
ذكر ابن كثير رحمه الله ما فعله أبو طاهر الجنابي بمكة وأهلها ، ثم قال :
“وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً فقال : قد أحلَّ الله سبحانه بأصحاب الفيل , وكانوا
نصارى ما ذكره في كتابه , ولم يفعلوا بمكة شيئاً مما فعله هؤلاء , ومعلوم أن
القرامطة شرٌّ من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ؛ بل ومن عبَدة الأصنام , وأنهم
فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد ؛ فهلا عوجلوا بالعذاب ، والعقوبة ، كما عوجل أصحاب
الفيل ؟
وقد
أجيب عن ذلك : بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهاراً لشرف البيت , ولِما يراد به من
التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم من البلد الذي فيه البيت الحرام ، فلما أرادوا
إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها , وإرسال الرسول منها : أهلكهم سريعاً عاجلاً ,
ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله ، فلو دخلوه وأخربوه : لأنكرت القلوب فضله , وأما
هؤلاء القرامطة : فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع , وتمهيد القواعد ,
والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة ، والكعبة , وكل مؤمنٍ يعلم أن هؤلاء قد
ألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً , وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين ، بما
تبيَّن من كتاب الله وسنَّة رسوله ، فلهذا لم يحتج الحال إلى معالجتهم بالعقوبة ،
بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار , والله سبحانه يمهل ، ويُملي ، ويستدرج
، ثم يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ” انتهى .
”
البداية والنهاية ” ( 11 / 162 ) .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟