تفسير قوله تعالى ( وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ )
السؤال: 134114
ما معنى قوله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ ) ، أرجو الإجابة بالتفصيل إن أمكنكم ذلك .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحمد الله
أولا :
يقول الله تعالى :
(
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ، وَلاَ
يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ
يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ
حَكُيمٌ ) البقرة/228
في
هذه الآية بيان لعدة المطلقة المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء ( أي يأتيها
الحيض وليست من ذوات الحمل ) ، فتتربص وتقعد عدتها ثلاثة قروء ، أي حيضات أو أطهار
، على خلاف بين أهل العلم ، ولما كانت مستأمنة على أمر حيضها وطهارتها وانقضاء
عدتها ، حذرها الله تعالى من محاولة كتم ذلك أو تحريفه رغبة في تطويل العدة أو
تقصيرها ، فقال سبحانه وتعالى : ( وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ
اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )
ثم
أعطى الله تعالى الزوج حق إرجاع زوجته أثناء العدة إن لم تكن قد بانت ، فقال سبحانه
:
(
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً )
هذا
تفسير موجز لسياق الآية السابقة ، كان لا بد من بيانه ، حتى يفهم السياق كاملا .
ثانيا :
بعد
ذلك قرر سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة من قواعد الحياة الزوجية ، وتعتبر أساسا من أسس
التعامل بين الزوجين ، ومن الأركان العظيمة في قيام الأسر على العدل والرحمة .
فقال سبحانه وتعالى : (
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
)
يقول ابن كثير رحمه الله “تفسير القرآن العظيم” (1/363) :
”
أي : ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن ، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر
ما يجب عليه بالمعروف .
كما ثبت في صحيح مسلم [1218] عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته
في حجة الوداع : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُم
أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ
اللَّهِ ، وَلَكم عَلَيهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ ،
فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ
رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ )
وفي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال :
يا رسول الله ! ما حق زوجة أحدنا ؟
قال : ( أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ ، وَلا
تَضرِبِ الوَجهَ ، وَلا تُقَبِّح ، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيتِ ) [2142، وصححه
الألباني ] .
وقال وكيع عن بشير بن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس قال :
( إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة ؛ لأن الله يقول (
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
) ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم ” انتهى .
ثالثا :
هذا
هو المعنى العام للآية ، أن للنساء من الحقوق مثل ما للرجال عليهن من الحقوق ، ولكن
ما معنى هذه المثلية ( وَلَهُنَّ مِثلُ ) ، هل تعني التماثل التام بين الأزواج في
الحقوق ؟
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في “التحرير والتنوير” (1/642) :
”
والمثل أصله النظير والمشابه : وقد يكون الشيء مثلا لشيء في جميع صفاته ، وقد يكون
مثلا له في بعض صفاته ، وهي وجه الشبه .
وقد
ظهر هنا أنه لا يستقيم معنى المماثلة في سائر الأحوال والحقوق : أجناسا أو أنواعا
أو أشخاصا ؛ لأن مقتضى الخلقة ، ومقتضى المقصد من المرأة والرجل ، ومقتضى الشريعة ،
التخالف بين كثير من أحوال الرجال والنساء في نظام العمران والمعاشرة .
فتعين صرفها إلى معنى المماثلة في أنواع الحقوق على إجمال تُبَيِّنُهُ
تفاصيل الشريعة :
فلا
يُتَوَهَّم أنه إذا وجب على المرأة أن تَقُمَّ – أي تنظف – بيت زوجها وأن تجهز
طعامه أنه يجب عليه مثل ذلك ، كما لا يُتَوَهم أنه كما يجب عليه الإنفاق على امرأته
أنه يجب على المرأة الإنفاق على زوجها ، بل كما تقم بيته وتجهز طعامه ، يجب عليه هو
أن يحرس البيت وأن يحضر لها المعجنة والغربال ، وكما تحضن ولده يجب عليه أن يكفيها
مؤنة الارتزاق كي لا تهمل ولده ، وأن يتعهده بتعليمه وتأديبه ، وعلى هذا القياس ”
انتهى .
رابعا :
بناء على ما ذكرناه في معنى المثلية ، فالحقوق والوجبات التي على الزوجين تنقسم إلى
قسمين :
1-
حقوق وواجبات يتساوى فيها كل من الزوجين تساويا تاما : مثل إحسان المعاشرة ، وقصر
الطرف عن غير ما أحل الله لهما ، والمماثلة في وجوب الرعاية ( الرجل راع على أهله
والمرأة راعية في بيت زوجها ) ، والتشاور في الرضاع ، ونحو ذلك .
2-
وحقوق وواجبات تكون بين الزوجين على وجه المقابلة ، كل بحسب ما قضاه الله عليه
بمقتضى الفطرة والخلقة والشرع والحكمة ، ومرجع ذلك إلى الشريعة وتفاصيلها ، كما
تقرره السنة المطهرة ، وبحسب أنظار المجتهدين .
ويدل على هذا التقسيم قوله تعالى في الآية ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ )
يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله ، في “التحرير والتنوير” (1/643) :
”
وفي هذا الاهتمام مقصدان :
أحدهما : دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق ، توهما من قوله آنفا
( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) .
وثانيهما : تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص ؛ لإبطال إيثارهم المطلق
الذي كان متَّبَعا في الجاهلية .
وهذه الدرجة هي ما فضل به الأزواج على زوجاتهم :
من
الإذن بتعدد الزوجة للرجل دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى ، وذلك اقتضاه التزيد في
القوة الجسمية ، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر .
ومن
جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة والمراجعة في العدة كذلك ، وذلك اقتضاه التزيد في
القوة العقلية وصدق التأمل .
وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شئون المنزل ؛ لأن كل اجتماع
يتوقع حصول تعارض المصالح فيه يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي
واحد معين من ذلك الجمع ، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعا
عند الخلاف ، ورجح جانب الرجل لأن به تأسست العائلة ؛ ولأنه مظنة الصواب غالبا ،
ولذلك إذا لم يمكن التراجع واشتد بين الزوجين النزاع لزم تدخل القضاء في شأنهما ،
وترتب على ذلك بعث الحكمين كما في آية ( وإن خفتم شقاق بينهما ) ” انتهى .
وللاطلاع على تفاصيل هذه الحقوق والوجبات ، انظر سؤال رقم (10680)
فستجد فيه تفصيلا مفيدا إن شاء الله .
خامسا :
المرجع في تحديد هذه الحقوق والواجبات هو ( المعروف ) كما ذكرت الآية ، وفي هذه
الكلمة دلالات عظيمة ، وإشارات إلى أمور كثيرة :
قال
الشيخ ابن سعدي رحمه الله : ” وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي
عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة .
ومرجع الحقوق بين الزوجين ويرجع إلى المعروف وهو : العادة الجارية في ذلك البلد
وذلك الزمان من مثلها لمثله ، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال
والأشخاص والعوائد .
وفي
هذا دليل على أن النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن وكذلك الوطء – الكل يرجع إلى
المعروف فهذا موجب العقد المطلق ، وأما مع الشرط فعلى شرطهما ، إلا شرطا أحل حراما
أو حرم حلالا ” انتهى .
ويقول ابن عاشور (1/643) : ” وقوله ( بالمعروف ) الباء للملابسة ، والمراد به : ما
تعرفه العقول السالمة المجردة من الانحياز إلى الأهواء أو العادات أو التعاليم
الضالة ، وذلك هو الحسن ، وهو ما جاء به الشرع نصا أو قياسا أو اقتضته المقاصد
الشرعية أو المصلحة العامة التي ليس في الشرع ما يعارضها ، والعرب تطلق المعروف على
ما قابل المنكر .
أي
: وللنساء من الحقوق مثل الذي عليهن ملابسا ذلك دائما للوجه غير المنكر شرعا وعقلا
، وتحت هذا تفاصيل كبيرة تؤخذ من الشريعة ، وهي مجال لأنظار المجتهدين في مختلف
العصور والأقطار ..” انتهى .
سادسا :
دين
الإسلام حري بالعناية بإصلاح شأن المرأة ، وكيف لا وهي شقيقة الرجل ، والمربية
الأولى في المجتمع ، فلذلك شرع من قواعد العدالة ما لم يكن معروفا على وجه الأرض في
شريعة ولا في قانون ، فسبق إليه الإسلام الحنيف ، وجاء بإصلاح حال المرأة ورفع
شأنها ؛ وارتقى بها من متاع يرثه الرجال ، كما يرثون سائر المال والمتاع ، فجعلهن
شقائق الرجال ، لهن مثل الذي عليهن من الحقوق والواجبات ، لا يضيع لهن عمل ولا سعي
، ودروهن في النهوض بالأمة ، عامة ، وببيتها خاصة لا يقل عن دور الرجل بحال !!
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة