إذا كانت البدعة شيئاً مرفوضاً فماذا عن جمع القرآن ؟ وأشياء أخرى كإضافة عمر رضي الله عنه شيئاً جديداً للأذان ؟
أرجو توضيح هذا لأن البعض يقولون هناك بدعة حسنة وهي مسموح بها ، وينسبونها لأحد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
هل جمع القرآن ، والأذان الأول للجمعة من البدع ؟
السؤال: 13478
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لمعرفة حقيقة البدعة وضابطها يُراجع الأسئلة ( 864 / 205 / 10843)
وأما ما ذكرت من جمع أبي بكر للقرآن فليس ببدعة بل هو سنة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها في قوله : ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ” رواه الترمذي ( 2676 ) وأبو داود ( 4607 ) وابن ماجه ( 42 ) ، والحديث صححه الترمذي ، والحاكم ( 1 / 177 ) ، والألباني في ” صحيح الجامع ” ( 2549 ) من حديث العرباض بن سارية ، وهذه من سنن الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
والبدعة هي التقرب إلى الله بعبادة على غير مثال سابق ، والقرآن كان مجموعاً في صدور الناس ومجموعاً في ألواحٍ عند بعض الصحابة ، وجمع ذلك كله في سياقٍ واحد ولوحٍ واحد ليس فيه شيء يُنكر .
قال زيد بن ثابت 0 لمَّا كلَّفه أبو بكر الصدِّيق بجمع المصحف – : فتتبعتُ القرآن أجمعه من الرقاع – جمع رقعة وقد تكون من ورق أو من جلد – والأكتاف – جمع كتف وهو العظم للشاة أو البعير – والعُسُب – وهو جريد النخل – وصدور الرجال .
وقد ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني وجوهاً في فعل أبي بكر من أجودها خمسة :
الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك مصلحة ، وفعله أبو بكر للحاجة .
الثاني : أن الله أخبر أنه في الصحف الأولى ، وأنه عند محمد في مثلها بقوله : يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة ؛ فهذا اقتداء بالله وبرسوله .
الثالث : أنهم قصدوا بذلك تحقيق قول الله : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ؛ فقد كان عنده محفوظا ، وأخبرنا أن يحفظه بعد نزوله ، ومن حفظه تيسير الصحابة لجمعه ، واتفاقهم على تقييده وضبطه .
الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتبه كتبته بإملائه إياه عليهم ، وهل يخفى على متصور معنى صحيحا في قلبه أن ذلك كان تنبيها على كتبه وضبطه بالتقييد في الصحف ، ولو كان ما ضمنه الله من حفظه لا عمل للأمة فيه لم يكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إخبار الله له بضمان حفظه ، ولكن علم أن حفظه من الله بحفظنا وتيسيره ذلك لنا وتعليمه لكتابته وضبطه في الصحف بيننا .
الخامس : أنه ثبت ” أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ” ؛ وهذا تنبيه على أنه بين الأمة مكتوب مستصحب في الأسفار .
قال أبو بكر بن العربي : هذا من أبين الوجوه عند النظار .
انظر ” أحكام القرآن ” ( 2 / 612 ) .
وأما قولك إضافة عمر شيئاً جديداً للأذان ، فلا نعرفه ، ولكن لعلك تقصد إضافة عثمان للنداء الأول لصلاة الجمعة وهذا صحيح ، حيث كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أذاناً واحداً ، فلما تولى عثمان الخلافة واتسعت المدينة رأى عثمان أن يُنادى للجمعة قبل الوقت حتى يتأهب الناس للصلاة ، وهو ما يُسمى بالأذان الأول .
عن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أولُّه إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث – في رواية فأمر عثمان بالنداء الأول وفي رواية التأذين الثاني أمر به عثمان ولا منافاة لأنه سمي ثالثا باعتبار كونه مزيدا وأولا باعتبار كون فعله مقدما على الأذان والإقامة وثانيا باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة – على الزوراء ، قال أبو عبد الله – أي : البخاري – : الزوراء موضع بالسوق بالمدينة .
رواه البخاري ( 870 ) .
وهذا الأذان ليس من البدع المحدثة بل هو سنة من سنن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه والتي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها في قوله : ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ” .
ثم إنه معلَّل بعلة معقولة وهي تنبيه الناس لقرب الصلاة ، وللعلم فإنه لا يترتب على هذا الأذان شيء من الأحكام مثل تحريم البيع والشراء أو وجوب الذهاب إلى المسجد ، وإن من فقه عثمان – رضي الله عنه – أن جعله في السوق لا في المسجد ، ومثل هذا لا يكون أكثر من تنبيه الناس لقرب الصلاة بسبب بعد البيوت وتباعدها كما سبق ذكره .
ولهذا روي أن عليّاً رضي الله عنه لم يعمل به في الكوفة لعدم الحاجة إليه .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الشيخ محمد صالح المنجد
موضوعات ذات صلة