0 / 0

كذب ادعاء معرفة الغيب باستعمال ” البنْدول ” وأنه مصدر طاقة !

السؤال: 135589

إنني شاب مسلم ، وأعمل مهندساً ، وأعيش في ” الهند ” ، وكما تعرفون فإنَّ في ” الهند ” الكثير من الجماعات , وإنني أحمد الله فعقيدتي متفقة مع أهل السنَّة والجماعة ، وأهل السلف , ولديَّ صديق من جماعة ” التبليغ ” يقول بأن هناك عالماً علَّمَنا فنّاً من الفنون ، وهو معرفة الإجابات باستخدام ” البندول ” , وهذا الفن كالتالي : يقوم الشخص بإمساك ” البندول ” , ويقوم بالسؤال , ومن المفترض أنه يرسل موجات راديو إلى عقول أشخاص آخرين ، ثم بعد ذلك يحصل على الإجابة منهم ، ويقوم ” البندول ” بكشف هذا التردد ، ويظهر الإجابة , وقد اعتقدت أنه كاذب ، وكنت أحتاج إلى ما يثبت ذلك , وقلت له : لا أدري إن كان الإسلام يحل هذا أم يحرمه ، ولكنني أرى أنها جاءت بمحض الحظ ، وهو ما يجعلها حراماً ، فقال لي : إن هذا ليس تنجيماً , ولكنه استخدام للحس بأعلى درجاته ، كما أننا لا نقول معلومات بخصوص المستقبل , وإنما نجيب عن بعض الأسئلة التي هي في العقول ، وقد فعل هذا أمامي لعدد من الأشخاص حتى أنني قلت إنه يسخر الجن ، أو شيء ما ، ومهما كان ما يقوم به فإنني أوقفت التفكير به ، وبدأت في البحث حول هذا الأمر – ” البحث بالبندول ” – ، ثم بدأت البحث على شبكة الإنترنت ، ووجدت شيئاً غير عادي ، أنه موجود على ” الجوجل ” , وأن هناك الكثير من الناس متورطون فيه ، ويقولون بأنه يأتي بنتيجة ، ثم ذهبت إلى تاريخ هذا الفن ، فوجدت أنه موجود منذ أيام الفراعنة ، وتم تطويره ، وأن هناك بعض البندولات التي استخدموها لمعرفة قوى الحياة .
ورؤيتي لهذا الأمر أنه حرام , ولا أدري لم أحسه تنجيماً ، وأنه يبدو خرافة كبيرة ، وكلٌّ من التنجيم والخرافات : جريمة ، وإنني أريدكم أن تنيروا لي طريقي في هذا الأمر ، وأريد أن أنأى بصديقي هذا عن مثل هذه الأعمال إذا كانت من المحرمات ، إنني فقط أريد دليلاً من القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، وطريق السلف الصالح .
جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

جزاك الله خيراً ، وبارك فيك ، فإن تنبهك لهذا الأمر الذي هو أقرب إلى الشعوذة والسحر : إن دل فهو يدل على فقهك ، وفهمك للتوحيد ، ثبتك الله ، ونفع بك .

وما سألت عنه من أمر البندول يتلخص جوابه في أمور :

أولاً :

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان العرافين والمشعوذين والسحرة والكهنة ، وحذَّر من تصديقهم , وعدَّ ذلك من الكفر ، ومعلوم أن ” العرَّاف ” هو الذي يدَّعي معرفة الأمور الماضية ، وقد يشمل لفظ العرَّاف أيضاً : الكهانة ، وهو ادعاء معرفة الأمور المستقبلية .

وانظر جواب السؤال رقم (85541 ) للوقوف على تعريفه ، وحكم الذهاب إليه ، وإلى السحرة .

ثانياً :

من المقرر في شريعتنا أنه لا يعلم الغيب إلا الله ، كما قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان/ 34 ، ولو شاء الله أن يُطلع أحداً على شيء من الغيب فإن ذلك لا يكون إلا لرسول من رسله ، قال تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) الجن/ 26 ، 27 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :  

( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ) من الخلق ، بل انفرد بعلم الضمائر ، والأسرار ، والغيب .

( إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) أي : فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به ؛ وذلك لأن الرسل ليسوا كغيرهم ، فإن الله أيدهم بتأييد ما أيده أحداً من الخلق ، وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته ، من غير أن تتخبطهم الشياطين ، ولا  يزيدوا فيه ، أو ينقصوا .

” تفسير السعدي ” ( ص 891 ، 892 ) .

ومن الغيب الذي استأثر الله بعلمه : معرفة ما في القلوب ، والضمائر ، والأنفس ، فمن زعم من البشر – غير الرسل – معرفته : فهو عرَّاف ، كاذب . قال الله تعالى في ثنائه على نفسه بما هو أهله : ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) غافر/19 .

قال ابن كثير رحمه الله :

” يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حَقّ الحياء، ويَتَّقُوهُ حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر” انتهى .

“تفسير ابن كثير” (7/137) .

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف يدَّعي العرَّافون والكهنة علمَ بعض الأمور الغيبية عن بعض الناس , ومن ذلك : استراق السمع من السماء , كما جاء في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ، قَالُوا لِلَّذِي قَالَ : الْحَقَّ وَهْوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ – وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى ، نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ – فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ ، قَبْلَ أَنْ يَرْمِىَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ ، فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِىَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ – وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ – فَتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيَصْدُقُ ، فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ ) .

رواه البخاري ( 4424 ) .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ ) ، قَالُوا : وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( وإياي إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أعانني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ ) .

رواه مسلم ( 2814 ) .

وهذا القرين ملازم للإنسان يعرف بعض شؤونه الخاصة , فربما خدم هذا القرينُ شياطينَ الساحر ، والعرَّاف ؛ لإغواء الناس ، وإيقاعهم في الشرك ، والتعلق بغير الله تعالى , فيعطي للعراف وللساحر بعض المعلومات الخاصة التي تغيب عن الناس , فيظن أن هذا الساحر ، أو العراف ، يعلم الغيب ، أو أنه صاحب كرامات , وقد يستخدم بعض الطرق للتلبيس على الناس , كاستخدام استفتاح المصحف , أو حركة البندول ، أو غير ذلك .

والدليل على كذب وتدليس مستخدم البندول : أن استخداماته في أمور كثيرة ، كتحديد جنس المولود , والكشف عن الأمراض ، وتحديد أماكنها ، وغير ذلك : مما يدل على كذب صاحب ذلك الادعاء ؛ لأنه ليس المقصود هو ” البندول ” بحد ذاته ، بل هو ادعاء صاحبه معرفة أشياء كثيرة غيبية ، وما استخدام البندول إلا حيلة حتى يصير التركيز عليه باعتباره وسيلة ! ولا يختلف هذا الفعل عن فعل إخوانه الكهان مما يدعون معرفة الغيب بالنظر في كف اليد ، أو فنجان القهوة ! .

وادعاء علاقة بين البندول والطاقة : ليس له أصل في الشرع ، ولا في العلم الحديث ، وإنما أُخذ هذا من الفراعنة ، وأتباعهم .

قالت الدكتورة فوز كردي – حفظها الله – :

وهذه الطاقة غير قابلة للقياس بأجهزة قياس الطاقة المعروفة ، وإنما يُدّعى قياسها بواسطة أجهزة خاصة مثل ” البندول ” ، فبحسب اتجاه دورانه تُعرف الطاقة السلبية من الطاقة الإيجابية .

انتهى

http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=44&Itemid=2

والمسلم في حكمه على الشيء ينطلق من ثوابت ومسلمات الشريعة , فالغيب استأثر الله بعلمه , والعراف من ادعى علم المستقبل , وتصديقهم من كبائر الذنوب , بل من الكفر .

ولا شك أن الشعوذة ، والسحر ، والكهانة ، تتطور على حسب تطور العصر ، فلما كان هذا العصر هو عصر التطورات والاكتشافات والتكنولوجيا : فلا بد أن يلبَس السحرُ والشعوذة لبوس العلم ، والتجربة , وتحت مسميات ” الطاقة الخفية ” ، أو ” الذبذبات العقلية ” … الخ .

ومثل هذه تنتشر في البلاد غير الإسلامية ممن يكثر بين أهلها انتشار الجهل والبدعة والخرافة ، كالهند ، وجنوب شرق آسيا ، وغيرها من البلاد ، ولا ينبغي أن ننسى دور ” البوذيين ” و ” الهندوس ” في نشر الخرافة في تلك البلاد ، حتى وصل تأثير ذلك إلى عوام المسلمين .

ثالثا :

يمكن تسمية ما يدعيه ذلك المشعوذ كهانة أو عرافة أو تنجيما ، فكلها ألفاظ تنطبق معانيها على ذلك الادعاء ، وهي في نفسها متداخلة في صورها ، ومتفقة في أحكامها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :

والمنجم يدخل في اسم الكاهن عند الخطَّابي ، وغيره من العلماء ، وحكى ذلك عن العرب ، وعند آخرين هو من جنس الكاهن ، وأسوأ حالا منه ، فلحق به من جهة المعنى .

” مجموع الفتاوى ” ( 35 / 193 ، 194 ) .

وقال القرطبي – رحمه الله – :

والعرَّاف : هو الحازر ، والمنجم : الذي يدَّعي علم الغيب ، وهي من العرافة ، وصاحبها عرَّاف ، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ، ومقدمات يدَّعي معرفتها ، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالزجر ، والطرْق ، والنجوم ، وأسباب معتادة في ذلك ، وهذا الفن هو العيافة ” بالياء ” ، وكلها يُطلق عليها اسم الكهانة .

قاله القاضي عياض .

” تفسير القرطبي ” ( 7 / 3 ) .

وقد هدى الله هذه الأمة لسلوك طريق الحق ، وكفاها عن مثل هذه الطرق , بثوابت في كتابه تعالى ، وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم , ومثل هذه الحيل والطرق المبتكرة لا تنطلي إلا على من لم يهتد بنبراس الهداية ، أو على إنسان قلَّ علمه ، وتفقهه بشريعة الإسلام ، وغلب عليه الجهل بالتوحيد .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android