قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء ) ؛ هل الصوم هنا من باب الحث أو من باب الوجوب ؟ أرجو توضيح ذلك . وجزاكم الله خيرا .
حكم الصوم في قوله صلى الله عليه وسلم (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ؟
السؤال: 135677
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
أمر الله عز وجل عباده بالتعفف عن الزنا والفجور ، وشرع الله الزواج ليعفوا أنفسهم عن الحرام والقذر ، بالحلال والطهر الذي شرعه الله لعباده .
ولما كان في علم الله تعالى أن كثيرا من الناس تتوق نفسه إلى الزواج ، غير أنه يعجز عن مؤنته ، أرشده بالصبر والتعفف إلى أن يجعل الله له فرجا ومخرجا . قال الله تعالى :
( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور/32-33 .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث المذكور في السؤال ، إلى الزواج الذي هو أعظم أسباب العفة ، فضلا عن المصالح العظيمة الأخرى التي تترتب عليه ، من تكثير نسل المسلمين ، وغير ذلك ، وأرشد من عجز عنه إلى إضعاف توقان نفسه ، وكسر شهوتها بالصوم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَطْلُوب مِنْ الصَّوْم فِي الْأَصْل كَسْرُ الشَّهْوَة ” انتهى .
واستنبط بعض أهل العلم حكمة أخرى من الأمر بالصوم في هذا الحديث ، إضافة إلى ما ذكر من كسر الشهوة . قال الإمام القاضي تقي الدين السبكي رحمه الله :
” وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ لِأَنَّ الصَّائِمَ أَظَلْفُ لِنَفْسِهِ وَأَرْدَعُ لَهَا مِنْ مُوَاقَعَةِ السُّوءِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ؛ فَفَهِمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ لِإِضْعَافِ الصَّوْمِ الْبَدَنَ فَتَضْعُفُ الشَّهْوَةُ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ زَائِدٌ عَلَيْهِ حَاصِلٌ مَعَهُ ؛ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكُونُ حَامِلًا لَهُ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، إمَّا لِبَرَكَةِ الصَّوْمِ ، وَإِمَّا لِأَنَّ حَقِيقًا عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ ، فَإِنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُبَاحَيْنِ ، فَالْكَفُّ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى” انتهى .
“فتاوى السبكي” (1/435) .
ثانيا :
الأمر بالصيام في هذا الحديث ليس على الوجوب ، بل هو على الاستحباب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ولا نعلم أحدا قال بوجوبه .
قال ابن بطال رحمه الله :
” ذهب جماعة الفقهاء إلى أن النكاح مندوب إليه مرغب فيه ، وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض على الرجل والمرأة ، مرة فى الدهر … ، واحتجوا بظاهر هذا الحديث ، وحملوا أمره عَلَيْهِ السَّلام بالنكاح على الإيجاب . قالوا : ولكنه أمر لخاص من الناس ، وهم الخائفون على أنفسهم العنت بتركهم النكاح ، فأما من لم يخف العنت ، فهو غير مراد بالحديث …
واحتج أهل المقالة الأولى بقوله : ( ومن لم يستطع فعليه بالصيام ) ، وإذا كان الصوم الذى هو بدل عن النكاح ليس بواجب فمبدله مثله ” . انتهى .
“شرح صحيح البخاري” لابن بطال (7/262) ، ونقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره . ينظر: فتح الباري (9/110) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب