أب يجاهر بفجوره أمام أسرته ولا ينفق عليهم ، فكيف يتصرفون معه ؟
السؤال: 136489
ما حكم الدين في أب له من الأولاد اثنان من سن 15 – 18 ، ولا يصرف عليهم ، ولا على منزله منذ أكثر من عشر سنوات ؛ حيث إن الأم هي المتكفلة بهم ، رغم أنه يعمل ، ويعيش معهم في نفس المنزل ، وقد أفسد في ابنه الصغير 15 سنة ما لا يمكن إصلاحه ، ويقيم علاقات غير شرعية مع سيدات ، ووصل به الأمر إلى إرسال ابنه الصغير لهم بالنقود ، ومحادثتهن أمام أبنائه على الهاتف ، وحيث إنه حاولت أخواته ، والكثير من الأقارب محادثته ، لكنه لا يرضي أن يسمع لأي شخص ، كبير ، أو صغير ، فما حكم المعاملة بينه وبين أبنائه ، وزوجته ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
أساء هذا الأب لنفسه حين فرَّط في الأمانة التي أوكل الله تعالى له حفظها ،
ورعايتها ، والعناية بها ، فزوجته وأولاده من رعيته التي سيسأله الله تعالى عنها ،
حفظها ، أم أضاعها ، والويل له – ولغيره ممن هو مثله – إن لم يتدارك نفسه ، ويرجع
إلى دينه ، ويعتني بهذه الأمانة لينجو يوم القيامة من إثم التضييع ، والتفريط .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ
مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ،
وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ …) رواه
البخاري (853) ومسلم (1829) .
وعن
مَعْقِلِ بْنِ يسار المُزنيِّ رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم يقول : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ
وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ) وفي رواية : (فَلَمْ
يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري (6731)
ومسلم (142) .
ثم
إن ذلك الأب لم يكتف بالإهمال في الإنفاق على أسرته – وهو أمر أوجبه الله عليه – بل
إنه جعل نفقته تلك على المحرمات من شهواته الدنيَّة ، فبدلاً من إنفاقها على زوجته
التي أحلها الله له ، وأوجب نفقتها عليه : جعل تلك النفقة في النساء الساقطات ،
وبدلاً من أن يضع المال في نفقة أبنائه : جعله في الفواحش ، والمحرمات .
ثانياً :
الواجب على أسرة ذلك الأب بذل الوسع في نصحه ، ووعظه ، وعدم تركه فريسة للشيطان ،
وأن يصحب ذلك تلطف في الأسلوب ، ولين في الكلام ، وها هو إبراهيم عليه السلام يضرب
لنا أروع الأمثلة في خطاب الابن الصالح مع الأب الكافر الفظ الغليظ ، فاستمع
لإبراهيم عليه السلام يقول لأبيه : (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ
الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيّاً . يَا
أَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً
. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ
لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) مريم/ 43 – 45 ، واستمع لرد ذلك الوالد الفظ كيف كان ،
(قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ
لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) مريم/ 46 ، فماذا كان رد الابن الصالح على
هذه الغلظة ، وذلك التهديد ؟ (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي
إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) مريم/ 47 .
وإننا لنرجو أن يكون استعمال الأسلوب الحسن نافعاً مع ذلك الأب ، مع كثرة الوعظ ،
والتذكير له ؛ لأنه يعيش في غفلة مهلكة ، ولا يمكن لمثله أن يكون سعيداً في قلبه ،
فلعله يأتيه وقت يجد لكلامكم أثراً طيِّباً في تغيير حاله للأحسن .
ولا يجوز لأبنائه وزوجته أن يطيعوه فيما حرَّم الله تعالى ، وعليهم بذل الوسع في
القضاء على كل طريق يصل من خلالها لارتكاب المحرمات ، وما لا يستطيعونه من ذلك :
فلا إثم عليهم فيه وهم غير مكلفين إلا بما في وسعهم .
وإذا لم يُجْدِ النصح معه نفعاً ، وكان له تأثير سيء على أبنائه ، ويُخشى من تعدي
السوء إلى أفراد أسرته : فالذي ننصح به هو الانفصال عنه بالكلية ـ إن أمكن ـ ،
وخاصة أنه لا ينفق على أسرته ، فليس هناك حاجة للبقاء معه إذا انغلقت طرق إصلاحه ،
وأوصدت أبواب هدايته ، بل لا يصدر منه إلا الشر المتعدي لتلك الأسرة .
قال
ابن مفلح الحنبلي رحمه الله :
قال
الإمام أحمد : يأمر أبويه بالمعروف ، وينهاهما عن المنكر .
وقال أيضاً : إذا رأى أباه على أمر يكرهه : يعلِّمه بغير عنف ، ولا إساءة ، ولا
يغلظ له في الكلام ، وإلا تركه ، وليس الأب كالأجنبي .
وقال أيضاً : إذا كان أبواه يبيعان الخمر : لم يأكل من طعامهم ، وخرج عنهم .
وقال أيضاً : إذا كان له أبوان لهما كرم يعصران عنبه ويجعلانه خمراً يسقونه :
يأمرهم ، وينهاهم ، فإن لم يقبلوا : خرج من عندهم ، ولا يأوي معهم .
“الآداب الشرعية” (1/476) .
نسأل الله أن يهدي والدهم للحق ، وأن يجمع بينه وبين أسرته على خير .
وانظر – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة : (120070)
و (104976)
و (95588)
و (27281)
.
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة