تفسير حديث يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة
السؤال: 136537
ما هو فهمكم وتفسيركم للحديث التالي حول المهدي ، والوارد في موقع الدرر السنية – الموسوعة الحديثية :
( يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة ، كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصل إلى واحد منهم ، ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق ، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم – ثم ذكر شيئا – فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي )
الراوي: ثوبان مولى رسول الله المحدث: البزار – المصدر: البحر الزخار – الصفحة أو الرقم: 10/100. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح .
أرجو توضيح : ما هو الكنز ؟ من هم الثلاثة ؟ من هو الخليفة ؟ هل زمن حدوث ذلك قريب أم بعيد ؟ من هم أصحاب الرايات السود ؟ هل هم مجوس الفرس في إيران ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا
:
الإيمان بخروج المهديّ من عقيدة أهل السنّة والجماعة ، وقد تواترت الأحاديث تواترا
معنويّاً بذلك ؛ ولذلك أورد العلامة الكتاني رحمه في ضمن ما جمعه من الأحاديث
المتواترة ، ونقل الحكم بتواتره عن غير واحد من أهل العلم ، كأبي الحسين الآبري ،
صاحب كتاب مناقب الشافعي ، والحافظ السخاوي ، وغيرهما . ينظر: “نظم المتناثر من
الحديث المتواتر” (236-240).
وفي
فتاوى اللجنة الدائمة (3 / 141) : ( الأحاديث التي دلّت على خروج المهدي كثيرة ،
وردت من طرق متعدّدة ، ورواها عدد من أئمّة الحديث ، وذكر جماعة من أهل العلم أنّها
متواترة معنويًّا منهم : أبو الحسين الآبريّ من علماء المائة الرّابعة ، والعلامة
السّفارينيّ في كتابه [ لوامع الأنوار البهية ] ، والعلامة الشّوكانيّ في رسالة
سمّاها [ التوضيح في تواتر أحاديث المهديّ والدّجّال والمسيح ]).
وليس المقصود من هذا المهديّ ما يزعمه الرافضة : أنّه موجود الآن ، وينتظرون خروجه
من سرداب سامراء ؛ إذ ذاك نوع من الهذيان ، وهوس شديد من الشّيطان ؛ حيث لا دليل
عليه من كتاب ولا سنّة ولا معقول صحيح
.
ثانيا
:
جاء
هذا الحديث من رواية الصحابي الجليل ثوبان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :
(
يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ ، كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ ، ثُمَّ لَا
يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ
الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ – ثُمَّ ذَكَرَ
شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ – فَقَالَ : فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ
حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ)
رواه ابن ماجه في ” السنن ” (رقم/4084)، والبزار في ” المسند ” (2/120)، والروياني
(رقم/619)، والحاكم في ” المستدرك ” (4/510)، ومن طريقه البيهقي في ” دلائل النبوة
” (6/515)
رووه من طريق سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن
ثوبان به مرفوعا .
ورواه الحاكم والبيهقي أيضا – بعد الرواية السابقة – من طريق عبد الوهاب بن عطاء ،
عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، به موقوفا من كلام
ثوبان .
وقد اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث ، على قولين
:
القول الأول : تصحيح الحديث .
قال
البزار رحمه الله :
”
وهذا الحديث قد روى نحو كلامه من غير هذا الوجه بهذا اللفظ ، وهذا اللفظ لا نعلمه
إلا في هذا الحديث ، وإن كان قد روي أكثر معنى هذا الحديث ، فإنا اخترنا هذا الحديث
لصحته ، وجلالة ثوبان ، وإسناده إسناد صحيح ” انتهى.
وقال الحاكم رحمه الله :
”
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ” انتهى . ولم يتعقبه الذهبي في تلخيصه .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
”
وهذا إسناد قوي صحيح ” انتهى.
”
النهاية في الفتن والملاحم ” (ص/17)، وقد اختلف حكم ابن كثير على الحديث ، فرجح في
” البداية والنهاية ” وقفه كما سيأتي .
وصححه القرطبي في ” التذكرة ” (ص/1201)، والبوصيري في ” مصباح الزجاجة ” (3/263)،
وصححه الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه ” إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن
والملاحم وأشراط الساعة ” (2/187)
القول الثاني : تضعيف الحديث
.
قال
عبد الله بن أحمد بن حنبل :
”
حدثني أبي قال : قيل لابن علية في هذا الحديث ؟ فقال : كان خالد يرويه فلم يُلتَفَت
إليه ، ضعَّفَ ابنُ علية أمره ، يعني : حديث خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ،
عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرايات ” انتهى.
”
العلل ” (2/325)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
”
رواه بعضهم عن ثوبان فوقفه ، وهو أشبه ، والله أعلم.
” انتهى.
”
البداية والنهاية ” (10/55)
وقال الذهبي رحمه الله :
”
أحمد في مسنده ، حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن علي بن زيد ، عن أبي قلابة ، عن ثوبان ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتم السود قد أقبلت من خراسان فأتوها
ولو حبوا على الثلج ، فإن فيها خليفة المهدي )
قلت
– أي : الذهبي – : أراه منكرا ، وقد رواه الثوري ، وعبد العزيز بن المختار ، عن
خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، فقال : عن أسماء ، عن ثوبان ” انتهى.
”
ميزان الاعتدال ” (3/128) .
كما
أعله الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في ” تفسير المنار ” (9/419-421) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
”
منكر …وقد ذهل من صححه عن علته ، وهي عنعنة أبي قلابة ، فإنه من المدلسين كما
تقدم نقْلُه عن الذهبي وغيره ، ولعله لذلك ضعف الحديث ابنُ علية من طريق خالد ، كما
حكاه عنه أحمد في ” العلل ” ( 1 / 356 ) وأقره ، لكن الحديث صحيح المعنى ، دون قوله
: فإن فيها خليفة الله المهدي ” انتهى باختصار.
”
السلسلة الضعيفة ” (رقم/85)
ثالثا
:
وقع
الخلاف أيضا في تفسير المراد بالكنز في هذا الحديث ، فمِن قائل إنه كنز الكعبة ،
ومِن قائل إنه الكنز الذي يحسر نهر الفرات عنه كما أخبرت عنه الأحاديث الصحيحة .
قال
الشيخ حمود التويجري رحمه الله :
”
قال ابن كثير في ” النهاية ” : ” والظاهر أن المراد بالكنز المذكور في هذا السياق
كنز الكعبة ”
قلت
–
أي الشيخ التويجري –
: وفي هذا نظر ؛ لما تقدم في باب النهي عن تهييج الترك والحبشة عن عبد الله بن عمرو
رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتركوا الحبشة ما تركوكم
؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ) رواه أبو داود ، والحاكم
، وقال : ” صحيح الإسناد “، ووافقه الذهبي في ” تلخيصه . وقد رواه الإمام أحمد من
حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف. وإسناده جيد.
والأقرب في الكنز المذكور في حديث ثوبان رضي الله عنه: أنه الكنز الذي يحسر عنه
الفرات ، وقد يكون غيره
. والله أعلم ” انتهى.
”
إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة ” (2/187) .
وهذا القول الثاني في تفسير الكنز ، قد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله احتمالا ،
فقال :
”
فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب
ـ
يعني الحديث الذي ذكر انحسار الفرات عن جبل من ذهب ـ
، دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي ، وذلك قبل نزول عيسى وقبل خروج النار جزما
” . فتح الباري (13/81) .
رابعا
:
لم
نقف على من نصّ على المقصود من الثلاثة والخليفة في الحديث ، كما أنه لم يرد في شيء
من الأحاديث الصحيحة النص على زمان خروج المهدي . لكنّ النّصوص تدلّ على عودة
الخلافة الإسلاميّة قبل قيام الساعة ، كقوله – صلّى الله عليه وسلّم – : ” يَا
ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ ، فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ
الْعِظَامُ ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ
مِنْ رَأْسِكَ
” .
أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن حوالة الأزديّ – رضي الله عنه – برقم (2535) ،
وأحمد في المسند (5/288) ، والحاكم في المستدرك (4/471) ، وصحّحه ، ووافقه الذّهبيّ
، وصحّحه الألبانيّ في صحيح سنن أبي داود برقم (2535(
ولعلّه أن يكون أحد هؤلاء الخلفاء الذين يظهرون في وقتهم المهديّ
.
ينظر : المهديّ وفقه أشراط السّاعة للدكتور محمّد إسماعيل المقدّم (ص728) وما
بعدها.
وينظر أيضا : فتاوى اللجنة الدائمة (3/140) في الفتوى رقم (1615) . وجواب السؤال
رقم (3259(
.
خامسا
:
أصحاب الرايات السود ليسوا هم مجوس الفرس في إيران ، بل الذي يدل عليه ظاهر الحديث
أنهم أناس من أهل المشرق ينصرون المهديّ ، ويقيمون سلطانه ، ويشدّون أركانه ، وتكون
راياتهم سوداء
.
وهذا كله إذا قدر أن الحديث في ذكرهم ثابت محفوظ .
قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله
:
”
وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني
أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي ، وهو محمد
بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه ، يصلحه الله في ليلة ؛ أي : يتوب
عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده ، بعد أن لم يكن كذلك ، ويؤيده بناس من أهل المشرق
ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه ، وتكون راياتهم سوداء أيضاً ” . انتهى
.
النّهاية في الفتن والملاحم (1/49) ، وكتاب الفتن للمروزيّ (1/310) ، إتحاف الجماعة
، للشيخ حمود التويجري (1/286) وما بعدها
.
والله أعلم
.
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة