ما هو الحديث القدسي ، وكيف كان يتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال: 136658
كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقي الحديث القدسي ؛ عن طريق جبريل أو عن أي طريق ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحديث القدسي وحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ،
إن هو إلا وحي يوحى .
وقد اختلف الناس في الحديث القدسي : هل لفظه ومعناه من الله تعالى ، أم إن معناه من
الله ولفظه من رسوله صلى الله عليه وسلم
:
فاختار بعضهم أن الحديث القدسي ، لفظه ومعناه ، موحى من الله تعالى
.
قال
الزرقاني رحمه الله :
”
الحديث القدسي الذي قاله الرسول حاكيا عن الله تعالى : فهو كلام الله تعالى أيضا ،
غير أنه ليست فيه خصائص القرآن التي امتاز بها عن كل ما سواه .
ولله تعالى حكمة في أن يجعل من كلامه المنزل معجزا وغير معجز ، لمثل ما سبق في حكمة
التقسيم الآنف من إقامة حجة للرسول ولدين الحق بكلام الله المعجز ، ومن التخفيف على
الأمة بغير المعجز ؛ لأنه تصح روايته بالمعنى وقراءة الجنب وحمله له ومسه إياه إلى
غير ذلك .
وصفوة القول في هذا المقام : أن القرآن أوحيت ألفاظه من الله اتفاقا ، وأن الحديث
القدسي أوحيت ألفاظه من الله على المشهور ، والحديث النبوي أوحيت معانيه ـ في غير
ما اجتهد فيه الرسول ـ والألفاظ من الرسول .
بيد
أن القرآن له خصائصه : من الإعجاز ، والتعبد به ، ووجوب المحافظة على أدائه ، بلفظه
ونحو ذلك ، وليس للحديث القدسي والنبوي شيء من هذه الخصائص .
والحكمة في هذا التفريق أن الإعجاز منوط بألفاظ القرآن ، فلو أبيح أداؤه بالمعنى
لذهب إعجازه وكان مظنة للتغيير والتبديل واختلاف الناس في أصل التشريع والتنزيل .
أما الحديث القدسي والحديث النبوي فليست ألفاظهما مناط إعجاز , ولهذا أباح الله
روايتهما بالمعنى ، ولم يمنحهما تلك الخصائص والقداسة الممتازة التي منحها القرآن
الكريم , تخفيفا على الأمة , ورعاية لمصالح الخلق في الحالين من منح ومنع , إن الله
بالناس لرءوف رحيم “
انتهى .
“مناهل العرفان” (1/37-38) .
واختار بعض أهل العلم القول الثاني ، وذهب إلى أن الحديث القدسي موحى من الله تعالى
بمعناه ، دون لفظه
:
قال
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وقد
اختلفَ العلماءُ رحمهم الله في لَفْظِ الحديثِ القُدْسيِّ : هل هو مِن كلامِ الله
تعالى أو أنّ الله تعالى أَوْحَى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم مَعْنَاه ؛ واللفظُ
لَفْظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟ على قولينِ :
القول الأول : إنّ الحديثَ القُدْسيَّ مِن عند الله لَفْظُهُ ومعناهُ ، لأنّ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم أضافهُ إلى الله تعالى ، ومِن المعلومِ أنّ الأصلَ في
القولِ المضافِ أنْ يكونَ بِلَفْظِ قائِله لا ناقلِه ، لا سيَّمَا أنّ النبيَّ صلى
الله عليه وسلم أقوى الناسِ أمانةً وأوثقهم روايةً .
القول الثاني: إنّ الحديث َ القُدْسِيَّ معناه مِن عند الله ، ولفظهُ لفْظُ النبيِّ
صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الراجح .
ثم
لو قيلَ : إنّ الأَوْلَى تركُ الخوضِ في هذا ، خوفًا مِن أنْ يكونَ مِن التنَطُّعِ
الهالكِ فاعلُهُ ، والاقتصارُ على القول : بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ ما رواه
النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّهِ وكفى ، لكانَ كافيًا ، ولعلّه أَسْلَمُ
والله أعلمُ ” انتهى مختصرا .
“مجموع فتاوى ابن عثيمين” (9/59-62) .
ومع أن الخلاف في المسألة سائغ ومشهور بين أهل العلم ، فالقول الأول ، وهو أن
الحديث القدسي موحى بلفظه ومعناه ، أظهر وأولى
.
قال
الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله
”
الحديث القدسي كلام الله لفظاً ومعنًى ، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما
يروي عن ربه، أنه قال : قال الله تعالى قال في حديث أبي ذر : ” قال الله تعالى: إني
حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظَّالموا ” رواه مسلم .
وهو
كلام الله لفظاً ومعنًى ، لكن يختلف عن القرآن : القرآن كلام الله لفظاً ومعنًى ،
والأحاديث القدسية كلام الله لفظه ومعناه . لكن له أحكام خاصة تختلف عن أحكام
القرآن : القرآن لا يمسه إلا متوضئ والأحاديث القدسية يمسها غير المتوضئ ، القرآن
يُتَعَبَّدُ بتلاوته والحديث القدسي لا يُتَعَبَد بتلاوته ، فله أحكام تختلف …
ولو
كانت الأحاديث القدسية معناها من الله ولفظها من الرسول لما صار هناك فرق بين
الأحاديث القدسية وغيرها ، ولما أضاف النبي صلى الله عليه وسلم هذا إلى ربه ، قال :
قال الله ، عن ربه أنه قال ، فنسبه إلى الله ، أضافه إلى الله ، قال : ” قال الله:
إني حرمت الظلم على نفسي ” انتهى .
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=14910 –
وأيا ما كان الراجح من القولين ، فالقولين يتفقان على أن الحديث القدسي وحي من الله
تعالى ، ولذلك ينسب إليه ، فيقال : قال الله تعالى ، أو قال النبي صلى الله عليه
وسلم فيما يرويه عن رب العزة …
وإذا كان وحيا من الله تعالى ، فإن الوحي به يكون بنفس طرق الوحي الذي ينزل على
النبي صلى الله عليه وسلم .
قال
الله تعالى :
(
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ
حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ
حَكِيمٌ ) الشورى/51 .
قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله :
”
هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله عز وجل ، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع
النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل ، كما جاء في صحيح
ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : “إن رُوح القُدُس نفث في
رُوعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب” .
وقوله: أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ : كما كلم موسى عليه السلام ، فإنه سأل
الرؤية بعد التكليم ، فحجب عنها .
وفي
الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله: “ما كلم الله أحدا
إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا ” الحديث ، وكان أبوه قد قتل يوم أحد ،
ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار الدنيا.
وقوله : أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ كما ينزل
جبريل عليه السلام ، وغيره من الملائكة ، على الأنبياء عليهم السلام ” انتهى .
“تفسير ابن كثير” (7/217) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث : (إن الله قد كتب الحسنات والسيئات)
:
”
قَوْله : ( فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ ) : هَذَا مِنْ الْأَحَادِيث
الْإِلَهِيَّةِ , ثُمَّ هُوَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَلَقَّاهُ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون
مِمَّا تَلَقَّاهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَك وَهُوَ الرَّاجِحُ ” انتهى .
“فتح الباري” (11/323) .
ومن
طرق تبليغ الرسالة إلى الرسل الكرام ، وإنزال الوحي عليهم : الرؤيا المنامية ، وهي
داخلة في الوحي المذكور في قوله تعالى : ( إلا وحيا ) .
قالت أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ
فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ )
.
رواه البخاري (4954) ومسلم (160) .
والله تعالى أعلم .
وللاستزادة : يراجع السؤال رقم : (121290)
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة