هل يكون مع المؤمن في الجنة أولاده وممتلكاته التي كانت له في الدنيا ؟
السؤال: 138845
هل كل ما يملكه الشخص من أشياء هنا في الدنيا ، كأولاد وممتلكات ، ستكون معه هناك في الجنة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
أفادت النصوص الشرعية ، من الكتاب والسنة ، أن أهل الجنة لهم فيها ما يشاءون مما
يشتهون ، لا يطلبون شيئا إلا وجدوه ، ولا يريدون حاجة إلا نالوها ، وهم مع ذلك لا
يكدر نعيمهم ، ولا ينغص عليهم بانقطاع أو زوال أو نقصان أو عيب .
ومن ذلك أهله وذريته – إن كانوا صالحين – فإن الله يلحقهم به ، وإن كانوا دونه في
العمل ، لتقر بهم عينه ، منة منه وفضلا – سبحانه – .
قال الله عز وجل : ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) فصلت/31-32.
وقال سبحانه : ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا
مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
الزخرف/71.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” ( لهم فيها ما يشاءون ) أي : من الملاذ : من مآكل ومشارب ، وملابس ومساكن ،
ومراكب ومناظر ، وغير ذلك ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب أحد .
وهم في ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال ، ولا انقضاء ، لا يبغون
عنها حولا . وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم ، وأحسن به إليهم ” انتهى .
“تفسير ابن كثير” (6 / 98)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ،
وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . فَاقْرَءُوا إِنْ
شِئْتُمْ : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ )
رواه البخاري (3244) ومسلم (2824) .
وروى البخاري (7519) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الْبَادِيَةِ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي
الزَّرْعِ ، فَقَالَ لَهُ : أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنِّي
أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ
وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ( أي سبق ذلك
لمح البصر ) فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا
يُشْبِعُكَ شَيْءٌ . فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجِدُ
هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ ،
فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ . فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم .
قال ابن حجر رحمه الله :
” وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها
. قاله المهلب ” انتهى .
“فتح الباري” (5 / 27)
ثانيا :
ليس يعني ذلك أن هذه الأشياء الموجودة في الجنة هي نفس الأشياء الموجودة في الدنيا
، بل ولا هي مماثلة لها من كل وجه ، وإنما هي تفاح حقيقة ـ مثلا ـ كما نفهمه من اسم
التفاح ، وهي لحم طير حقيقة ، كما نفهمه من لحم الطير ، وبينهما من التفاوت العظيم
، ما الله به عليم .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” لا يشبه شَيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا إلا في
الأسماء ” ، وفي رواية : ” ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء ” .
رواه ابن جرير
من رواية الثوري
وابن أبي حاتم في تفسيره (1/66) ، وغيرهما . قال البوصيري : ” رواه مُسَدَّد
موقوفًا ، ورواته ثقات” . انتهى . “إتحاف الخيرة المهرة” (8/273) ، وصححه الألباني
في “صحيح الترغيب” (3769) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” يَعْنِي أَنَّ مَوْعُودَ اللَّهِ فِي
الْجَنَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَاللَّبَنِ تُخَالِفُ
حَقَائِقُهُ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا ” انتهى .
“الفتاوى الكبرى” (6/468) .
وقال ابن كثير رحمه الله : ” يعني: أن بين ذلك بَونًا عظيما، وفرقًا بينا في
التفاضل “. انتهى .
“تفسير ابن كثير” (7/503) .
والخلاصة : أن الله تعالى يمن على عبده في الجنة بما يشتهيه ، وتقر به عينه فيها ،
لكن حقائق هذا النعيم : ليست هي نفس الأشياء التي كانت معه في الدنيا ، بل هي
مشابهة لها .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة