هل سيجد في نعيم الجنة ما يشبع هواياته في الدنيا ؟
السؤال: 126629
هل هناك نعيم في الجنة كالمجد أو النصر ، أعني بذلك ، إذا كان شخص يحب شيئاً ما مثل بطولة ” سوكر ” لكرة القدم ، وهذا الشخص لطالما يحلم أن يكون هو من يسجل هدف الفوز لفريقه في كأس العالم ، فكيف يمكن لكل من الهواية والمجد أو النصر أن يكون في الجنة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
جاءت النصوص التي تصف نعيم الجنة بصيغة العموم الذي لا يكاد يخصه شيء :
يقول الله عز وجل : ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ
الْمُحْسِنِينَ ) الزمر/34.
ويقول تعالى:
(
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ
مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) الشورى/22.
وقال سبحانه:
(
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ق/35.
ويقول أيضا :
(
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ
فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلًا مِنْ
غَفُورٍ رَحِيمٍ ) فصلت/31-32.
ويقول سبحانه : ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا
مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
الزخرف/71.
ويقول عز وجل :
(
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(
قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ،
وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . فَاقْرَءُوا إِنْ
شِئْتُمْ : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) )
رواه البخاري (3244) ومسلم (2824)
وكل ذلك يدل صراحة على أن المسلم المنعم في الجنة ينال في نعيمه كل ما يحبه ويهواه
ويشتهيه من ملذات الدنيا والآخرة
.
بل
جاء النص صريحا بأن من طلب شيئا من شهوات الدنيا حققت له :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ – وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الْبَادِيَةِ – أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي
الزَّرْعِ . فَقَالَ لَهُ : أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ ؟ قَالَ : بَلَى
وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ . قَالَ : فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ
نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ .
فَيَقُولُ اللَّهُ : دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ .
فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ : وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ
أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا
بِأَصْحَابِ زَرْعٍ ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رواه البخاري (2348)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
”
في هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها
. قاله المهلب ” انتهى.
”
فتح الباري ” (5/27)
وأما تفاصيل كيفية حدوثه والطريقة التي يعد بها في الجنة فذلك ما لا سبيل إلى العلم
به ، والأحرى في المسلم الحرص على كل عمل يقربه إلى الجنة ، وترك تفاصيلها ليومها ،
لعل الله تعالى يكرمنا بأعلى الدرجات فيها ، ونقول لك كما يُروَى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال للصحابي الذي سأل عن الخيل في الجنة : ( إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ
الْجَنَّةَ يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ) رواه
الترمذي (2543) وحسنه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (رقم/3001)
يقول المناوي رحمه الله :
”
مقصود الحديث أن ما من شيء تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها كيف شاءت ، حتى لو
اشتهى أحد أن يركب فرسا لوجده بهذه الصفة ” انتهى.
”
فيض القدير ” (3/35)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
”
قوله : ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ) ؛ أي: في الجنة كل ما يشاءون ، وقد ورد في
الحديث الصحيح أن رجلا قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يا رسول الله
! أفي الجنة خيل ؛ فإني أحب الخيل ؟ فقال : ( إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب
فرسا من ياقوتة حمراء تطير بك في الجنة شئت إلا فعلت . وقال الأعرابي : يا رسول
الله : أفي الجنة إبل ؛ فإني أحب الإبل ؟ قال : يا أعرابي ! إن يدخلك الله الجنة؛
أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك )
فإذا اشتهى أي شيء فإنه يكون ويتحقق ، حتى إن بعض العلماء يقول : لو اشتهى الولد
لكان له ولد ؛ فكل شيء يشتهونه فهو لهم . قال تعالى : ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الزخرف/71 ”
انتهى.
”
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ” (8/385)
انظر جواب السؤال رقم :
(1141) ،
(20286)
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة