0 / 0
157,74627/10/2009

تفسير قوله تعالى : ( ففروا إلى الله ).

السؤال: 139799

ما تفسير قوله تعالى : ( ففروا إلى الله إنني لكم منه نذير مبين )، ولماذا لم يصدّر الآية بكلمة ( قل ) كما في كثير من الآيات ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

هذه الآية من أعظم آيات القرآن الكريم ، تجمع معاني الخوف والرجاء : الخوف من الله تعالى ، واللجوء إليه سبحانه ، إذ لا منجا منه إلا إليه عز وجل ، أمر بالفرار منه إليه ليدل العباد على أنه أرحم بهم من كل من سواه ، وأنه عز وجل يريد بالعباد الرحمة والمغفرة . وفي ” مدارج السالكين ” (1/469-481) للعلامة ابن القيم كلام مطول مفيد عن منزلة ” الفرار ” من منازل السائرين .

يقول الله تعالى : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الذاريات/50. 

قال الإمام الطبري رحمه الله :

” يقول تعالى ذكره : فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به ، واتباع أمره ، والعمل بطاعته ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ ) يقول : إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه ، وأخوّفكم عذابه الذي أحلَّه بهؤلاء الأمم الذين قصّ عليكم قصصهم ، والذي هو مذيقهم في الآخرة . وقوله : ( مُبِينٌ ) يقول : يبين لكم نذارته ” انتهى.

” جامع البيان ” (22/440)

وقال القرطبي رحمه الله :

” لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم لذلك ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد ، أي قل لقومك : ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) أي : فروا من معاصيه إلى طاعته .

وقال ابن عباس : فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم . وعنه : فروا منه إليه واعملوا بطاعته .

وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان : ( ففروا إلى الله ) اخرجوا إلى مكة .

وقال الحسين ابن الفضل : احترزوا من كل شيء دون الله ، فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه .

وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن .

وقال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل ، ففروا إلى الله يمنعكم منه .

وقال ذو النون المصري : ففروا من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الشكر .

وقال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم .

وقال أيضا : فروا إلى ما سبق لكم من الله ، ولا تعتمدوا على حركاتكم .

وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله .

( إني لكم منه نذير مبين ) أي : أنذركم عقابه على الكفر والمعصية ” انتهى.

” الجامع لأحكام القرآن ” (17/53-54)

وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

” لما دعا العباد للنظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه ، أمر بما هو المقصود من ذلك ، وهو الفرار إليه أي : الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا ، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا ، فرار من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة ، و من الغفلة إلى ذكر الله ، فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله ، وقد زال عنه المرهوب ، وحصل له نهاية المراد والمطلوب .

وسمى الله الرجوع إليه فرارًا : لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره ، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسعادة والفوز ، فيفر العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره ، وكل من خفت منه فررت منه ، إلا الله تعالى ؛ فإنه بحسب الخوف منه ، يكون الفرار إليه ، ( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) ؛ أي : منذر لكم من عذاب الله ، ومخوف بَيِّنُ النذارة ” انتهى.

” تيسير الكريم الرحمن ” (ص/811)

ثانيا :

أما كلمة ( قل ) فقد وردت في آيات كثيرة في القرآن الكريم ، عددها نحو العشرة وثلاثمائة آية ، وذلك في سياقات متعددة ، ومواقف كثيرة ، ومعان عديدة ، غير أن ذلك لا يعني أن كل أمر يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغه للناس لا بد وأن يبدأ بكلمة ( قل ) ، فللقرآن أسلوبه المعروف ، ولغة العرب تسع ألوانا عديدة من البيان البليغ ، والتفنن في الأساليب هو من وجوه جمالها وتميزها .

وحول هذه الكلمة المذكورة بخصوصها ، يقول الدكتور فضل حسن عباس :

” أما كلمة ( قل ) فالمتدبر لآي القرآن وأسلوبه يجد أنها تأتي حينما تدعو الحاجة إليها ، وذلك حينما يكون الأسلوب أسلوبا تلقينيا ، سواء كان هذا التلقين تعليميا أم ردا على شبهات ، وذلك كما في السور الأخيرة الثلاث ، الإخلاص والمعوذتين ، وكما في الآيات التالية : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ) الأنعام/14-16.

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ) الأنعام/46، ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام/161-162

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة لا يرتاب في أنها جاءت في سياق خاص تلقينا وتعليما ” انتهى.

“قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية ” (ص/57).

ومن المهم أن نعلم أن التماس مثل هذه الحكم : إنما هو أمر اجتهادي ؛ قد يأتي باحث آخر بحكمة أخرى مع هذه ، أو هي أرجح وأولى ، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى تتبع إلى أساليب القرآن في التعبير ، والسياقات المختلفة التي وردت فيها الكلمة ، لالتماس محلها من البلاغة ، وتعرف الحكمة في ورودها .

وفوق كل ذي علم عليم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android