هل البقاء مع الزوجة الزانية حرام
السؤال: 141286
أنا عمري 33 سنة متزوج ولدي أربعة بنات ، ومشكلتي هي عندما تزوجت وجدت زوجتي غير بكر ، واعترفت بخيانتها فسامحتها وتابت ، ومع مرور السنين وجدتها على غفلة تحادث في الانترنت مع عدة رجال ، وبكت كثيرا واعترفت أنها لم تلتق بأي أحد منهم ، فسامحتها مرة أخرى ، لأن قلبي كبير وأسامح كل من يأخذ حقي ، وكل من يظلمني أسامح الكل ، ومع مرور بعض من الوقت بدأ حلم يراودني في المنام على أن زوجتي تخونني ، فقلت لها ماذا تفعلي ؟ فقالت على أنه حلم فقط ، لكن أنا متأكد من هذا الحلم على أنه حقيقة ، وبدأ نفس الحلم يراودني كل يوم ، حتى بين لي الله حقي ، فوجدت في هاتفها شخص باسم فتاة فلما واجهتها اعترفت على أنها على علاقة مع شخص آخر . والله حسيت كأن الموت جاءني ، فبدأت تبكي وندمت ندما شديدا فسامحتها من أجل بناتي ، ولكن الآن لا أحبها ولا أثق بها لقد حطمت حياتي . علما أن القانون عندنا أنها هي التي تأخذ البنات إن طلقتها. فمن أجل بناتي ضحيت بحياتي ، من أجل أن لا يمسهم شر.
وسؤالي هل علي إثم على هذه المسامحة ؟ هل لا تزال هذه المرأة تصلح للزواج ؟ هل لي أمل في الحياة مرة اخرى ؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إن من أعظم ما تجنيه المرأة على زوجها ، وترتكبه في حقه أن تفسد فراشه بزناها ،
فتخلط ماءه بماء نجس خبيث من الزنا ، ولهذا كان زنا الزوجة عارا على الزوج وشينا له
، وسوءا في حقه .
قال ابن القيم رحمه الله :
” الزِنى من المرأة أقبحُ منه بالرجل ،
لأنها تزيد على هتكِ حقِّ الله : إفسادَ فراشِ بعلها ، وتعليقَ نسبٍ من غيره عليه ،
وفضيحةَ أهلها وأقاربها ، والجناية على محض حق الزوج ، وخيانته فيه ، وإسقاط حرمته
عند الناس ، وتعييره بإمساك البغى ، وغير ذلك من مفاسد زناها” . انتهى .
زاد المعاد (5/377) .
ثانيا :
قد استقر في الفطر أنفة الرجل من أن
يتزوج زانية ، ولأجل ذلك حرم نكاح الزانية حتى تتوب من زناها . جاء في الإقناع
وشرحه :
” وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ إذَا عُلِمَ
زِنَاهَا عَلَى الزَّانِي وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا )
لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ
.. ” انتهى . ” كشاف القناع” (5/82) .
فإذا تبين الزوج زنا زوجته ، بعد أن
تزوجها ، وتبين له أنها لم تتب من ذلك ؛ حرم عليه إمساكها ، بل كان إمساكها ـ حينئذ
ـ دياثة ، يأنف منها كل ذي مروءة .
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَعَ إلَى بَيْتِهِ ، وَوَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ
رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَوَفَّاهَا حَقَّهَا وَطَلَّقَهَا ؛ ثُمَّ رَجَعَ
وَصَالَحَهَا وَسَمِعَ أَنَّهَا وُجِدَتْ بِجَنْبِ أَجْنَبِيٍّ ؟
فَأَجَابَ :
” فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ قَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي
لَا يَدْخُلُك بَخِيلٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا دَيُّوثٌ ” وَالدَّيُّوثُ ” الَّذِي
لَا غَيْرَةَ لَهُ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَإِنَّ اللَّهَ يَغَارُ
وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ وَقَدّ قَالَ
تَعَالَى : الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ
الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ ، وَكَذَلِكَ
إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ
الْحَالِ بَلْ يُفَارِقُهَا وَإِلَّا كَانَ دَيُّوثًا ” . انتهى . ” مجموع
الفتاوى (32/141) .
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ
اللَّهُ أيضا عَمَّنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ
غَيْرَهُ يَطَؤُهَا وَلَا يُحْصِنُهَا ؟ فَأَجَابَ
:
” هُوَ دَيُّوثٌ ؛ ” وَلَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ ” . وَاَللَّهُ أَعْلَم . انتهى .
“مجموع
الفتاوى” (32/143) .
ثالثا :
ما ذكرته من مسامحتك في حقك ، وعفوك
عمن ظلمك : هو صفة طيبة حسنة ، لكن ذلك إنما يحمد حيث لا يكون هناك هناك انتهاك
لحرمات الله ، ولا قبول بالخنا والفساد في نفسك وأهل بيتك ، فإن هذا مما استقر في
الفطر النفور منه ، وذم فاعله .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قَوْله تَعَالَى وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ
الْآيَةُ : نَهَى تَعَالَى عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي الْعُقُوبَاتِ
عُمُومًا ، وَفِي أَمْرِ الْفَوَاحِشِ خُصُوصًا ؛ فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ مَبْنَاهُ
عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالرَّأْفَةِ الَّتِي يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ
، بِانْعِطَافِ الْقُلُوبِ عَلَى أَهْلِ الْفَوَاحِشِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ ،
حَتَّى يَدْخُلَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ فِي الدِّيَاثَةِ
وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ ، إذَا رَأَى مَنْ يَهْوَى بَعْضَ الْمُتَّصِلِينَ بِهِ
، أَوْ يُعَاشِرُهُ عِشْرَةً مُنْكَرَةً ، أَوْ رَأَى لَهُ مَحَبَّةً أَوْ مَيْلًا
وَصَبَابَةً وَعِشْقًا ، وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ رَأَفَ بِهِ ، وَظَنَّ أَنَّ
هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ ، وَلِينِ الْجَانِبِ بِهِمْ ، وَمَكَارِمِ
الْأَخْلَاقِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ دياثة وَمَهَانَةٌ ، وَعَدَمُ دِينٍ وَضَعْفُ
إيمَانٍ ، وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَتَرْكٌ لِلتَّنَاهِي عَنْ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَتَدْخُلُ النَّفْسُ بِهِ فِي الْقِيَادَةِ
الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الدياثة ” انتهى .
“مجموع
الفتاوى (15/287-288) .
ولتعلم يا عبد الله أنه ليس كل عفو عن الناس يكون خيرا ، فقد كان النبي صلى الله
عليه وسلم أعظم الناس حلما وعفوا ، لكن كان ذلك ينتهي عند حدود الله ، فلا عفو فيها
، ولا عدوان عليها .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ
: ( مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ
بِيَدِهِ ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلَّا
أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
) .
رواه البخاري (6853) ومسلم (2328) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” العفو المندوب إليه ما كان فيه
إصلاح ؛ لقوله تعالى : فمن عفا وأصلح فأجره على الله [الشورى: 40] ؛ فإذا كان
في العفو إصلاح ، مثل أن يكون القاتل معروفاً بالصلاح ؛ ولكن بدرت منه هذه البادرة
النادرة ؛ ونعلم ، أو يغلب على ظننا ، أنا إذا عفونا عنه استقام ، وصلحت حاله ،
فالعفو أفضل ، لا سيما إن كان له ذرية ضعفاء ، ونحو ذلك ؛ وإذا علمنا أن القاتل
معروف بالشر والفساد ، وإن عفونا عنه لا يزيده إلا فساداً وإفساداً : فترك العفو
عنه أولى ؛ بل قد يجب ترك العفو عنه ” . انتهى . ” تفسير القرآن ” (4/247) .
ولا شك أن التجارب السابقة لهذه المرأة
تدل على أنها فاسدة ، غير مأمونة على بيتك وعرضك ، وعلى تربية أولادك ، فلا يحل لك
أن تمسكها ، وهي على هذه الحال ؛ وإذا كانت قد أظهرت الندم والتوبة ، فلا نرى لك أن
تأمنها بعدما أظهرت ، ثم عادت وخانت ، وأمرها ـ في صدق توبتها ـ بينها وبين ربها .
وأما بناتك : فاجتهد أن تأخذهم منها
بأي طريقة ، ولو بتهديدها ، ورفع الأمر إلى أهلها ، أو بالصلح معها على مقابل ، أو
ما يتيسر لك . المهم أن تسعى في الخلاص منها ، واستبقاء بناتك معك أنت . ونسأل الله
أن يخلف لك خيرا منها .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟