هل للزوج أن يسكن زوجته في بيت أبيه ، أثناء الإجازة ؟
السؤال: 141645
على حد فهمي : فإن للزوجة الحق في أن تطلب العيش في بيت مستقل عن أهل زوجها ، وسؤالي هو : هل هذا الأمر ينطبق حتى على المدة المؤقته ؟ لأنني سأزور أنا وزوجي أهله في الوطن ، وهناك يعيش أبواه في بيت صغير( غرفتين وحمام ) ، وأنا غير معتادة على التزاحم ، بل إنني قد جربت هذا الوضع عندما زرناهم في المرة السابقة ، فلم أرتح ، ولم أجد خصوصيتي ، ونحن بفضل الله قادرون على تحمل تكاليف الجلوس في الفندق ، ولكن زوجي يصر على أن اجلس في بيت أبويه ، فهل له حق في ذلك ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
توفير السكن الملائم للحياة الزوجية هو من واجبات الزوجة على زوجها ، ومن حقها أن
يكون ذلك السكن مستقلا ؛ لا يشاركها فيه زوجة أخرى ، ولا يسكنها مع أهله أو أقاربه
في بيت واحد مشترك المرافق .
قال
الشيخ عليش ، المالكي ، رحمه الله :
”
ولها ، أي : الزوجة ، الامتناع من أن تسكن مع أقاربه ، أي : الزوج ؛ لتضررها
باطلاعهم على أحوالها وما تريد ستره عنهم ، وإن لم يثبت إضرارهم بها ” انتهى .
“منح الجليل شرح مختصر خليل ” (4/395) . وينظر : ” التاج والإكليل” (4/186) .
وقال الكاساني ، الحنفي ، رحمه الله :
”
وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسْكِنَهَا مع ضَرَّتِهَا ، أو مع أَحْمَائِهَا
كَأُمِّ الزَّوْجِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ من غَيْرِهَا وَأَقَارِبِهِ ، فَأَبَتْ
ذلك : عليه أَنْ يُسْكِنَهَا في مَنْزِلٍ مُفْرَدٍ ، لِأَنَّهُنَّ رُبَّمَا
يُؤْذِينَهَا ويضررن بها في الْمُسَاكَنَةِ ، وَإِبَاؤُهَا دَلِيلُ الْأَذَى
وَالضَّرَرِ . وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُجَامِعَهَا وَيُعَاشِرَهَا في
أَيِّ وَقْتٍ يَتَّفِقُ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذلك إذَا كان مَعَهُمَا ثَالِثٌ ” انتهى
.
“بدائع الصنائع” (4/23) .
وجاء ـ أيضا ـ في “الموسوعة الفقهية” ـ (25/109) ـ :
”
الْجَمْعُ بَيْنَ الأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ لاَ يَجُوزُ ، (
وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنَ الأَقَارِبِ ) ؛ وَلِذَلِكَ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ
الاِمْتِنَاعُ عَنِ السُّكْنَى مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لأِنَّ الاِنْفِرَادَ
بِمَسْكَنٍ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا حَقُّهَا ، وَلَيْسَ
لأَِحَدٍ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ . وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الشَّرِيفَةِ
وَالْوَضِيعَةِ ، وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ
الشَّرِيفَةِ وَالْوَالِدَيْنِ ، وَبِجَوَازِ ذَلِكَ مَعَ الزَّوْجَةِ الْوَضِيعَةِ
، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالْوَالِدَيْنِ ضَرَرٌ
عَلَيْهَا . ” انتهى .
ثانيا :
تستحق الزوجة السكنى والنفقة على زوجها في السفر كما تستحقه في الحضر ، ما دامت قد
سافرت بإذن زوجها .
قال
الشيخ محمد بن عمر الجاوي الشافعي :
”
لا تسقط المؤن بسفرها بإذنه معه ؛ أي : الزوج ، ولو لحاجتها ، أو حاجة أجنبي ، أو
سفرها وحدها بإذن لحاجته .. ” انتهى .
“نهاية الزين” (1/336) .
ثالثا :
إذا
كان من حق الزوجة أن يفردها زوجها بمسكن خاص في الحضر ، فكذلك إذا كان في سفر ،
وبقيا فيه مدة : استحقت أن يفردها بمكان مستقل تسكن فيه ، مادام قادرا على ذلك ،
فإن عجز لم يلزمه ، وهكذا إن كان نزوله في السفر يسيرا ، لا يقيم فيه إقامة معتادة
.
وحاصل ذلك : أنه يراعى في المسكن الذي تحتاجه سواء كان في السفر أو الحضر أمران :
الأول : قدرة الزوج ذلك ، وذلك يختلف باختلاف حاله من حيث اليسار والإعسار .
الثاني : ما تحتاج إليه المرأة في مثل هذه الحال ، وهذا يختلف حضرا وسفرا ، ويختلف
أيضا باختلاف الزمان والمكان .
قال
الشيخ شمس الدين الرملي الشافعي ، رحمه الله :
”
ويحرم أن يجمع ضرتين ، أو زوجة وسرية في مسكن متحد المرافق ، أو بعضها ، كخيمة في
حضر ، ولو ليلة أو دونها … ، أما خيمة السفر فله جمعهما فيها ، لعسر إفراد كل
بخيمة ، مع عدم دوام الإقامة . ويؤخذ منه عدم جمعهما في محل واحد من
سفينة ، ما لم يتعذر إفراد كل بمحل ، لصغرها مثلا . أما إذا تعدد المسكن وانفرد كل
بجميع مرافقه نحو مطبخ وحش وسطح ورحبته وبئر ماء ولاق فلا امتناع لهما ” . انتهى ،
مختصرا .
“نهاية المحتاج” (6/382) .
وقد
نقل ابن عابدين رحمه الله في “حاشيته” تفريق بعض فقهاء الأحناف بين الشريفة الموسرة
: فيجب أن يفردها بدار ، ومتوسطة الحال : فيكفيها بيت ـ أي : غرفة ـ من دار . ثم
قال :
”
ومفهومه أن من كانت من ذوات الإعسار يكفيها بيت ، ولو مع أحمائها وضرتها ، كأكثر
الأعراب وأهل القرى وفقراء المدن الذين يسكنون في الأحواش والربوع .
وهذا التفصيل هو الموافق لما مر من أن المسكن يعتبر بقدر حالهما ، ولقوله
تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم الطلاق 6 ، وينبغي اعتماده في زماننا هذا
… ؛ إذ لا شك أن المعروف يختلف باختلاف الزمان والمكان . فعلى المفتي أن
ينظر إلى حال أهل زمانه وبلده إذ بدون ذلك لا تحصل المعاشرة بالمعروف ” انتهى .
مختصرا .
“رد
المحتار” (3/601-602) .
والخلاصة :
أن
على الزوج أن يسكن زوجته في مسكن يلائمها ، ولا تضرر فيه ، أو يشق عليها فيه معاشرة
زوجها بالمعروف ، فإن كان قادرا على أن يوفر لها مسكنا آخر ، سوى بيت أبيه : وجب
عليه ذلك .
وينبغي على الزوجة أن تراعي حال زوجها ، وعشرته لأهله بالمعروف ، وصلته لرحمه : فإن
كان نزولهم في فندق ، أو بيت مستقل : يسبب وحشة مع أهله ، أو قطيعة لرحمه ، فينبغي
عليها أن تتحمل شيئا من المشقة مراعاة لحال زوجها ، لا سيما إذا كانت فترة الزيارة
يسيرة ، يمكن تحملها بشيء من الكلفة .
ومثل هذه المسائل الاجتماعية تحتاج إلى قدر كبير من التفاهم ، وإيثار كل منكما
لصاحبه ، ومراعاته للعشرة بالمعروف ، أكثر من حاجتها إلى معرفة الحقوق والواجبات ؛
فالإحسان إلى العشير شيء ، ومجلس القضاء شيء آخر .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟