عمل أصله في الأرض وفرعه في السماء !!
السؤال: 142201
أورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث في تفسيره للآية/24 من سورة إبراهيم :
وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل ، حَدَّثَنَا أَبَان – يَعْنِي اِبْن زَيْد الْعَطَّار – حَدَّثَنَا قَتَادَة : أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! ذَهَبَ أَهْل الدُّثُور بِالْأُجُورِ . فَقَالَ :
( أَرَأَيْت لَوْ عَمَدَ إِلَى مَتَاع الدُّنْيَا فَرَكَّبَ بَعْضه عَلَى بَعْض أَكَانَ يَبْلُغ السَّمَاء ؟ أَفَلَا أُخْبِرُك بِعَمَلٍ أَصْلُهُ فِي الْأَرْض وَفَرْعُهُ فِي السَّمَاء ؟ قَالَ : مَا هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : تَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ، وَاَللَّه أَكْبَر ، وَسُبْحَان اللَّه ، وَالْحَمْد لِلَّهِ عَشْر مَرَّات فِي دُبُر كُلّ صَلَاة ، فَذَاكَ أَصْلُهُ فِي الْأَرْض وَفَرْعُهُ فِي السَّمَاء )
بحثت عن صحة هذا الحديث فلم أظفر بشيء ، علما بأني أطبق هذا الحديث منذ سنوات ، فهل أحصل على أجر إذا طبقت حديثا ضعيفا قبل أن يتبين لي صحته ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
هذا
الحديث رواه ابن أبي حاتم في ” التفسير ” (رقم/13098)، ولم نقف عليه عند غيره ،
وسلسلة الإسناد التي يرويه بها رواتها ثقات حفاظ :
1-
فأولهم أبو حاتم الرازي الإمام الحافظ المعروف .
2-والثاني : موسى بن إسماعيل : هو المنقري مولاهم ، أبو سلمة التبوذكي البصري : قال
فيه يحيى بن معين :
ثقة
مأمون . وقال أبو الوليد الطيالسي : موسى بن إسماعيل ثقة ، صدوق . وقال محمد بن سعد
: كان ثقة ، كثير الحديث . وقال أبو حاتم : ثقة . انظر: ” تهذيب التهذيب ” (10/335)
3-والثالث : أبان بن يزيد العطار : قال فيه الإمام أحمد : ثبت في كل المشايخ . وقال
ابن معين : ثقة . وقال النسائي : ثقة . وقال ابن المديني : كان عندنا ثقة . انظر: ”
تهذيب التهذيب ” (1/101)
4-والرابع : قتادة بن دعامة السدوسي الإمام الحافظ ، من أئمة التابعين المشهورين ،
ذكره ابن المديني فيمن تدور عليهم الأحاديث من أهل البصرة ، ولد سنة ستين أو إحدى
وستين ، وتوفي سنة مائة وبضع عشرة . كما في ” تهذيب التهذيب ” (8/355)
وليس ثمة أي انقطاع بين هؤلاء الرواة ، فكلهم أخذ عن شيخه ، وثبت الاتصال بينهم ،
وروايتهم عن بعضهم مشهورة محفوظة .
ومع
ذلك تبقى في الحديث علة ظاهرة ، وهي : الإرسال .
فقتادة من صغار التابعين ، وليس من الصحابة ، بل ولا من كبار التابعين ، ولم يثبت
سماعه عن أحد من الصحابة سوى أنس بن مالك رضي الله عنه ، بل بينه وبين كثير من كبار
التابعين انقطاع ، ولم يثبت له عنهم سماع .
قال
الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : ” ما أعلم قتادة سمع من أحد من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم إلا من أنس بن مالك”. انظر: ” جامع التحصيل في أحكام المراسيل ”
للعلائي (ص/255)
وروايته ههنا مرسلة ، لم يصرح فيها باسم من أخذ عنه الحديث ، ورفعه من كلام النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل روايته حتى يظهر اسم شيخه الذي أخذ عنه الحديث ، فقد
يكون ضعيفا ، خاصة وأن قتادة من المكثرين من الإرسال ، والعلماء لا يقبلون مراسيله
، حتى كان يحيى بن سعيد القطان لا يراها شيئا ويقول : هي بمنزلة الريح . انظر : ”
جامع التحصيل ” (ص/37)
قال
الحافظ الذهبي رحمه الله :
”
ومن أوهى المراسيل عندهم : مراسيل الحسن . وأوهى من ذلك : مراسيل الزهري ، وقتادة ،
وحميد الطويل ، من صغار التابعين . وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات
ومنقطعات ، فإن غالب روايات هؤلاء عن تابعي كبير ، عن صحابي ، فالظن بمرسله أنه
أسقط من إسناده اثنين ” انتهى.
”
الموقظة ” (ص/40) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة.
فالحاصل أن هذا الحديث ضعيف لا يصح ، وعلته الإرسال .
ثانيا :
إذا
ورد الحديث الضعيف بنسبة فضيلة معينة لعبادة ، وكانت هذه الفضلية مشروعة من حيث
الأصل بأدلة أخرى صحيحة : يجوز للمسلم – في هذه الحالة – أن يقوم بتلك العبادة
مستحضرا الأجر والفضل الوارد في الحديث الضعيف ، طمعا في كرم الله وسعة فضله ،
ورجاء أن يحقق الله له مقصوده ومرامه ، والمرفوض في فضائل الأعمال هي الأحاديث التي
ترد بتقييد العبادة بصفة معينة ، أو هيئة معينة ، لم يرد الشرع بها أصلا ، فهذه لا
يعمل بها في الفضائل .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
”
مقادير الثواب والعقاب وأنواعه : إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع ، جازت
روايته والعمل به ، بمعنى : أن النفس ترجو ذلك الثواب ، أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل
يعلم أن التجارة تربح ، لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا ؛ فهذا إن صدق نفعه ، وإن
كذب لم يضره … فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا ، مثل صلاة في
وقت معين ، بقراءة معينة ، أو على صفة معينة : لم يجز ذلك ؛ لأن استحباب هذا الوصف
المعين لم يثبت بدليل شرعي .
بخلاف ما لو روي فيه : ( من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله كان له كذا وكذا )
فإن ذكر الله في السوق مستحب ، لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ، فأما تقدير
الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته .
فالحاصل : أن هذا الباب يروى ، ويعمل به في الترغيب والترهيب ، لا في الاستحباب ؛
ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي ” انتهى
باختصار.
”
مجموع الفتاوى ” (18/66)
وقال العلامة المعلمي رحمه الله :
”
صيغة الدعاء المروية بسند ضعيف يكثر الانتفاع بها بدون ارتكاب محظور ، فقد يختار
المكلف ذلك الدعاء لا لكونه مأثورا ، بل لكونه جامعا للمقاصد ، أو بليغا ، أو
مناسبا لحاله ، ونحو ذلك ، وإذا اختير دعاء لداع من هذه الدواعي ، وواظب عليه
المُختار : لم يكن عليه حرج إجماعا ” انتهى.
“حكم العمل بالحديث الضعيف” (ق/16): نقلا عن محقق ” الوابل الصيب ” عبد الرحمن قائد
(ص/30)
والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير من الأذكار المشروعة أدبار الصلوات ، وردت بها
أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها ، فلا حرج عليك من الإتيان بها ـ أحيانا ـ على
النسق المذكور في الحديث الوارد في السؤال ، مع رجاء أن يكتب الله لك الأجر الوارد
فيه ، فهو أمر إن لم ينفع لم يضر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ؛
مع أن الصيغة المشهورة في ذلك : التسبيح ثلاثا وثلاثين ، والتحميد والتكبير مثل ذلك
: أفضل ، والمواظبة عليها أفضل ، لكن لا بأس بالتنويع بين الصيغ الواردة في ذلك .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟