تزوج الأولى إرضاء لأهله ثم عدَّد ، وهو يميل للثانية ، فماذا يصنع ؟ وبم يُنصح ؟
السؤال: 144138
تزوجت قبل سنوات طويلة بزوجة أخي بعد وفاته ، وهي أكبر مني بسنوات كثيرة ، وكان الزواج إرضاء لوالديَّ فهذا طلبهم ، وكي نربي بنات أخي ، ويكونون قريبات من أبي وأمي ، والزوجة لها محرم في منزل والدي , ورزقت – بحمد الله – بأبناء منها ، وعشت سني عمري غير مقتنع بالزواج ، وأهرب كثيراً من مسؤوليات كثيرة ، فالأمر خارج عن إرادتي ، فما يجمعني بها إلا المودة والرحمة والأبناء .
ومرَّت السنوات ، حتى قررت الزواج بفتاة بِكر ، وصغيرة ، وملتزمة ، والحمد لله وفقني الله ، وعوَّضني كثيراً بهذه الزوجة ، كما لا يخفى عليكم بأن أمر التعدد أمر صعب , وأنا أعترف بأني لا أستطيع أبداً أن أعدل مهما حاولت ، وإضافة إلى ذلك : الميل القلبي لزوجتي الثانية ، فأنا أراه هو الزواج الأول بالنسبة لي ، كما أنها استطاعت وبقوة – بعد فضل الله – أن تكسبني كثيراً بالكلام الطيب ، والفعل الحسن مع والدي وزوجتي وأبنائي وأخلاقها الحسنة مع جميع أقاربي ، كما أنها دائماً تكرر ” سامحتك ” و ” حللتك لوجه الله ” ، وزوجتي الأولى في مرات تغضب ” ولا تحللني ” , ومرات لأني أخبرها بطيبة الثانية وكلمتها الغالية فتقول : ” الله يسامحك ” ، و ” الله يوفقك ” ، أي : فقط غيرة منها – والله العالم – .
والواقع أنني تزوجتها وهي تعرف بكل الظروف , وأخبرناها منذ الخطبة أني سأتزوج ببكر بعد فترة ووافقت , لماذا الآن الغيرة طغت عليها وبدأت تضغط عليَّ من ناحية العدل ؟! هي حقها كزوجة معلوم لكن أنا إنسان لم أعدد إلا رغماً عني ، من المفترض أن تتنازل كثيراً ، وأن تقدر ظروفي النفسية والمادية والمعنوية .
وباختصار : فإن الزوجة الأولى فازت بأمور لم تفز بها الثانية ! والثانية : أحاول أن أعوضها كثيراً بما لا أستطيع أن أقدِّمه في هذه الفترة لها ، مثلاً : الآن زوجتي الأولى تسكن في دور أرضي كامل مؤثث بالكامل والحمد لله بيتها جميل ، وفي الدور الثاني تسكن زوجتي الثانية في شقة , وتوجد شقتان أيضاً مؤجرة ، هل يحق لي أن أزيد من مصروف الزوجة الثانية عوضاً عن البيت ؟ هل يجوز لي أن أهديها وأن أسفِّرها ، وأن أشتري لها ذهباً عوضاً عن البيت ؟ سمعت أنه من العدل والمفترض إعطاؤها من إيجار الشقة الثانية ؟ فهل هذا صحيح ؟ علماً أن زوجتي الثانية لم ترزق حتى الآن بأبناء ، والله يرزقنا بالذرية الصالحة .
فبماذا تنصحوني في مشكلتي هذه ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
ينبغي أن يعلم أن العدل بين زوجتيك منه
ما هو واجب عليك ، ومنه ما هو غير مستطاع لا منك ولا من غيرك من الأزواج المعددين .
أ. أما العدل الذي أوجبه الله تعالى
عليك :
1. فهو العدل في النفقة ، بأن تعطي كل
زوجة حاجتها من الطعام والشراب وضروريات الحياة.
2. والعدل في الكسوة ، بأن توفر لكل
واحدة منهما كسوة في الصيف والشتاء .
3. والعدل في المبيت ، بأن تجعل لكل
واحدة منهما ليلة تبيت عندها ، ثم تبيت عند الأخرى في الليلة التي بعدها .
4. والعدل في السكن ، بأن تُسكِن كل
واحدة منهما بالسكن الملائم لحالها بما هو في مقدورك ، ولا يلزم أن يكون كلا
السكنين بسعة واحدة ، والمهم : أن لا يكون بينهما تفاوت متعمد – وانظر تفصيل هذا في
جواب السؤال رقم (
121487 ) .
وهذا العدل هو أمر واجب مستطاع ، فهو
في أمر ظاهر يستطيع المعدد ضبطه وإعطاء كل ذات حق حقها ، ومن لم يستطع القيام به :
فيحرم عليه أن يعدد ، بل يكتفي بزوجة واحدة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) النساء/ 3 .
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : (
10091 ) .
ب.
وأما العدل غير الواجب : فهو ليس في استطاعتك ، ولا في استطاعة أحد غيرك ، وهو
العدل في المحبة القلبية ، وفي ذلك يقول تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن
تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ
فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ
كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) النساء/ 129 .
قال
الشافعي – رحمه الله – :
فقال بعض أهل العلم بالتفسير : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ) بما في
القلوب ، فإن الله عز وجل وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب .
(
فلا تميلوا ) تتبعوا أهواءكم .
(
كل الميل ) بالفعل مع الهوى ، وهذا يشبه ما قال ، والله أعلم .
”
الأم ” ( 5 / 158 ) .
وعليه :
فقولك ” لا أستطيع أبداً أن أعدل مهما حاولت ” : غير مقبول منك إذا كان قصدك منه
العدل الواجب .
وقولك ” وإضافة إلى ذلك : الميل القلبي
لزوجتي الثانية ” : قد سبق منا بيان أن هذا من المعفو عنه ، بشرط عدم الميل الكلي .
ثانياً:
لتعلم أنه لا ذنب لزوجتك الأولى أن
تكون تزوجتها إرضاء لأهلك ، فلها عليك حقوق يجب أن تؤديها لها ، ولا ينبغي لك أن
تقارن بينها وبين الزوجة الثانية ؛ فالخطأ منك وأنت تحملها إياه ، فقد تزوجتها من
غير رغبة ، وتزوجت الأخرى برغبة جامحة ، فكيف تقارن بينهما ؟ وكيف تريد إلزامها
بمسامحتك إن أخطأتَ في حقها ، فليس ثمة ما يوجب عليها فعل ذلك .
فاتق الله تعالى ربَّك في زوجتك الأولى
، وبما أن هذا هو ظرفك : فأمامك خيارات :
الأول : أن تبقي عليها مع تحقيق العدل
في الأمور الظاهرة ، والتي أوجبها عليك ربك عز وجل ، فإن أبقيتها مع ظلمها :
استحققت إثم الظالمين ، وعاقبة الظلم وخيمة ، وهو من الذنوب التي يعجل الله عقوبتها
في الدنيا ، فاحذر من سخط الله وأليم عذابه .
الثاني : أن تطلقها ، وتسرحها سراحاً
جميلاً ، وتعطيها حقوقها المالية .
الثالث : أن تصالحها ، بأن تبقيها في
عصمتك مع رضاها بالتنازل عن حقوقها التي أوجبها الله تعالى عليك .
قال ابن كثير – رحمه الله – :
إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها
، أو يطلقها : فلها أن تسقط حقها ، أو بعضه ، من نفقة ، أو كسوة ، أو مبيت ، أو غير
ذلك من الحقوق عليه ، وله أن يقبل ذلك منها ، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ، ولا
عليه في قبوله منها .
” تفسير ابن كثير ” ( 2 / 426 ) .
وانظر تتمة كلام ابن كثير ، وأدلة هذه
المسألة في جواب السؤال رقم : (
110597 ) .
ثالثاً:
كل ما سألتَ عنه في آخر كلامك إنما هو من الميل الواضح للزوجة الثانية ، فاتق الله
تعالى أن تفعل شيئاً مما قلتَه وسألتَ عنه ، فطالما أنك تنفق على زوجتك الثانية ما
يكفيها : فليس لك أن تزيد في نفقتها لأنها تسكن في شقة والأولى في دور أرضي ، فلا
تقارن بين زوجة لها أولاد ، وأخرى ليس لها ذرية ، فحاجة الأولى لمسكن واسع يحتم
عليك أن تهيأ مسكناً يتسع لها ولأولادها ، وإسكانك الثانية في شقة وحدها كافٍ في
تحقيق العدل الواجب عليك .
فليس لك أن تعطيها نفقة زائدة مقابل أنها تسكن في شقة أقل سعة من الأولى ، وليس لك
أن تعطيها من أجرة الشقة المؤجرة التي تملكها ، وليس لك أن تهبها ذهباً ، ولا أن
تسفرها ، دون أن تحقق هذا العدل مع زوجتك الأولى ، فتعطيها مثل ما تعطي الأولى ،
وتقرع بينهما في السفر فمن خرجت قرعتها سافرتَ بها ، وإن سافرت بالثانية دون قرعة :
أثمتَ ، ولزمك قضاء كل الأيام التي قضيتها مع الثانية فتجعلها من نصيب الأولى .
وينظر حول أحكام مهمة في التعدد ما ذكر في الموقع على هذا الربط :
(تعدد
الزوجات والعدل بينهن)
ونسأل الله تعالى أن يهديك لتحقيق
العدل بين نسائك ، وأن يشرح صدرك للحق ، وأن يرزقك الذرية الصالحة الطيبة .
والله أعلم
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة