تفسير قوله تعالى : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان )
السؤال: 145728
ما معنى الآية التي ذكرت أن الإنسان لن يسأل عن الذنب يوم القيامة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لعل مقصود السائل بالآية قول الله عز وجل : (
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ) الرحمن/39.
وهي
من الآيات العظيمة الجليلة الواردة في سورة الرحمن ، في سياق الحديث عن أهوال يوم
القيامة العظيمة ، وبيان أن من هول ذلك اليوم العظيم أنه لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا
جان .
وقد
فسر العلماء ذلك بتفاسير عدة :
الأول : أن الإنس والجان لا يُسأَلون يوم القيامة سؤال استفهام واستعلام عن ذنوبهم
، فالله عز وجل أعلم بها ، ولكنه سبحانه يسألهم سؤال تقرير أو توبيخ أو تقريع ،
وهذا فيه مزيد تخويف وتهويل لما يحدث يوم القيامة .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” (
لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جآن ) لماذا ؟ لأن كل شيء معلوم ، والمراد لا يسأل سؤال
استرشاد واستعلام ، لأن كل شيء معلوم ، أما سؤال تبكيت فيسأل ، مثل قوله تعالى : (
ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأَنباء يومئذ فهم لا
يتساءلون ) وقال عز وجل : ( إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما
سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) وقال عز وجل لأهل النار وهم يلقون فيها : (
أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى ) وأمثالها كثير .
إذن
لا يسأل عن ذنبه سؤال استرشاد واستعلام ، وإنما يسألون سؤال تبكيت وتوبيخ ، وما جاء
من سؤال الإنس والجن عن ذنوبهم : هل أنت عملت أو لم تعمل ؟ فهو سؤال تبكيت وتوبيخ ،
وهناك فرق بين سؤال الاسترشاد وسؤال التوبيخ فلا تتناقض الآيات ، فما جاء أنهم
يسألون فهو سؤال توبيخ ، وما جاء أنهم لا يسألون فهو سؤال استرشاد واستعلام ؛ لأن
الكل معلوم ومكتوب ” انتهى.
”
تفسير القرآن ” ( من الحجرات إلى الحديد ) (ص/317)
والثاني : أن من الأحداث الهائلة التي تكون في ذلك اليوم أن الله عز وجل يختم على
قلوب الكافرين والمنافقين ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون ، فلا يسألون
في ذلك الموقف ، وإنما تسأل أبدانهم لتشهد عليهم بذنوبهم .
والثالث : أن الكفار لهول ما يلاقون يوم القيامة يعرفون باسوداد وجوههم ، وزرقة
أعينهم ، فلا حاجة لسؤالهم عن ذنوبهم وقد بدت عليهم علامات الخزي فيهم ، وفي هذا
أيضا هول شديد وموقف عصيب يوم القيامة ، ولا ينفي ذلك وقوع السؤال الحقيقي في موقف
آخر ، فالقيامة يوم طويل ، ومراحل ومواقف مختلفة .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
”
وقوله : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ )، وهذه
كقوله : ( هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ . وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ )
المرسلات/35-36، فهذا في حال ، وثَمّ حال يسأل الخلائق فيها عن جميع
أعمالهم ، قال الله تعالى : ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ .
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الحجر/92-93. ولهذا قال قتادة : ( فَيَوْمَئِذٍ لا
يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ) ، قال : قد كانت مسألة ، ثم ختم على
أفواه القوم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون
.
قال
علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لا يسألهم : هل عملتم كذا وكذا ؟ لأنه أعلم بذلك
منهم ، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا ؟ فهو قول ثان
.
وقال مجاهد في هذه الآية : لا يسأل الملائكة عن المجرم ، يُعْرَفُون بسيماهم .
وهذا قول ثالث .
وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار ، فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم ، بل يقادون
إليها ويلقون فيها ، كما قال تعالى : ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ) أي
: بعلامات تظهر عليهم .
وقال الحسن وقتادة : يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون . قلت : وهذا كما يعرف
المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء ” انتهى.
”
تفسير القرآن العظيم ” (7/499)
ويقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :
”
قوله تعالى : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ
الْمُرْسَلِينَ ) الآية . هذه الآية الكريمة تدل على أن الله يسأل جميع الناس يوم
القيامة ، ونظيرها قوله تعالى : ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ,
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، وقوله: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ )،
وقوله : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ، وقد
جاءت آيات أخر تدل على خلاف ذلك كقوله : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ
إِنْسٌ وَلا جَانٌّ )، وكقوله : ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ )
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه
:
الأول : وهو أوجهها لدلالة القرآن عليه وهو أن السؤال قسمان : سؤال توبيخ وتقريع ،
وأداته غالبا ( لِمَ )، وسؤال استخبار واستعلام ، وأداته غالبا ( هل ) ، فالمثبَت
هو سؤال التوبيخ والتقريع ، والمنفي هو سؤال الاستخبار والاستعلام .
وجه
دلالة القرآن على هذا أن سؤاله لهم المنصوص في القرآن كله توبيخ وتقريع ، كقوله : (
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ . مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ) ، وكقوله : (
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ ) ، وكقوله : ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ
رُسُلٌ مِنْكُمْ ) ، وكقوله : ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ )، إلى غير ذلك من
الآيات ، وسؤال الله للرسل : ماذا أجبتم ؛ لتوبيخ الذين كذبوهم ، كسؤال الموؤودة :
بأي ذنب قتلت ؛ لتوبيخ قاتلها .
الوجه الثاني : أن في القيامة مواقف متعددة ، ففي بعضها يسألون ، وفي بعضها لا
يسألون ” انتهى.
”
دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب ” (ص/15)
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟