0 / 0

يسأله النصارى أين هي نسخ المصاحف التي نسخها عثمان رضي الله عنه

السؤال: 145833

يسألني النصارى أين توجد نسخ القرآن التي نسخها عثمان بن عفان ؟ فلا أستطيع إجابتهم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذا السؤال يحتمل أمرين :

الأول : أن يكون سؤال استفهام حقيقي عن مكان وجود المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه بنسخها ، وبعث بها إلى أمصار المسلمين ليعتمدوها ويحرقوا ما سواها ، فالجواب عن هذا الاستفهام أنه لم يثبت لدينا شيء عن مكان وجود هذه المصاحف اليوم ، ولا عن صحة ما تدعيه بعض المتاحف في العالم من احتوائها على بعض المصاحف العثمانية أو حتى مصحف عثمان الشخصي ” المصحف الإمام “، وإن كنا كذلك لا ننفي صحة هذه الاحتمالات ، فعالم المخطوطات عالم عميق عمق التاريخ ، ومعقد بتعقيداته ، ولا يبعد أن تكون بعض المصاحف المسماة بالعثمانية اليوم هي فعلا تلك التي نسخت بأمر عثمان رضي الله عنه .

وللاطلاع على تفاصيل هذا الموضوع يمكن قراءة كتاب ” أضواء على مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ورحلته شرقا وغربا ” للدكتورة سحر السيد عبد العزيز سالم ، طبع مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندرية ، 1991م.

يقول الشيخ الزرقاني رحمه الله :

” ليس بين أيدينا دليل قاطع على وجود المصاحف العثمانية الآن ، فضلا عن تعيين أمكنتها ، وقصارى ما علمناه أخيرا أن ابن الجزري رأى في زمانه مصحف أهل الشام ، ورأى في مصر مصحفا أيضا .

أما المصاحف الأثرية التي تحتويها خزائن الكتب والآثار في مصر ويقال عنها إنها مصاحف عثمانية : فإننا نشك كثيرا في صحة هذه النسبة إلى عثمان رضي الله عنه ؛ لأن بها زركشة ونقوشا موضوعة كعلامات للفصل بين السور ، ولبيان أعشار القرآن ، ومعلوم أن المصاحف العثمانية كانت خالية من كل هذا ، ومن النقط والشكل أيضا .

نعم إن المصحف المحفوظ في خزانة الآثار بالمسجد الحسيني والمنسوب إلى عثمان رضي الله عنه مكتوب بالخط الكوفي القديم ، مع تجويف حروفه وسعة حجمه جدا ، ورسمه يوافق رسم المصحف المدني أو الشامي ، حيث رسم فيه كلمة : ( من يرتدد ) من سورة المائدة بدالين اثنين مع فك الإدغام ، وهي فيها بهذا الرسم .

فأكبر الظن أن هذا المصحف منقول من المصاحف العثمانية على رسم بعضها .

وكذلك المصحف المحفوظ بتلك الخزانة ، ويقال إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتبه بخطه ، يلاحظ فيه أنه مكتوب بذلك الخط الكوفي القديم ، بيد أنه أصغر حجما ، وخطه أقل تجويفا من سابقه ، ورسمه يوافق غير المدني والشامي من المصاحف العثمانية حيث رسمت فيه الكلمة السابقة : ( من يرتد ) بدال واحدة مع الإدغام ، وهي في غيرهما كذلك .

فمن الجائز أن يكون كاتبه عليا ، أو يكون قد أمر بكتابته في الكوفة .

” مناهل العرفان ” (1/404-405)

ويقول الدكتور غانم القدوري :

” مسألة مصير المصاحف العثمانية الأصلية ، وهل من المحتمل أن يكون قد بقي منها شيء : هي مسألة تاريخية كبيرة ، ليس من اليسير – هنا – الإلمام بكل جوانبها ، ونكتفي بالإشارة إلى أن العلماء قد رووا – في وقت مبكر – ذهاب تلك المصاحف ، ولا شك أن من روى ذلك كانت روايته بقدر ما عرفه ، ولا ينفي أن تكون المصاحف العثمانية قد بقيت لعدة قرون بعد ذلك :

فبينما نجد الإمام مالك بن أنس (ت179هـ) يسأله ابن وهب عن مصحف عثمان رضي الله عنه ، فيقول : بأنه ذهب ، نجده يخرج لهم مصحفا قديما كان قد كتبه جده إذ كتب عثمان المصاحف .

ويُروى أن أبا عبيد قال : إنه رأى الإمام مصحف عثمان ، استخرج له من بعض خزائن الأمراء ، وأنه رأى فيه أثر دمه .

ويشير الداني (ت 444هـ) كثيرا إلى تتبعه بعض الحروف في المصاحف العتق ، فيقول – مثلا – إنه رأى مصحفا جامعا عتيقا كتب في أول خلافة هشام بن عبد الملك سنة عشر ومائة كان تاريخه في آخره .

كذلك يَروي ابن كثير (ت 774هـ) وابن الجزري (ت 833هـ) أنهما رأيا بعض المصاحف القديمة المكتوبة على الرق في جامع دمشق وفي مصر كذلك .

فهذه الروايات تشير إلى احتمال أن تكون المصاحف العثمانية الأصلية قد ظلت موجودة دهرا طويلا في المساجد الجامعة ، خاصة إذا تصورنا ما حظيت به تلك المصاحف من الرعاية والاحترام ، فهي المصاحف الأئمة التي نسخ الناس عنها مصاحفهم في الأمصار بعد إجماع الأمة على المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان رضي الله عنه .

ومن الملاحظ أن أئمة رواية الرسم كثيرا ما يقولون إنهم رأوا كلمة معينة في المصحف الإمام مصحف عثمان ، كالذي يروى عن أبي عبيد ، وعاصم الجحدري ، ويحيى بن الحارث ، وأبي حاتم ، ولعل كلمة المصحف الإمام كانت تشمل جميع المصاحف التي كتبت بأمر عثمان رضي الله عنه في أي مصر من الأمصار ، وليس مصحف المدينة أو المصحف الخاص بالخليفة فحسب ، وربما تشمل أيضا المصاحف الكبيرة التي كانت توضع في المساجد الجامعة للقراءة أو لنسخ المصاحف منها ، والتي نسخت من المصاحف العثمانية الأصلية ، ولعل ذلك يفسر لنا أيضا ما يكتب في آخر بعض المصاحف من أنه بخط الخليفة عثمان ، أي بنفس الهجاء الذي كتبت عليه المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان رضي الله عنه .

وتوجد الآن في مكتبات العالم مجموعة كبيرة من المصاحف القديمة ، أو قطع منها قد كتبت على الرق ، وبالخط الكوفي القديم ، مجردة من النقط والشكل ، ومن كثير مما ألحق بالمصاحف من أسماء السور وعدد آيها وغير ذلك ، بحيث تبدو أقرب إلى الصورة التي كانت عليها المصاحف الأولى .

ويثار السؤال القديم مرة أخرى في الوقت الحاضر ، وهو : هل يمكن أن يكون واحد من هذه المصاحف القديمة الباقية أحد المصاحف العثمانية الأصلية ؟

إن أغلب الباحثين أَمْيَل إلى استبعاد ذلك ، إذ من المتعذر اليوم العثور على مصحف كامل كتب في القرن الهجري الأول أو الثاني وعليه تاريخ نسخه أو اسم ناسخه ، وكذلك فإنها في الغالب غير مجردة تماما من العلامات التي أدخلت في وقت متأخر ، إلى جانب أن إقرار ذلك يحتاج إلى أدلة تاريخية ومادية واضحة وقوية ، ودراسة متعددة الوجود ، وهو ما لم يتح للدارسين بعد القيام بها .

ومهما كان الرأي في تلك المصاحف فإنها – دون شك – قديمة ترجع إلى القرون الهجرية الأولى ، بل ربما إلى القرن الأول بالذات ، خاصة حين لا يظهر فيها أي أثر للإصلاحات التي أدخلت على الخط العربي في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ، إلا بعض العلامات النادرة أحيانا ، فهي بذلك أقرب إلى الفترة التي يحتمل أن تكون المصاحف العثمانية موجودة فيها ، وربما نسخت منها أو من مصحف نسخ من أحدها ، وهي لذلك خير ما يمثل واقع الرسم الذي نسخت به المصاحف العثمانية .

وتملك مكتبات التراث الإسلامية في مصر خير مجموعة من تلك المصاحف القديمة ، كذلك يروى أن أحد تلك المصاحف القديمة كان موجودا في الحرم النبوي في المدينة المنورة حتى الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، حيث نقله العثمانيون إلى الآستانة مع انسحابهم من أراضي الحجاز ، ويقال إنه انتقل إلى ألمانيا .

ومنها مصحف محفوظ الآن في مدينة طشقند في تركستان الإسلامية في روسيا ، وقد قامت بنشره – في مطلع هذا القرن – جمعية الآثار القديمة الروسية ، وطبعت منه خمسين نسخة ، ومع ذلك فإن الدراسات عن تلك المصاحف القديمة وعددها في مكتبات العالم لا تزال قليلة ” انتهى باختصار يسير.

” رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية ” (ص/188-191)

الاحتمال الثاني الذي يحتمله هذا السؤال : أن يكون الغرض منه التشكيك في المصاحف الموجودة بين أيدينا اليوم : وهذا ما نستبعده عن السائل لظهور خطئه ؛ فإن تواتر نقل القرآن الكريم عبر مئات الآلاف من الأسانيد المتصلة والكتب والمصاحف والمخطوطات أمر مشهور معروف ، ولو أنشئت المؤسسات العلمية الكبيرة لحصر هذه الأسانيد والمصاحف والكتب وجمع أدلة تواتر القرآن الكريم لما أمكنها ذلك ، تماما كما لو أنشأنا مؤسسة بحثية لإثبات تواتر خبر وجود دولة كالصين مثلا في عالم الناس اليوم ، فهل يطلب عاقل القيام بذلك ، وهل بالإمكان حصر جميع الأخبار ، والآثار ، والمشاهدات ، التي وقعت لكل إنسان رأى الصين ، أو جاءه شيء منها ، أو اتصل به خبرها بوجه ما ؟!!

ثم مع ذلك كله ، بل فوق ذلك كله : حفظ القرآن في الصدور ، ونقله شفاها ، شخصا عن شخص ، وجيلا عن جيل ، وقرنا عن قرن ، من أول نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى يوم الناس هذا ، لا يختلفون ولا يمترون فيه .

والمصاحف العثمانية إنما أخذت عن تواتر القرآن الكريم في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وليست هي المصدر الأول لرواية القرآن ، فكيف نقلب المنهج اليوم وننفي تواتر القرآن بعدم وقوفنا على المصاحف العثمانية .

يقول العلامة الزرقاني رحمه الله:

” ثم إن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئا ، ما دام المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة ، وإماما عن إمام ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن حتى الآن .

على أن المصاحف العثمانية نسخت على غرارها الآلاف المؤلفة في كل عصر ومصر ، مع المحافظة على الرسم العثماني ” انتهى.

” مناهل العرفان ” (1/405)

فقل لسائلك ، بدلا من أن تتحير :

أين عشر معشار ذلك كله ، وأدنى منه بكثير ، لشيء من كتبكم ، ودينكم ؟!

لقد ذكرنا سؤال هذا النصراني بقول الشاعر حافظ إبراهيم رحمه الله :

يا ساكِنَ البَيتِ الزُجا       جِ ، هَبِلتَ ، لا تَرمِ الحُصونا

أَرَأَيتَ قَبلَكَ عارِياً       يَبغي نِزالَ الدارِعينا

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android