هل بوسعكم توضيح حديث : ( رحم الله أبا ذر ، يمشي وحيدا ، ويموت وحيدا ، ويبعث وحيدا ) ما يقصد بقوله : ( ويبعث وحيدا ) ؟.
لم يصح حديث : (رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده)
السؤال: 148989
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الحديث روي من طريقين :
الحديث الأول : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
( لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون :
يا رسول الله ! تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه . حتى قيل : يا رسول الله ! تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوه ، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
فتلوم أبو ذر رضي الله عنه على بعيره فأبطأ عليه ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره ، فخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله ، ونظر ناظر من المسلمين ، فقال : يا رسول الله ، هذا رجل يمشي على الطريق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا ذر . فلما تأمله القوم ، قالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو ذر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .
فضرب الدهر من ضربته ، وسير أبو ذر إلى الربذة ، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه إذا مت فاغسلاني وكفناني ، ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق ، فأول ركب يمرون بكم فقولوا : هذا أبو ذر ، فلما مات فعلوا به كذلك فاطلع ركب ، فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره ، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة ، فقالوا : ما هذا ؟ فقيل : جنازة أبي ذر . فاستهل ابن مسعود رضي الله عنه يبكي ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده . فنزل فوليه بنفسه حتى أجَنَّه – أي : دفنه -، فلما قدموا المدينة ذكر لعثمان قول عبد الله وما ولي منه .
رواه ابن إسحاق في ” المغازي ” – كما في مختصرها ” السيرة النبوية ” لابن هشام (2/524)– ومن طريقه الحاكم في ” المستدرك ” (3/51)، ومن طريقه البيهقي في ” دلائل النبوة ” (5/221-222) عن بريدة بن سفيان الأسلمي – في إسناد الحاكم : يزيد بن سفيان ، وهو تصحيف -، عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن مسعود رضي الله عنه به .
قال الحاكم رحمه الله :
” هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ”
وقال ابن كثير رحمه الله :
” إسناده حسن ولم يخرجوه ” انتهى.
” البداية والنهاية ” (5/13)
والأقرب للصواب أنه إسناد ضعيف بسبب بريدة بن سفيان ، قال فيه البخاري : فيه نظر . وقال النسائي : ليس بالقوي في الحديث . وقال الدارقطني : متروك . انظر: ” تهذيب التهذيب ” (1/433)
وأعله بعض أهل العلم المعاصرين بالانقطاع ما بين محمد بن كعب القرظي وعبد الله بن مسعود ، ولكن لعل الصواب أنه متصل ، فقد أثبت السماع أبو داود – كما في ” تهذيب التهذيب ” (9/373) -، وصحح الترمذي حديثا قال فيه محمد بن كعب : سمعت عبد الله بن مسعود . وقال العلائي : هذا هو الصحيح . ” جامع التحصيل ” (ص/268)، وانظر : ” السلسلة الصحيحة ” للشيخ الألباني (رقم/3327)
فيكتفى بالعلة الأولى في تضعيف الحديث .
وقد اختلف فيه على ابن إسحاق ، فرواه ابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (66/216) من طريقه أيضا ولكن مرسلا من غير ذكر ابن مسعود ، وفيه : عن ابن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا – فذكره -.
ورواه ابن عساكر أيضا في ” تاريخ دمشق ” (66/217) من طريق سيف بن عمر ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب مرسلا أيضا .
الحديث الثاني : عن أبي المثنى الأملوكي الحمصي :
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى أصحابه قال : عويمر حكيم أمتي ، وجندب طريد أمتي ، يعيش وحده ، ويموت وحده ، والله وحده يكفيه )
رواه الحارث بن أبي أسامة في ” المسند ” – كما في ” بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ” (1/303) – قال : حدثنا داود بن رشيد ، ثنا محمد بن حرب ، عن صفوان ، عن أبي المثنى به .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
” هذا إسناد صحيح إلى أبي المثنى ؛ فإن صفوان – وهو ابن عمرو السكسكي – ثقة ؛ لكنه مرسل ؛ على جهالة في أبي المثنى ، واسمه ضمضم الأملوكي ، روى عنه هلال بن يساف أيضا كما في ” الجرح والتعديل ” على خلاف في ذلك تراه في ” التهذيب “… وجملة القول أن الحديث مرسل ، وبه أعله السيوطي في ” الجامع الصغير ” ، على جهالة في مرسِله . والله أعلم ” انتهى.
” السلسلة الضعيفة ” (رقم/5530)
فالحاصل أن هذا الحديث ضعيف لا يثبت .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” بسند ضعيف ” انتهى.
” الإصابة ” (7/129)
وقال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله :
” وفى هذه القصة نظر ، فقد ذكر أبو حاتم بن حبان في ” صحيحه ” – (15/57-62) – وغيره في قصة وفاته ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الأشتر ، عن أبيه ، عن أم ذر ، قالت :
لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : ما لي لا أبكي ، وأنت تموت بفلاة من الأرض ، وليس عندى ثوب يسعك كفنا ، ولا يدان لي في تغييبك ؟ قال : أبشري ولا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المسلمين ، وليس أحد من أولئك النفر إلا وقد مات في قرية وجماعة ، فأنا ذلك الرجل ، فوالله ما كَذَبتُ ولا كُذِبت ، فأبصري الطريق ، فقلت : أنَّى وقد ذهب الحاج ، وتقطعت الطرق ، فقال : اذهبى فتبصَّرِي . قالت : فكنت أسند إلى الكثيب أتبصر ، ثم أرجع فأمرضه ، فبينا أنا وهو كذلك ، إذ أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم ، قالت : فأشرت إليهم ، فأسرعوا إليَّ حتى وقفوا عليَّ فقالوا : يا أمة الله ؛ ما لك ؟ قلت : امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه . قالوا : ومن هو ؟ قلت : أبو ذر . قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه ، فقال لهم : أبشروا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين . وليس من أولئك النفر رجل إلا وقد هلك في جماعة ، والله ما كَذَبْتُ ولا كُذِبت ، إنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها ، فإني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا ، أو عريفا ، أو بريدا ، أو نقيبا ، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار قال : أنا يا عم ، أكفنك في ردائي هذا ، وفى ثوبين من عيبتي من غزل أمي . قال : أنت فكفِّنِّي ، فكفَّنَه الأنصاري ، وقاموا عليه ، ودفنوه في نفر كلهم إيمان ) ” انتهى.
” زاد المعاد ” (3/534-535) .
والحديث حسنه الألباني في ” صحيح الترغيب ” (رقم/3314) .
فإذا لم يثبت سند الحديث ، فلا حاجة إلى الخوض في تفسيره ، خاصة وأن ظاهر قوله : ( ويبعث وحده ) يدل على أنه يقوم يوم القيامة من قبره إلى المحشر وحيدا ، لا يمشي في جماعة وأمة كما هو حال سائر الأمم ، وهذا معنى غريب لم يثبت مثله في السنة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب