روى الإمام مالك في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم لا تجعل قبري صنماً يُعبد )
فهل بالإمكان تزويدي برقم الحديث لأطلع على نصه تماماً ، فقد بحثت عنه في الموطأ فلم أجده
حديث اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد
السؤال: 149729
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
هذا الحديث يرويه الإمام مالك في ” الموطأ ” (رقم/593- طبعة مؤسسة زايد آل نهيان، ورقم/414- طبعة دار إحياء التراث تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) في أوائل باب ” جامع الصلاة “، عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )
وعطاء بن يسار ليس من الصحابة ، بل من التابعين ، فحديثه مرسل .
ولكن ورد الحديث مسندا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا ، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) هكذا من دون كلمة ( يعبد ).
رواه الإمام أحمد في ” المسند ” (12/314) طبعة مؤسسة الرسالة، وقال المحققون : إسناده قوي . وصححه الشيخ الألباني في كتاب ” تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ” (ص/24) وإن كان قال الحافظ ابن رجب في ” فتح الباري ” (2/441) عن حديث أبي هريرة : ” بإسناد فيه نظر “.
ثانيا :
يدل هذا الحديث على حرمة بناء المساجد على القبور ، وحرمة قصد الصلاة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحرمة كل الأفعال التي كان يفعلها الكفار عند أوثانهم من ذبح ونذر واتخاذ سرج ونحو ذلك .
يقول ابن عبد البر رحمه الله :
” الوثن : الصنم ، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة ، أو غير ذلك من التمثال ، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن ، صنما كان أو غير صنم ؛ وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها ، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم : كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم ، فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى إليه ، ويسجد نحوه ويعبد فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله ، الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجدا ، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها ، وذلك الشرك الأكبر ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه ، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم من امتثال طرقهم ” انتهى.
” التمهيد ” (5/45)
ويقول أيضا :
” وليس فيه حكم أكثر من التحذير أن يُصلَّى إلى قبره ، وأن يتخذ مسجدا ، وفي ذلك أمر بأن لا يعبد إلا الله وحده ، وإذا صنع من ذلك في قبره ، فسائر آثاره أحرى بذلك ، وقد كره مالك وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان ، وذلك والله أعلم مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك ” انتهى.
” الاستذكار ” (2/360)
وقد نقل هذا الكلام الحافظ ابن رجب رحمه الله ، وأكده ، ثم قال :
” وقد اتفق أئمة الإسلام على هذا المعنى :قال الشافعي رحمه الله : وأكره أن يعظم مخلوق حتى يتخذ قبره مسجدا ، خشية الفتنة عليه وعلى من بعده .
وقال صاحب ” التنبيه ” من أصحابه : أما الصلاة عند رأس قبر رسول الله متوجها إليه فحرام.
قال القرطبي : بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعلوا حيطان تربته ، وسدوا الداخل إليها ، وجعلوها محدقة بقبره ، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذ كان مستقبل المصلين ، فتتصور إليه الصلاة بصورة العبادة ، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره . ولهذا المعنى قالت عائشة : ( ولولا ذلك لأبرز قبره )” انتهى.
” فتح الباري ” لابن رجب (2/442-443)
وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله أن هذا الحديث كان دليل الإمام مالك رحمه الله على كراهة أن يقول المسلم : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم . خشية أن يكون هذا الكلام من اتخاذ القبر وثنا يعبد .
يقول القاضي عياض رحمه الله :
” الأَوْلى عندي أن منعَه وكراهة مالك له – قول : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم – لإضافته إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه لو قال : زرنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدى ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ” انتهى.
” الشفا ” (2/84)
وفي ” البيان والتحصيل ” لابن رشد (18/444-445) :
” سئل مالك رحمه الله تعالى عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم ، فقال : ما هذا من الأمر ، وذكر حديث : ( اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد )
قال ابن رشد : فيُكره أن يُكثر المرور به ، والسلام عليه ، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر بفعله ذلك كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : ( اللهم لا تجعل قبري وثنًا ) ” انتهى.
وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر ، ويسلمون ويدعون ساعة ، فقال :
” لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها ، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ” انتهى.
” الشفا بتعريف حقوق المصطفى ” (2/676)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” اتفق أئمة الدين على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ، ولا أن تعلق عليها الستور ، ولا أن ينذر لها النذور ، ولا أن يوضع عندها الذهب والفضة ، بل حكم هذه الأموال أن تصرف في مصالح المسلمين إذا لم يكن لها مستحق معين ، ويجب هدم كل مسجد بني على قبر كائناً من كان الميت ، فإن ذلك من أكبر أسباب عبادة الأوثان ” انتهى.
” مجموعة الرسائل والمسائل ” (1/54)
ويقول أبو الوليد الباجي رحمه الله :
” دعاؤه صلى الله عليه وسلم أن لا يجعل قبره وثنا يعبد تواضعا والتزاما للعبودية لله تعالى ، وإقرارا بالعبادة ، وكراهية أن يشركه أحد في عبادته ، وقد روى أشهب عن مالك أنه لذلك كره أن يدفن في المسجد ، وهذا وجه يحتمل أنه إذا دفن في المسجد كان ذريعة إلى أن يتخذ مسجدا ، فربما صار مما يعبد ” انتهى.
” المنتقى شرح الموطأ ” (1/306)
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب