تريد المشورة في شأن زوجها الذي يحادث النساء
السؤال: 150638
أريد المشورة : ماذا أفعل في مشكلتي ، وما هو التصرف السليم في حلها ؟
أنا متزوجة ، ولم يَحُل الحول على زواجي ، كما أنني حامل ، والمشكلة العظمى أنني أشك
بنسبة 96% بأن زوجي يغازل ويتحدث إلى بنات أجنبيات عنه ، حيث إني اكتشفت ذلك
بالصدفة البحتة عن طريق هاتفه الجوال والرسائل الموجودة فيه ، بالإضافة إلى
تصرفاته التي تؤكد ذلك ، وصُدمت صدمةً شديدة ، حيث إني لم أقصر في حقه حتى يلتفت
إلى غيري ، الرجاء الرد بأسرع وقت ممكن ؛ لأنني باختصار أمُرُّ بأصعب أيام حياتي .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قبل أن يبحث المرء عن النجاة من همِّ المشكلة التي يواجهها لا بد أن يدرك حقيقة
الدنيا التي يعيشها ، وأنها مطبوعة على الأخطار ، مجبولةٌ على الأكدار ، يتقلب
الدهر فيها بين مأساة ومسرة ، ومِن المُحال فيها دوام الحَال ، ومن المحال فيها أن
يتخلص المرء من كل أكدارها وأحزانها :
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدُها ** صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلّف الأيَّامٍ ضدَّ طباعها ** متطلّبٌ في الماءِ جذوة نار
ولهذا شعر أهل الجنة بما هم فيه من النعيم ، وكان من أعظم نعيمها أن قرت أعينهم بما
هم فيه ، فلا خوف من فوات حاضر ، ولا حزن على ماض تولى :
( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا
لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا
يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) فاطر/34-35 .
فالسعيد هو مَن وَطَّنَ نفسه على تحمل المشاق ، وغَذَّى روحه وقلبه بقوة الإيمان
بالله واليقين ، واستسلم بكليته لله رب العالمين .
إن أعظم ما يمكن أن ننصحك به – وكل مهموم ومكروب – هو قوة النفس وثبات العزم ، وهي
صفات يمكن اكتسابها بالتعلم والتدرب ، لا ينبغي لأي إنسان أن يتجاوزها ، بل يجب
عليه اعتياد تحديث النفس بها ، والقراءة عنها ، والتأمل في سير الصالحين الذين
نالوا منها أوفر حظ ونصيب .
إن العبد المسلم إذا استغرقت محبةُ الله تعالى قلبَه ، هان دونه كل شيء ، وتلاشت كل
العلائق البشرية عنه ، فينجو من كل ما يحيط به من كربات ، ويتعامل مع المشكلات بكل
حكمة وثبات .
وأما عن مشكلتك فأمرها عارض سريع الزوال بإذن الله ، ينبغي حدُّها في حجمها المناسب
من غير تهوين ولا تهويل ، كي لا يُتجاوز في علاجها الطريقة الصحيحة .
كثيرة هي الحالات التي تصاب بها الزوجات بسبب تطلع أزواجهم الطامعين إلى غيرهن ،
فيتجاوزون الحلال إلى الحرام ، والمباح إلى المعصية ، ولكن كثيرا من تلك الحالات تم
علاجها – بحمد الله – لتعود الأمور إلى نصابها الصحيح .
ويمكن أن نُذَكِّرَ هنا بأمرين مهمين لعل فيهما مفتاحا للحل :
الأول : تفتيش الزوجة عن كل ما تُحَسِّنُ به علاقتها بزوجها ، لتزيد من رصيده
العاطفي نحوها ، فتظهر له عناية زائدة ، وتبادله الكلمة الطيبة الجميلة ، وتسعى في
رضاه وإسعاده ؛ لأن سعادتها مشتركة بسعادته ، ولا نقول لها : لتبحث عن تقصيرها
فتصلحه ، فقد لا تكون مقصرة في الواجبات – كما تقولين عن نفسك – ولكنها كثيراً ما
تكون غافلة عن المستحبات والمكملات التي تُضفِي على علاقتها بزوجها لوناً جديداً من
المحبة والمودة والرحمة .
قال
بعض الحكماء :
”
خير النساء ما عفَّت ، وكفّت
[ أي : لسانها ]
، ورضيت باليسير، وأكثرت التزين ، ولم تُظهره لسوى زوجها”.
ثانيا : المصارحة الهادئة في ساعة طمأنينة وحضور قلب ، فينبغي أن تفاتحيه بالموضوع
من باب التذكير بالله تعالى ، ونصحه بتقوى الله ، وبيان حرمة ما يفعله ، مع إظهار
العفو والصفح من جهتك نحو ما قام به ، وأن غرضك هو حفظ حق الله عز وجل ، قبل الغيرة
على حظ نفسك ، وحتى يمكنك السيطرة على المشكلة ، وعلى مجرى الحديث ، تذكري قول
النبي صلى الله عليه وسلم : (
إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ
إِلَّا شَانَهُ ) رواه مسلم ( 2594 ) .
لذلك اعمدي دائما نحو تهدئة الأمور والنفوس ، مع إيصال رسالة التذكير بالله تعالى
بأسلوب أو بآخر ، وتجنبي النزاع وارتفاع الأصوات وتنافر القلوب ، إذ ليس بالضرورة
أن سلوك الزوج هذه المسالك كان بسبب كرهه زوجته أو نفوره عنها ، بل كان بسبب طمعٍ
وشهوةٍ تدفع إليها النفسُ الأمَّارة بالسوء ، وربما كانت نزوة طارئة ، أو أمرا
محدودا ، لا يفكر هو في أنه سيزيد عن وضعه الحالي . فلا ينبغي أن يزيد العلاج
الحالة سوءًا فتؤدي إلى الشحناء والبغضاء .
وخلال ذلك لا بد أن تحرصي على الستر والكتمان ، فلا تشعريه بافتضاح أمره وانكشاف
حاله ، إذ غالبا ما يكون ذلك سببا في الشقاق والإصرار على الخطأ .
ولعل الولد الذي تحملين يكون سببا في زيادة المودة بينكما ، حين يستشعر زوجك معنى
الأبوة ، وطبيعة المسؤولية ، ليكون رسالةً من الله سبحانه وتعالى له ، يُذَكِّرُه
بوجوب شكر النعمة وحفظ المنة ، وأن ذلك لا يكون إلا بتقواه عز وجل والتزام أمره
ونهيه .
وأخيرا لا تملي من الدعاء له ولك بالهداية والتوفيق ، فقد يستجيب الله دعاءك في
لحظة صدق تنفتح فيها أبواب السماء ، فيكفيك بذلك معاناة طويلة في نصح زوجك وتذكيره
.
وانظري جواب السؤال رقم (
7669 ) .
وننبهك في آخر الجواب : أنه لا يحل لك التفتيش في أغراض الناس – ولو كان زوجك – ،
فلا تُفتح رسائله إلا بإذنه ، ولا ينظر في بريده إلا أن يأذن ، فإن فعلتِ : كان ذلك
من التجسس المنهي عنه ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) الحجرات/ من الآية 12 .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة