0 / 0

هل يجوز أن يقال : اشتقت إليك يا رسول الله ؟

السؤال: 151367

هل يجوز للشخص أن يقول “اشتقت إليك يا رسول الله” ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، والشوق إليه ، من أجلّ المطالب النبيلة وأنبل المقاصد الجليلة ، ولا شك أن ذلك من الإيمان .

روى البخاري (15) ومسلم (44) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

” قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كُلّ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيمَانًا صَحِيحًا لَا يَخْلُو عَنْ وِجْدَان شَيْء مِنْ تِلْكَ الْمَحَبَّة الرَّاجِحَة ، غَيْر أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ . فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْمَرْتَبَة بِالْحَظِّ الْأَوْفَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا بِالْحَظِّ الْأَدْنَى ، كَمَنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا فِي الشَّهَوَات مَحْجُوبًا فِي الْغَفَلَات فِي أَكْثَر الْأَوْقَات ، لَكِنَّ الْكَثِير مِنْهُمْ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِشْتَاقَ إِلَى رُؤْيَته ، بِحَيْثُ يُؤْثِرهَا عَلَى أَهْله وَوَلَده وَمَاله وَوَالِده ، وَيَبْذُل نَفْسه فِي الْأُمُور الْخَطِيرَة ، وَيَجِد مَخْبَر ذَلِكَ مِنْ نَفْسه وِجْدَانًا لَا تَرَدُّد فِيهِ . غَيْر أَنَّ ذَلِكَ سَرِيع الزَّوَال بِتَوَالِي الْغَفَلَات ” انتهى .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال المشتاقين إليه بعد وفاته ، ممن لم يروه ولم يدركوا زمانه صلى الله عليه وسلم . فروى مسلم (2832) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ) .

وروى الحاكم (6991) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أناسا من أمتي يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله ) حسنه الألباني في “الصحيحة” (1676) .

ثانيا :

إذا كان مراد القائل لذلك بصيغة الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أن يستحضر شخصه في قلبه ، كما يستحضر الحبيب حبيبه ، وهو في مكان بعيد عنه ، ويخاطبه كأنه يراه – دون أن يطلب منه شيئاً – فهذا لا حرج فيه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” وقوله : ” يا محمد يا نبي الله ” هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادَى في القلب ، فيخاطب الشهود بالقلب : كما يقول المصلي : ” السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ” والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا ، يخاطب من يتصوره في نفسه ، وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب ” انتهى من “اقتضاء الصراط المستقيم” (2/319) .

وإن كان يقصد أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل خطابٍ ممن خاطبه ، سواء كان قريبا أو بعيدا : فهذا باطل ، ليس له أصل في الشرع ، ولم يفعله أحد من سلف الأمة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء في حياته ، لمن كان بعيدا عنه ، أو بعد وفاته مطلقا .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

” ثم إن الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يقصدون بكاف الخطاب – يعني في السلام عليه في الصلاة – مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم في أماكن بعيدة عنه صلى الله عليه وسلم ، فهم في مكة والطائف وبادية الجزيرة وفي المدينة ، فلم يكن يسمعهم ، بل الذين معه في مسجده لم يكونوا يقصدون إسماعه ذلك ، وأنهم يسلمون عليه في الصلاة ، كما يسلمون عليه عند الملاقاة ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (13/166) .

ومثل ذلك القول ، بصيغة الخطاب ، إنما يكون أحيانا عند غلبة الشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو استحضار أمر من سيرته وشمائله ، كما كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبكون شوقا لخبر السماء ، إذا حضر قلوبهم الوحشة بانقطاعه .

روى مسلم في صحيحه (2641) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا . فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ !! فَقَالَا لَهَا : مَا يُبْكِيكِ ؟! مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَتْ : مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ !! فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ ، فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا !!

وإذا كانت هذه العبارة قد يسيء بعض الناس فهمها فينبغي أن لا تذكر أمامه ، ويذكر من الألفاظ ما هو أبعد عن اللبس في فهم السامع ، أو الخطأ في مراد القائل .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android