0 / 0

نصائح وتوجيهات لمن يقلقه التفكير في أزواج زوجته السابقين

السؤال: 151420

تزوجت مؤخراً من امرأة تزوجت من قبل ثلاث مرات ، وعندما تعارفنا في فترة الخطبة كانت أمينة معي ، ولم تخفِ عني أي شيء احتجت إليه في أمر الزواج منها ، وهي أم لطفل ، وبعد أن أطلعتني على كل شيء صليت الاستخارة ، وكنت سعيداً بزواجي منها ، فهي على قدر من الدِّين وتتمتع بجمال خلاب ، وأما أنا فمطلِّق ولدي طفل أيضا ، وعندما جاءت للعيش معي وجدت الأفكار تدور برأسي حول علاقاتها بأزواجها السابقين ، وأعرف مدى غبائي في التفكير في ذلك ، وأن الشيطان يوسوس لي رغم أنها ما شاء الله لديها صفات حميدة ، فهي زوجة مطيعة وتخاف الله ، وكان هذا حلمي في زوجة أتزوجها ، وشعرت أني لست عادلا معها في فترة الثلاث شهور الأولى من الزواج ، فقد كنت فظّاً معها بسبب تلك الأفكار التي تساورني ، مما كان يجعلني عصبي المزاج ، وهي حامل الآن ، وأنا أحبها بشغف ، وهي تساعدني على قربي من الله والجنة ، فهي تدفعني للتمسك بديني ، وهي ترتدي الحجاب ، وتقرأ القرآن كثيراً ، وتحضر الصلوات في المسجد في وقتها ، لكن مشكلتي معها هو التفكير في ماضيها ، فلا أحب فكرة تخيل أنها كانت في حضن رجل آخر ، وهو مرض أعاني منه ؛ فأحياناً أكون قويّاً ، وأحياناً يتلاعب بي الشيطان حتى يصيبني الدوار من كثرة الأفكار ، وأنا أحاول الإنابة إلى الله ، وعندي يقين بأن الزمن خير علاج ، فلو تنصحني أقدِّر لك ذلك . جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

مما يهوِّن علينا أمر نصحك وتوجيهك أنك تعلم من نفسك أنك مخطئ في تصرفاتك الفظة تجاه زوجتك ، وأنها لا تستحق منك تلك المعاملة ، وهي التي لم ترتكب معصية ، بل كانت مع أزواج وفق كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي لم تكن إلا مع زوج أحلَّ الله لها أن تكون فيه ، كما كنت أنت أيضا في حضن زوجتك السابقة ، بما أحل الله ؛ فلا فرق بين ماضيك وماضيها ، وكلاكما كنتما متقيان لله تعالى ربكما ، ولم تصرِّفا شهوتكما إلا في الحلال .
أخي الفاضل :
لو سألناك أيهما أكثر غيرة أنت أم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم : لما ترددت في الإجابة أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل تعلم أن كل نسائه رضي الله عنهن كنَّ متزوجات قبله إلا عائشة رضي الله عنها ؟! ولو كان الزواج من مطلَّقة أو أرملة فيه ما يعيب الرجل ، لما رضي الله تعالى بذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وهل تعلم أن إحداهن رضي الله عنهن وهي زينب بنت جحش رضي الله عنها قد زوَّجها ربُّها تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟! نعم ، قال الله تعالى ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) الأحزاب/ 37 ، ولذا حُقَّ لها أن تفخر بذلك ، كما جاء عن أنس رضي الله عنه في قوله ” فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ” .
رواه البخاري ( 6984 ) ، وروى مسلم ( 177 ) عن عائشة رضي الله عنها مثل قول أنس رضي الله عنه .
وهذه الصحابية الجليلة ” أسماء بنت عميس ” هل تعرف كم مرة تزوجت ؟ تزوجت ثلاث مرات من ثلاثة رجال أفاضل لم تنجب الأرحام بعد عصر الصحابة مثلهم ، وكانوا على درجة عالية من العلم والدين والشجاعة والغيرة ، فقد تزوجها أولاً جعفر بن أبي طالب ، ثم مات عنها ، فتزوجها أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه ، ثم لما مات عنها ، تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فما عابها ذلك بل رفع قدْرها ، وما عابهم هؤلاء الأفذاذ أن تزوجوا بأرملة ، ولا أنفوا من ذلك ، ولا أحرقت الغيرة الحمقاء قلوبهم ، وقد رأوا نبيهم صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، ولو ذلك عيباً ومنقصاً للمروءة والغيرة – وحاشاه أن يكون كذلك – لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه .
بل نقول لك : لو كان ذلك نقصا وعيبا ، لما شرعه الله أصلا ؛ فإن الله يغار ، والله أغير من عباده ، وغيرة الله أن تؤتى محارمه ، لا أن يستمتع العباد بما أحله لهم !!

أخي الفاضل :
الرجل العاقل ينظر إلى واقع امرأته الآن ، فيحمد له طاعتها واستقامتها ، ويعظها إن كان عندها تقصير ، وأنت لم تذكر عن زوجتك إلا خيراً ، فليس لك أن تعيش في قلق وهمٍّ دائمين لن يُجديا لك نفعاً ، بل سيعودان على حياتك بالأسى ، بل قد تهدم بذلك بيتك من أساسه ، فوق رأسك ، وساعتها سوف تشعر بالندم الحقيقي على كفران النعمة التي معك ؛ لكن حين لا ينفع الندم !!
فدع عنك القلق والتفكير في تاريخها ، فالقلق ليس يجلب لك إلا هموماً وغموماً وتاريخ زوجتك ناصع البياض ليس فيه ما يعيبها ولا يعيبك ، فكن معها في تثبيتها على الاستقامة ، وكن إلى جانبها في تقوية إيمانها ، واجعل من أسرتك مثالا للأسرة الفاضلة المستقيمة على طاعة الله تعالى .

أخي الفاضل :
اعلم أنه سيكون لك – إن شاء الله – ذريَّة من البنات ، فإذا قدِّر الله تعالى لهن الزواج ، ومات أحد أزواج بناتك ، أو طلَّقها ؛ فكيف ستنظر إليها وإلى أمرها ؟ أنت – ولا شك – لن ترضى لابنتك المطلقة أو الأرملة أن تتزوج من آخر ، بل ستكون سعيداً بذلك ، والعقلاء يبحثون بأنفسهم عن زوج مناسب لابنتهم ، كما عرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنته حفصة – بعد وفاة زوجها – على عثمان ، ثم على أبي بكر ، رضي الله عنهم جميعاً .
فإذا كنت لا ترضى لابنتك ، أو أختك ، أن تبقى حبيسة بيتها ، يعاقبها الناس على أمر لا ذنب لها فيه ، ولا عيب عليه به ، فلم تعاقب زوجتك على أمر لم تذنب فيه ، وليس فيه عيب لدينها ، أو عرضها ، معاذ الله ؟!!
ألا تنصفها من نفسك ، يا عبد الله ؟!!

أخي الفاضل:
اعلم أن الشيطان إن تمكَّن منك لتطلقها – وهذا ما لا نرضاه منك ولا نتوقعه إن شاء الله – فقد تسبب لك ولها الضرر ، أما أنت فستكون هذه الزوجة الثانية التي تطلقها ، وقد تُعرف بهذا بين الناس فتقل أو تنعدم فرص تزوجك بأخرى ، وأما هي فستكون أنت الزوج الرابع لها وقد تقل أو تنعدم فرص تزوجها بآخر ، فانظر في قرارك ، وتمهل كثيراً ، واعلم أن الفُرقة بين الزوجين من أجلِّ الأعمال عند إبليس ، فهو يقرِّب ويحب جنده من الشياطين الذي يفرِّقون بين المرء وزوجه . ولذلك كان الطلاق مرغوبا عنه في الشريعة ، منهيا عن كل أسبابه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قَدْرُ الحاجة ، كما ثبت في الصحيح [ مسلم (2813)] عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ” إن إبليس ينصب عرشَه على البحر، ويَبعثُ سراياه ، فأقربهم إليه منزلةَ أعظمهم فتنةَ ، فيأتيه الشيطان فيقول : ما زلتُ به حتى فعل كذا، حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زِلْتُ به حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه، فيُدنِيه منه ويلتزمه ويقول : أنت أنت !!”.
وقال الله تعالى في ذم السحرة : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ” . انتهى من “جامع المسائل” لابن تيمية (1/356) .

أخي الفاضل :
لقد طلقت امرأة قبلها ، ونظن أنها كانت بكرا ؛ فهل ستقضي حياتك هكذا ، تطلق بكرا ، لأنها لم توافقك ، وتطلق ثيبا ، لأنها كانت ذات زوج ؛ فأي عقل ، وأي دين يقبل منك ذلك ؟!
ألا تحمد الله على نعمة منحها لك ، امرأة ذات دين وجمال ؟
وصدق الله العظيم : ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) سبأ/13 .

نسأل الله أن يهدي قلبك ، ويشرح صدرك ، ويصرف عنك كيد الشيطان ووسواسه ، وأن يصلح لك زوجك ، ويصلحك لها .

والله الموفق

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android