تزوجت مؤخراً من امرأة تزوجت من قبل ثلاث مرات ، وعندما تعارفنا في فترة الخطبة كانت أمينة معي ، ولم تخفِ عني أي شيء احتجت إليه في أمر الزواج منها ، وهي أم لطفل ، وبعد أن أطلعتني على كل شيء صليت الاستخارة ، وكنت سعيداً بزواجي منها ، فهي على قدر من الدِّين وتتمتع بجمال خلاب ، وأما أنا فمطلِّق ولدي طفل أيضا ، وعندما جاءت للعيش معي وجدت الأفكار تدور برأسي حول علاقاتها بأزواجها السابقين ، وأعرف مدى غبائي في التفكير في ذلك ، وأن الشيطان يوسوس لي رغم أنها ما شاء الله لديها صفات حميدة ، فهي زوجة مطيعة وتخاف الله ، وكان هذا حلمي في زوجة أتزوجها ، وشعرت أني لست عادلا معها في فترة الثلاث شهور الأولى من الزواج ، فقد كنت فظّاً معها بسبب تلك الأفكار التي تساورني ، مما كان يجعلني عصبي المزاج ، وهي حامل الآن ، وأنا أحبها بشغف ، وهي تساعدني على قربي من الله والجنة ، فهي تدفعني للتمسك بديني ، وهي ترتدي الحجاب ، وتقرأ القرآن كثيراً ، وتحضر الصلوات في المسجد في وقتها ، لكن مشكلتي معها هو التفكير في ماضيها ، فلا أحب فكرة تخيل أنها كانت في حضن رجل آخر ، وهو مرض أعاني منه ؛ فأحياناً أكون قويّاً ، وأحياناً يتلاعب بي الشيطان حتى يصيبني الدوار من كثرة الأفكار ، وأنا أحاول الإنابة إلى الله ، وعندي يقين بأن الزمن خير علاج ، فلو تنصحني أقدِّر لك ذلك . جزاكم الله خيراً .
نصائح وتوجيهات لمن يقلقه التفكير في أزواج زوجته السابقين
السؤال: 151420
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
مما يهوِّن علينا أمر نصحك وتوجيهك أنك تعلم من نفسك أنك مخطئ في تصرفاتك الفظة تجاه زوجتك ، وأنها لا تستحق منك تلك المعاملة ، وهي التي لم ترتكب معصية ، بل كانت مع أزواج وفق كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي لم تكن إلا مع زوج أحلَّ الله لها أن تكون فيه ، كما كنت أنت أيضا في حضن زوجتك السابقة ، بما أحل الله ؛ فلا فرق بين ماضيك وماضيها ، وكلاكما كنتما متقيان لله تعالى ربكما ، ولم تصرِّفا شهوتكما إلا في الحلال .
أخي الفاضل :
لو سألناك أيهما أكثر غيرة أنت أم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم : لما ترددت في الإجابة أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل تعلم أن كل نسائه رضي الله عنهن كنَّ متزوجات قبله إلا عائشة رضي الله عنها ؟! ولو كان الزواج من مطلَّقة أو أرملة فيه ما يعيب الرجل ، لما رضي الله تعالى بذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وهل تعلم أن إحداهن رضي الله عنهن وهي زينب بنت جحش رضي الله عنها قد زوَّجها ربُّها تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟! نعم ، قال الله تعالى ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) الأحزاب/ 37 ، ولذا حُقَّ لها أن تفخر بذلك ، كما جاء عن أنس رضي الله عنه في قوله ” فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ” .
رواه البخاري ( 6984 ) ، وروى مسلم ( 177 ) عن عائشة رضي الله عنها مثل قول أنس رضي الله عنه .
وهذه الصحابية الجليلة ” أسماء بنت عميس ” هل تعرف كم مرة تزوجت ؟ تزوجت ثلاث مرات من ثلاثة رجال أفاضل لم تنجب الأرحام بعد عصر الصحابة مثلهم ، وكانوا على درجة عالية من العلم والدين والشجاعة والغيرة ، فقد تزوجها أولاً جعفر بن أبي طالب ، ثم مات عنها ، فتزوجها أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه ، ثم لما مات عنها ، تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فما عابها ذلك بل رفع قدْرها ، وما عابهم هؤلاء الأفذاذ أن تزوجوا بأرملة ، ولا أنفوا من ذلك ، ولا أحرقت الغيرة الحمقاء قلوبهم ، وقد رأوا نبيهم صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، ولو ذلك عيباً ومنقصاً للمروءة والغيرة – وحاشاه أن يكون كذلك – لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه .
بل نقول لك : لو كان ذلك نقصا وعيبا ، لما شرعه الله أصلا ؛ فإن الله يغار ، والله أغير من عباده ، وغيرة الله أن تؤتى محارمه ، لا أن يستمتع العباد بما أحله لهم !!
أخي الفاضل :
الرجل العاقل ينظر إلى واقع امرأته الآن ، فيحمد له طاعتها واستقامتها ، ويعظها إن كان عندها تقصير ، وأنت لم تذكر عن زوجتك إلا خيراً ، فليس لك أن تعيش في قلق وهمٍّ دائمين لن يُجديا لك نفعاً ، بل سيعودان على حياتك بالأسى ، بل قد تهدم بذلك بيتك من أساسه ، فوق رأسك ، وساعتها سوف تشعر بالندم الحقيقي على كفران النعمة التي معك ؛ لكن حين لا ينفع الندم !!
فدع عنك القلق والتفكير في تاريخها ، فالقلق ليس يجلب لك إلا هموماً وغموماً وتاريخ زوجتك ناصع البياض ليس فيه ما يعيبها ولا يعيبك ، فكن معها في تثبيتها على الاستقامة ، وكن إلى جانبها في تقوية إيمانها ، واجعل من أسرتك مثالا للأسرة الفاضلة المستقيمة على طاعة الله تعالى .
أخي الفاضل :
اعلم أنه سيكون لك – إن شاء الله – ذريَّة من البنات ، فإذا قدِّر الله تعالى لهن الزواج ، ومات أحد أزواج بناتك ، أو طلَّقها ؛ فكيف ستنظر إليها وإلى أمرها ؟ أنت – ولا شك – لن ترضى لابنتك المطلقة أو الأرملة أن تتزوج من آخر ، بل ستكون سعيداً بذلك ، والعقلاء يبحثون بأنفسهم عن زوج مناسب لابنتهم ، كما عرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنته حفصة – بعد وفاة زوجها – على عثمان ، ثم على أبي بكر ، رضي الله عنهم جميعاً .
فإذا كنت لا ترضى لابنتك ، أو أختك ، أن تبقى حبيسة بيتها ، يعاقبها الناس على أمر لا ذنب لها فيه ، ولا عيب عليه به ، فلم تعاقب زوجتك على أمر لم تذنب فيه ، وليس فيه عيب لدينها ، أو عرضها ، معاذ الله ؟!!
ألا تنصفها من نفسك ، يا عبد الله ؟!!
أخي الفاضل:
اعلم أن الشيطان إن تمكَّن منك لتطلقها – وهذا ما لا نرضاه منك ولا نتوقعه إن شاء الله – فقد تسبب لك ولها الضرر ، أما أنت فستكون هذه الزوجة الثانية التي تطلقها ، وقد تُعرف بهذا بين الناس فتقل أو تنعدم فرص تزوجك بأخرى ، وأما هي فستكون أنت الزوج الرابع لها وقد تقل أو تنعدم فرص تزوجها بآخر ، فانظر في قرارك ، وتمهل كثيراً ، واعلم أن الفُرقة بين الزوجين من أجلِّ الأعمال عند إبليس ، فهو يقرِّب ويحب جنده من الشياطين الذي يفرِّقون بين المرء وزوجه . ولذلك كان الطلاق مرغوبا عنه في الشريعة ، منهيا عن كل أسبابه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قَدْرُ الحاجة ، كما ثبت في الصحيح [ مسلم (2813)] عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ” إن إبليس ينصب عرشَه على البحر، ويَبعثُ سراياه ، فأقربهم إليه منزلةَ أعظمهم فتنةَ ، فيأتيه الشيطان فيقول : ما زلتُ به حتى فعل كذا، حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زِلْتُ به حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه، فيُدنِيه منه ويلتزمه ويقول : أنت أنت !!”.
وقال الله تعالى في ذم السحرة : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ” . انتهى من “جامع المسائل” لابن تيمية (1/356) .
أخي الفاضل :
لقد طلقت امرأة قبلها ، ونظن أنها كانت بكرا ؛ فهل ستقضي حياتك هكذا ، تطلق بكرا ، لأنها لم توافقك ، وتطلق ثيبا ، لأنها كانت ذات زوج ؛ فأي عقل ، وأي دين يقبل منك ذلك ؟!
ألا تحمد الله على نعمة منحها لك ، امرأة ذات دين وجمال ؟
وصدق الله العظيم : ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) سبأ/13 .
نسأل الله أن يهدي قلبك ، ويشرح صدرك ، ويصرف عنك كيد الشيطان ووسواسه ، وأن يصلح لك زوجك ، ويصلحك لها .
والله الموفق
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب