0 / 0

ما حكم من وَصَفَ النبي صلى الله عليه وسلم بالمسكين ؟

السؤال: 151486

أتمنى من فضيلتكم الإجابة على هذا السؤال:
كنَّا في مجلس وذكر أحد الجالسين حديثاً نصه :”اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين” فقال له آخر هذا الحديث لا يصح ومن قال أن النبي مسكين يُقتل من قبل ولي الأمر,,
والسؤال:
ما صحة الحديث المذكور أعلاه. وهل يصح أن من قال أن النبي مسكين يُقتل؟
وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً : سبق الكلام عن هذا الحديث ودرجته في جواب السؤال (45146) ، وبيَّنا فيه أن الحديث رواه الترمذي (2352) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا ، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
وعامة علماء الحديث على تضعيفه ، وممن ضعفه : الترمذي ، وابن الجوزي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن كثير ، والحافظ ابن حجر.
وممن ضعفه أيضاً ممن لم نذكره في الإجابة السابقة : النووي في ” المجموع ” (6/196) ، والذهبي في ” ميزان الاعتدال” (4 / 427) ، وابن رجب الحنبلي ، والبوصيري في “مصباح الزجاجة” (4/218) ، وابن الملقن في “البدر المنير” (7/367) ، والسخاوي في “المقاصد الحسنة” صـ154.

ومَن حسنه أو صححه من العلماء حمل معناه على المسكنة التي هي بمعنى : التواضع والخشوع لله ، لا بمعنى الفقر والحاجة .
قال ابن عبد البر : ” والمسكين ها هنا المتواضع الذي لا جبروت فيه ، ولا كِبْرَ ، الهَيِّنُ ، اللَّينُ ، السَّهل ، القريب “. انتهى “الاستذكار” (2/540) .
وقال ابن قتيبة : ” معنى المسكنة في قوله : ( احشرني مسكيناً ) التواضع والإخبات ، كأنه سأل الله تعالى أن لا يجعله من الجبارين والمتكبرين ، ولا يحشره في زمرتهم ، والمسكنة حرفٌ مأخوذ من السُّكون ، يقال : تمسكن الرجل إذا لان ، وتواضع ، وخشع ، وخضع “. تأويل مختلف الحديث صـ 167.

ومع وجاهة هذا الحمل إلا أن آخر الحديث يأباه ، فسياق الحديث كما في سنن الترمذي (2352) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ : ( إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا ، يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
فهذا يدل على أن المراد بالمسكنة هنا : قلة المال .
قال الحافظ ابن رجب : ” وقد يطلق اسم المسكين ويراد به من استكان قلبه لله عز وجل ، وانكسر له ، وتواضع لجلاله وكبريائه وعظمته وخشيته ومحبته ومهابته ، وعلى هذا المعنى حمل بعضهم الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اللهم أحييني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين )… وفي حمله على ذلك نظر ؛ لأن في تمام حديثه ما يدل على أن المراد به المساكين من المال ، لأنه ذكر سبقهم الأغنياء إلى الجنة ، مع أن في إسناد الحديث ضعفاً “. انتهى من “اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى” صـ20.

والحاصل : أن الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج بها بحال من الأحوال ، سواء صح حمله على المعنى الأول أم لا .

ثانياً : لا يصح إطلاق القول بأن من وصف النبي صلى الله عليه وسلم بـ ” المسكين ” فحكمه القتل .
فهذه الكلمة تحتمل جملة من المعاني ، فلا بد أن يُستفسر من قائلها عما يقصده منها .
فإن قصد التواضع وعدم التكبر ، فهذا حق لا شك فيه .
وإن قصد ” قلة المال ” ، فهذا محتمل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاش حياة الكفاف ، ومات ودِرعه مرهونة عند يهودي ، وكان يقول : ( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ) ، وفي لفظ آخر: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا ) رواه مسلم (1055).
قال الحافظ ابن حجر : ” أَيْ اِكْفِهِمْ مِنْ الْقُوت بِمَا لَا يُرْهِقُهُمْ إِلَى ذُلّ الْمَسْأَلَة , وَلَا يَكُون فِيهِ فُضُول تَبْعَث عَلَى التَّرَفُّه وَالتَّبَسُّط فِي الدُّنْيَا “. انتهى “فتح الباري” (11/275) .
قال النووي : ” وَفِيهِ فَضِيلَة التَّقَلُّل مِنْ الدُّنْيَا ، وَالِاقْتِصَار عَلَى الْقُوت مِنْهَا ، وَالدُّعَاء بِذَلِكَ “. انتهى “شرح صحيح مسلم” (7 /146) .

وأما من أطلق هذه الكلمة على النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الانتقاص والازدراء والاستخفاف به ، فقد وقع في الردة الموجبة للقتل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فما كان في العرف سبَّاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي يجب أن ننزل عليه كلام الصحابة والعلماء ، وما لا فلا …
ولا شك أن إظهار التنقص والاستهانة عند المسلمين سب ، كالتسمية باسم الحمار ، أو الكلب ، أو وصفه بالمسكنة والخزي والمهانة “. انتهى “الصارم المسلول على شاتم الرسول” صـ32.
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android