0 / 0

هل يقع الاحتلام من الأنبياء عليهم السلام

السؤال: 151719

حدث اليوم نقاش شديد بيني وبين شخص يدعي أنه يحمل ماجستير بالشريعة ، عن كون رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لا يحتلم ، قال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم يحتلم ، ووثق كلامه بحديث عائشة عندما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد ماء جنب بثوبه ، فقامت عائشة رضوان الله عليها بوخز المني الموجود بالثوب ، لكونه تيبس
وحتى يتطهر ثوبه . وهو دليل عدم نجاسة المني .
فأخبرته أني لا أعتقد صحة الحديث ؛ لأن الأنبياء والرسل لا يحتلمون ؛ لأنه من الشيطان -أقصد الاحتلام – فرفض كلامي ، وقال إنه غير صحيح ، فالأنبياء بشر ويحتلمون مثلهم مثل الناس ، على الرغم من تأييده لكلامي من كون الحلم من الشيطان ، وأكد ذلك بأن الله قد أعانه على الشيطان فأسلم .
أرجو أن أجد منكم الإجابة الواضحة ، لعلمي أن الأنبياء والرسل لا يحتلمون بالنوم .
ولكم مني كل التحية والتقدير والشكر .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اختلف في هذه المسألة أهل العلم على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا يجوز وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم السلام .
قال ابن الملقن رحمه الله :
” والأشهر امتناع الاحتلام عليهم كما قاله في ” الروضة “. ” انتهى.
” غاية السول في خصائص الرسول ” (ص/74)
وقد عقد السيوطي رحمه الله لذلك بابا قال فيه :
” باب الآية في حفظه صلى الله عليه وسلم من الاحتلام ” انتهى.
” الخصائص الكبرى ” (1/120)
بل إن السيوطي رحمه الله لم يستبعد أن يكون عدم الاحتلام من خصائص أزواجه أيضا عليه الصلاة والسلام ، فقال رحمه الله :
” وأي مانع من أن يكون ذلك خصيصة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : أنهن لا يحتلمن ، كما أن من خصائص الأنبياء عليهم السلام أنهم لا يحتلمون ؛ لأن الاحتلام من الشيطان ، فلم يسلط عليهم ، وكذلك لم يسلط على أزواجه تكريما له ” انتهى.
” تنوير الحوالك ” (1/67)
واستدلوا على ذلك بأدلة :
الدليل الأول : حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنْ الشَّيْطَانِ ) رواه البخاري (رقم/3292) ومسلم (رقم/2261)
قالوا : فلما كان الاحتلام من الشيطان ، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشيطان ، كان الاحتلام غير جائز في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
الدليل الثاني : حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ) رواه مسلم (رقم/1109)
قال القرطبي رحمه الله :
” في هذا فائدتان :
إحداهما : أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز .
الثاني : أن ذلك كان من جماع ، لا من احتلام ؛ لأنه كان لا يحتلم ، إذ الاحتلام من الشيطان ، وهو معصوم منه ” انتهى.
نقلا عن ” فتح الباري ” لابن حجر (4/144)
الدليل الثالث : قول ابن عباس رضي الله عنهما :
( ما احتلم نبي قط ، إنما الاحتلام من الشيطان )
رواه الطبراني في ” المعجم الكبير ” (11/225)، وابن عدي في ” الكامل ” (3/92-93) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .
وهذا إسناد ضعيف بسبب إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، قال ابن معين : ليس بشيء . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال الدارقطني : متروك . وقال ابن حبان : كان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل . انظر : ” تهذيب التهذيب ” (1/104)
ولذلك ضعفه ابن عدي بعد روايته له .
وحكم الشيخ الألباني على هذا الإسناد بقوله :
” باطل ” انتهى.
” السلسلة الضعيفة ” (رقم/1432)
ورواه الدينوري في ” المجالسة ” (6/166) من طريق معلى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، به .
وهذا إسناد باطل أيضا ، بسبب المعلى بن هلال بن سويد ، رماه السفيانان بالكذب . وقال ابن المبارك وابن المدينى : كان يضع الحديث . وقال ابن معين : هو من المعروفين بالكذب والوضع . وقال أحمد : كل أحاديثه موضوعة. انظر: ” ميزان الاعتدال ” (4/152)
يقول الآمدي في تفسير هذا الأثر :
” يعني ما تشكل له الشيطان في المنام على الوجه الذي يتشكل لأهل الاحتلام ” انتهى.
” الإحكام في أصول الأحكام ” (3/140)

القول الثاني : يجوز وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم السلام ، وقد ذهب إليه بعض أهل العلم فيما حكاه بعض العلماء من غير ذكر اسم واحد منهم .
واستدلوا بالدليل السابق في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ ) رواه مسلم (رقم/1109)
يقول ابن حجر رحمه الله :
” قال غيره – يعني غير القرطبي – : في قولها : ( من غير احتلام ) إشارة إلى جواز الاحتلام عليه ، وإلا لما كان للاستثناء معنى .
ورُدَّ بأن الاحتلام من الشيطان ، وهو معصوم منه .
وأجيب : بأن الاحتلام يطلق على الإنزال ، وقد يقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام ” انتهى.
” فتح الباري ” (4/144) .

القول الثالث : التفصيل ، فإن أريد بالاحتلام خروج المني على وجه دفع ما يفيض في جسده الشريف صلى الله عليه وسلم : فهذا جائز ، وإن لم يرد دليل خاص بوقوعه .
وإن أريد بالاحتلام ما يكون في المنام من تلاعب الشيطان بالإنسان ، ثم يعقبه خروج للمني : فهذا لا يقع له صلى الله عليه وسلم ، لعصمته من الشيطان .
قال ابن كثير رحمه الله :
” الأظهر في هذا التفصيل ، وهو أن يقال :
إن أريد بالاحتلام : فيض من البدن : فلا مانع من هذا .
وإن أريد به : ما يحصل من تخبط الشيطان : فهو معصوم من ذلك صلى الله عليه وسلم .
ولهذا لا يجوز عليه الجنون ، ويجوز عليه الإغماء ، بل قد أغمي عليه في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها في الصحيح ، وفيه أنه اغتسل من الإغماء غير مرة ، والحديث مشهور ” انتهى.
” الفصول في سيرة الرسول ” (ص/302) مؤسسة علوم القرآن – مكتبة دار التراث.
وسئل الإمام شمس الدين الرملي ـ الشافعي ـ رحمه الله :
” ( سُئِلَ ) عَمَّنْ قَالَ إنَّ الِاحْتِلَامَ إنْ كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ بَرْدٍ أَوْ ضَعْفٍ فَيَجُوزُ هُوَ مُصِيبٌ أَوْ لَا ؟ ”
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِلَامُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُمْ مَعْصُومُونَ . ا هـ .
وَحَقِيقَةُ الِاحْتِلَامِ نُزُولُ الْمَنِيِّ فِي النَّوْمِ فَأَفَادَ تَعْلِيلُهُمْ أَنَّ خُرُوجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ الشَّيْطَانَ ، وَإِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ صُدُورُهُ مِنْهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحِينَئِذٍ فَالْقَائِلُ مُصِيبٌ ” انتهى .
“فتاوى الرملي” ـ بهامش فتاوى ابن حجر الهيتمي” (4/334) .

ولعل هذا القول الثالث هو القول الوسط الذي تجتمع فيه الأدلة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android