0 / 0
49,73723/10/2010

كم يوما استمرت الريح التي أهلكت قوم عاد

السؤال: 152735

الآية/19: سورة القمر : ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ).
الآية/16: سورة فصلت : ( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات )
الآية/7: سورة الحاقة : ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما )
في الآية الأولى أشار إلى أن الريح ستستمر ليوم واحد ، بينما في الآية الثانية استعمل صيغة الجمع التي تدل على ثلاثة أيام على الأقل – وفي الآية الثالثة جزم الأمر باستمرار الريح مدة ثمانية أيام . أليس في هذا تناقضاً ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
لا نظن أن مثل هذا السؤال يرد إلا بسببين اثنين :
السبب الأول : عدم الاطلاع على أساليب اللغة العربية ، ولا نقول ” عدم العلم ” ، إذ يكفي الاطلاع اليسير على اللغة العربية لمعرفة كم هو بعيد عن أساسيات اللغة العربية هذا الذي يؤمن بمثل هذه الشبهات الركيكة .
والسبب الثاني : قياس القرآن الكريم الذي تواتر لفظه ومعناه ونسبته إلى رب العزة جل وعلا على الكتب المحرفة التي – لو فرضنا ثبوتها – فإنما ثبتت من كلام الحواريين الذين جمعوها وشرحوا فيها بلغتهم ما سمعوه من الأنبياء ، فهي ـ في أعلى تقدير لها ـ ككتب السيرة لدى المسلمين ، بل لا تبلغ ذلك إذا سلَّطنا مقياس النقد ، والدراسة التوثيقية عليها ؛ فليست منقولة بنص كلام الأنبياء ، فضلا عن أن تكون من كلام الله سبحانه وتعالى .
ينظر : ” الجواب الصحيح ” (3/21-22)

أما القرآن الكريم فهو كلام الله عز وجل المنقول إلينا بالتواتر بنصه وحرفه ومعناه ، ليس اجتهاد بشر ، ولا رواية راو ، ولا حكاية حاك ، وإنما هو نقل الكافة عن الكافة عن رب العزة جل وعلا ، فلا يمكن أن يقع فيه مثل هذا التناقض الصريح .
بل إذا فرضنا – جدلا – أن القرآن ليس كلام الله بل كلام بشر : فيبعد أن يخطئ واحد من البشر هذا الخطأ الفادح ، والتناقض الظاهر وهو يدَّعي أن هذا الكتاب هو معجزته التي تحدى بها قومه .
ثانيا :
أما الجواب عن ما ورد في الآيات فهو واضح جدا ، ويسير على من يملك أساسيات اللغة العربية ، ويطلع على شيء من لسانها ، ولتوضيح ذلك نضرب هذا المثال السهل والقريب للفهم إن شاء الله .
أرأيت لو أن رجلا ذهب في سفر للنزهة والسياحة لمدة ثمانية أيام ، ثم لما عاد إلى أهله وشرع في حكاية قصتها عليهم ، وإخبارهم عنها فقال :
” لقد كانت ثمانية أيام جميلة ، قضينا فيها وقتا ممتعا ، وما أظن أن الذاكرة ستنسى شيئا من تلك الأيام ، وخاصة يوم البداية ، أو قال في نفس السياق ، أو في سياق آخر : لقد كان يوم الجمعة ـ يعني : أحد هذه الأيام ـ يوما جميلا ، أو قال : لقد كان أول يوم يوما رائعا ” ، أو ما أشبه ذلك من الكلام . ؛ هل يتهم أحد هذا المتكلم بالتناقض وإيقاع السامعين في الحيرة حول حقيقة عدد تلك الأيام ؟
لا نظن أن عاقلا يقول ذلك أبدا .
وهكذا ينبغي أن يقال فيما ورد في القرآن الكريم .
فقد صرح القرآن الكريم أن أيام العذاب التي أهلك الله فيها قوم عاد كانت ثمانية أيام ، وذلك
في قوله عز وجل : ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ) الحاقة/6-7.
وجاء في القرآن الكريم ذكر مجرد لهذه الأيام بصيغة الجمع ، من غير النص على العدد ، وذلك في قوله تعالى : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ) فصلت/15-16.
فقوله : ( أيام نحسات ) لا ينافي بوجه من الوجوه تحديدها بعدد ؛ لأن كلمة ( أيام ) جمع ، والجمع يصدق على الثمانية المصرح بها في آية أخرى .
وأما قوله تعالى : ( كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ . إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) القمر/18-19. فيوم النحس هو اليوم الذي بدأ فيه العذاب ، وكان مقدمة لثمانية أيام مهلكة لقوم عتوا في الأرض واستكبروا وقالوا من أشد منا قوة ، ولذلك لم يقل الله عز وجل ( في يوم نحس واحد ) وإنما قال : ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) ليؤكد استمرار النحس والهلاك إلى ثمانية أيام يهلك فيها هؤلاء المستكبرون الظالمون .
يقول ابن كثير رحمه الله :
” قوله : ( فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ) أي : متتابعات . ( سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) الحاقة/7، كقوله : ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) القمر/19، أي : ابتُدِئوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم ، واستمر بهم هذا النحس سبع ليال وثمانية أيام حتى أبادهم عن آخرهم ، واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الآخرة ” انتهى.
” تفسير القرآن العظيم ” (7/169) .
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
” أريد بـ ( يَوْمِ نَحْسٍ ) أول أيام الريح التي أرسلت على عاد ” انتهى.
” التحرير والتنوير ” (27/185) . وينظر : ” مفاتيح الغيب ” (29/41) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android