لدي أخت ملتزمة جداً ونشطة في طلب العلم، فتراها تتابع الدروس وتلتحق بها باستمرار. وتلتحق ببعض الدورات العلمية التي تُقام في بعض المدن الأخرى والتي قد تبعد عنّا حوالي 40 ميل وتستمر الدورة لمدة أسبوع في المتوسط.. وعلى الرغم من أنها تذهب برفقة بعض الأخوات الأخريات إلا أن والدتي لديها بعض التحفظات عن الذهاب إلى هذه الدورات والمكوث طوال تلك المدة. إن والدتي لا تمنعها من طلب العلم ولكنها تكره ذهابها منفردة إلى مكان بعيد وأن تمكث خارج البيت، كل ذلك خوفاً وقلقاً عليها… فمن المحق؟ أمّي أم أختي؟ وماذا لو منعتها من الذهاب هل تأثم؟ وما نصيحتكم التي يمكن أن تسدوها لأختي؟
هل لأمها أن تمنعها من حضور الدورات في مدينة أخرى مع رفقة مأمونة
السؤال: 154378
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
انشغال أختك بطلب العلم وحضور الدورات عمل طيب ، وأمر محمود ، لكن ليس لها الذهاب إلى مدينة أخرى بلا محرم ؛ لأن المرأة ممنوعة من السفر بلا محرم ، سواء كان السفر طويلا أو قصيرا ؛ لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ . فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَهَا ) .
قال النووي رحمه الله في “شرح صحيح مسلم” مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة : “فالحاصل : أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم ، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو غير ذلك ؛ لحديث ابن عباس الذي رواه مسلم : ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا . والله أعلم ” انتهى كلام النووي بتصرف .
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (17/339) : ” يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا ، سواء قصرت المسافة أم طالت ” انتهى .
فعلى أختك أن تتقي الله تعالى ، وأن تحذر الوقوع في هذا الإثم ، وأن تعلم أن طلب العلم لا يبرر لها مخالفة الشرع .
وإذا كانت دروس العلم داخل المدينة ، فلها حضورها ، وللأم منعها من المبيت خارج البيت ومنعها من كل ما يخشى عليها فيه الفتنة والشر ، فإن حصل الأمن والاطمئنان من جهة محل الدروس ، والرفقة ، ولم يقتض الأمر بياتا ولا سفرا ، فلا وجه لمنعها ، فإن طلب العلم قد يكون واجبا ، وقد يكون مستحبا ، وهو خير عظيم للرجل والمرأة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه الترمذي (2682) وأبو داود (3641) ، وابن ماجه (223) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وإذا كان المكان الذي تقيم فيه أختك آمناً ، وكانت الرفقة التي معها صالحة ، بحيث لا يُخشى على أختك ، فيمكن معاونتها على طلب العلم وطاعة الله تعالى ، بأن يسافر أخوك ـ إن كان لك أخ ـ معها ، يوصلها إلى المدينة التي تريدها ، ثم يرجع وتقيم هي مع صديقاتها ، وإذا أرادت العودة فإنه يسافر ليرجع بها .
والمهم أنه ينبغي توخي الحذر بقدر الإمكان ، وفي الوقت نفسه يعان كل من أراد طلب العلم أو طاعة الله تعالى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب