0 / 0
60,07314/02/2011

هل أطلب الطلاق بسبب نفوري من زوجي ؟

السؤال: 161234

أعاني من مشاكل كثيرة مع زوجي ، وذلك بسبب عدم التفاهم فيما بيننا ، وخصوصا أنه كثير الانشغال في عمله الذي يحتم عليه البقاء لفترات طويلة خارج المنزل ، أشعر بالنفور منه بمجرد الاقتراب مني ، وأكرهه في بعض الأحيان ، وكثيرا عندما يرغب في الجماع بصورة متكررة ، وبدون أن يعفيني في حال شعوري بالتعب من أعمال المنزل أو بسبب المرض الشديد ، سواء كان من ارتفاع الحرارة أو الحيض ، فهل هذا سبب كافٍ لحصولي على الطلاق ، وخصوصا أنه لم أعد أستحمل أن أستمر في هذا الزواج معه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
قد يكون من المهم هنا أن نذكر السائلة بأن لكل مشكلة حلها وعلاجها ، وإذا كان الطلاق ـ حقيقة ـ هو حل لمشكلات معقدة في الحياة الزوجية ، ولأجل ذلك شرعه الله ؛ فليس من شك في أن على كل عاقل أن ينظر إليه باعتباره ( الكيّ ) المؤلم الذي يضطر إليه المريض ؛ وعقلاء العرب يقولون : ” آخر الدواء الكي ” !!
وقبل التفكير في هذا “الكي” لا بد من استنفاد جميع الوسائل الممكنة للتوصل إلى صيغة توافقية تقل معها الخلافات ، وتكثر بها الموافقات ، وحينئذ – فقط – قد يرتاح الضمير ، وتهدأ النفس ، ويطمئن البال إلى صواب القرار الذي سيتخذه في سبيل العلاج .
وغالب الظن أن الأخت السائلة قد سمعت أو قرأت الكثير من النصائح في هذا الشأن ، ولكن ذلك لن يمنعنا من تذكيرها بنصيحة قد تمنحها منظارا آخر تقايس به الأمور ، هو منظار الموازنة بين الحسنات والسيئات ، وتقدير المساوئ التي تقنع العقل والوجدان بأحقية طلب الانفصال عن رباط الزوجية .
إن جلسة حوارية واحدة هادئة كفيلة – في كثير من الأحيان – بإعادة اللحمة بين أشد المتخاصمين ، وكفيلة أيضا أن تشق بداية الطريق نحو التفاهم الكامل ، ولكن كثيرا من الناس – للأسف – لا يدركون ذلك ، ولا يسعون لتحقيقه ، بل سرعان ما يصيبهم اليأس والقنوط بسبب فشل الحوار مرة أو مرتين أو أكثر ، مع أن العاقل هو الذي يعتبر إقامة العلاقة الناجحة بالزواج السعيد تحديا يسعى لتجاوزه ، وليس إلى تعجيل إعلان فشله ، خاصة وأن العلاقات الإنسانية دائما ما تعتريها الاضطرابات والتقلبات ، فيكتسي بها القلب حصانة من الأناة والهدوء والخبرة التي تعينه على إنجاح أي علاقة بعد ذلك .

ولا ينبغي أن تكون الأسباب الشرعية عن الزوجين بمعزل ، بل يتفقد كل منهما نفسه ، ويراقب تقصيره في جنب الله عز وجل ، فلعل معصية وقع بها عاد عليه شؤمها وأذاها في أهله وبيته ، فالمعاصي أساس كل داء ، والتوبة والاستغفار أساس كل دواء ، والله عز وجل أمرنا بتقواه في عشرات المواضع من كتابه الكريم ، وعلق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة على تحقيق هذا الأمر العظيم .
يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب/70-71.
ويقول سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الحديد/28.
ويقول جل وعلا : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الأعراف/96.

ثانيا :
إذا استحالت العشرة بين الزوجين ، ولم يمكن التفاهم بينهما ، ولم يبق مجال للعشرة بالمعروف ، وإعطاء كل ذي حق حقه : فليس على الزوجة حرج شرعي في طلب الطلاق .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” أما إذا تشاقق الزوجان ، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ، ولم تقدر على معاشرته ، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها ، ولا حرج عليها في بذلها ، ولا عليه في قبول ذلك منها ؛ ولهذا قال تعالى : ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) الآية ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (1/613)
وقد ثبت في السنة النبوية : ( أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ) رواه البخاري (5273)
قال ابن حجر رحمه الله :
” أي : لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه ، زاد في رواية أيوب المذكورة : ( ولكني لا أطيقه )… بل وقع التصريح بسبب آخر وهو أنه كان دميم الخلقة ، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – عند ابن ماجه – : ( كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس وكان رجلا دميما ، فقالت : والله لولا مخافة الله إذا دخل علي لبصقت في وجهه )
قوله : ( ولكني أكره الكفر في الإسلام ) أي : أكره إن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر ، …وكأنها أشارت إلى أنها قد تحملها شدة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه ، وهي كانت تعرف أن ذلك حرام ، لكن خشيت أن تحملها شدة البغض على الوقوع فيه ، ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير ، إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج ” انتهى باختصار من ” فتح الباري ” (9/399-400) .
على أننا ننبه السائلة هنا إلى أن ما جاء في السؤال من رغبة زوجها في الجماع أثناء الحيض : لا يحل لها أن تطيعه في ذلك ، بل عليها أن تمتنع منه ، وتعرفه بأن ذلك حرام ؛ فإن لم ينته عن ذلك ، وتعدى حدود الله له في هذا الأمر : فهذا بمجرده سبب كاف لتركه ومفارقته ، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وإذا تكرر من الزوج الوطء في الفرج ، ولم ينزجر : فُرِّق بينهما ، كما قلنا فيما إذا وطئها في الدبر ولم ينزجر” انتهى من “الاختيارات الفقهية” ، للبعلي (27) .

وينظر جواب السؤال رقم : (99870) ، (117185)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android