يقول الله تعالى في كتابه الكريم الآية 162 من سورة النساء ( والمقيمين الصلاة ) فمن هم المقصودون في هذه الآية ، وهل هناك أوصاف أو شروط تنطبق عليهم ؟
وجزاكم الله كل خير
المراد بالراسخين في العلم وما هي صفاتهم
السؤال: 161824
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الآية المشار إليها هي قوله تعالى : ( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء /162 .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
” قال جل ثناؤه لعباده ، مبينًا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده : ما كلُّ أهل الكتاب صفتهم الصفة التي وصفت لكم ؛ “لكن الراسخون في العلم منهم”، وهم الذين قد رَسخوا في العلم بأحكام الله التي جاءت بها أنبياؤه، وأتقنوا ذلك، وعرفوا حقيقته …
والمؤمنون” يعني : والمؤمنون بالله ورسله : هم يؤمنون بالقرآن الذي أنزل الله إليك ، يا محمد ، وبالكتب التي أنزلها على من قبلك من الأنبياء والرسل، ولا يسألونك كما سألك هؤلاء الجهلة منهم أن تنزل عليهم كتابًا من السماء ، لأنهم قد علموا بما قرأوا من كتب الله وأتتهم به أنبياؤهم، أنك لله رسول، واجبٌ عليهم اتباعك، لا يَسعهم غير ذلك، فلا حاجة بهم إلى أن يسألوك آية معجزة ، ولا دلالة غير الذي قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم ، من إخبار أنبيائهم إياهم بذلك، وبما أعطيتك من الأدلّة على نبوتك، فهم لذلك من علمهم ورسوخهم فيه، يؤمنون بك وبما أنزل إليك من الكتاب، وبما أنزل من قبلك من سائر الكتب .. ” انتهى من “تفسير الطبري” (9/393). وينظر أيضا : “تفسير الطبري” (6/206) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
” لما ذكر معايب أهل الكتاب ، ذكر الممدوحين منهم فقال: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أي: الذين ثبت العلم في قلوبهم ورسخ الإيقان في أفئدتهم فأثمر لهم الإيمان التام العام بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِن قَبْلِكَ ، وأثمر لهم الأعمال الصالحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللذين هما أفضل الأعمال، وقد اشتملتا على الإخلاص للمعبود والإحسان إلى العبيد. وآمنوا باليوم الآخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد ، أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا لأنهم جمعوا بين العلم والإيمان والعمل الصالح، والإيمان بالكتب والرسل السابقة واللاحقة ” انتهى من “تفسير السعدي” (1/214) .
ثانيا :
وورد وصف المؤمنين هنا بإقامة الصلاة بالياء ، مع أنه معطوف على اسم مرفوع ( الراسخون .. ) ، ومن حق المعطوف على مرفوع أن يرفع ، تنبيها على عظم هذه الصفة وجدارتها بالمدح ، وهذا تسميه العرب منصوب على المدح .
قال القرطبي رحمه الله :
” واختلف في نصبه على أقوال ستة ؛ أصحها قول سيبويه بأنه نصب على المدح ؛ أي : وأعني المقيمين ؛ قال سيبويه : هذا باب ما ينتصب على التعظيم ؛ ومن ذلك : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ .. ) ، قال النحاس : وهذا أصح ما قيل في : ( َالْمُقِيمِينَ ) .
.. وهذا مهيع في النعوت ، لا مطعن فيه من جهة الإعراب ، موجود في كلام العرب” انتهى مختصرا من الجامع لأحكام القرآن (2/ 240 – 6/ 13 ) وهواختيار الحافظ ابن كثير في تفسيره ( 2 / 467 ) .
والمراد بإقامة الصلاة، المواظبة على أدائها في أوقاتها المحددة لها، مع استيفائها لأركانها وسننها وآدابها وخشوعها، ومع إخلاص النية عند أدائها لله تعالى ، كما نقل معنى ذلك عن عدد من السلف .
قال ابن عباس: إقامة الصلاة: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها.
وقال قتادة: إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها وسجودها.
وقال مقاتل بن حيان: إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور فيها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا إقامتها. ينظر : تفسير ابن كثير ( 1/ 168 ) .
كما أن من صفاتهم التي مدحوا بها في الآية : إيتاء الزكاة. والإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر .
ومن تتبع القرآن وجد صفات أخر مدح بها المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ، وذلك في مواضع متعددة من القرآن، كما في أول سورة البقرة، وفي أول سورة ( المؤمنون ) ، وفي سورة المعارج ، وفي غيرها من السور.
فنوصي الأخ السائل وغيره بمراجعتها والتدبر فيها ، لعل الله أن ينفعها بها، ويجعله من أهلها.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب