حبذا لو تعطونا نبذة عن نونية القحطاني ، مع ترجمة لصاحبها الإمام القحطاني ، ومدى أهمية نونيته ؟
نبذة عن نونية القحطاني
السؤال: 161853
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الكلام على نونية القحطاني يمكن أن ينتظم في المسائل الآتية :
أولا : ترجمة الناظم .
في شخصية الناظم جدل طويل ، إذ لم نقف له على ترجمة مفصلة تعرِّفُ به تعريفا كاملا ، يقطع الدارسون من خلالها أنه هو صاحب " النونية " ؛ بل لا يوجد قرينة ترجح أن يكون صاحب النونية شخصا معينا معروفا له ترجمة ؛ وقد نقل بعض الباحثين – كما في " ملتقى أهل الحديث " – أنه سمع فضيلة العلامة عبد الله السعد ينفي الوقوف له على ترجمة .
ثانيا : طبعات القصيدة.
وقفنا على طبعات عدة لهذه القصيدة ، منها :
1- طبعة مكتبة السوادي في جدة ، بتحقيق : محمد بن أحمد سيد ، عام 1410هـ.
2- وطبعة دار الحرمين ، القاهرة ، بتحقيق عادل عزت المرسي ، الطبعة الأولى ، لعام 1418هـ.
3- طبعة دار الذكرى.
4- طبعات أخرى بترقيم إلكتروني على شبكة الإنترنت .
ولم نجد في أي من الطبعات السابقة ذكرا لمخطوطات القصيدة ، ولا تعريفا دقيقا بالمؤلف ، ولا توثيقا للقصيدة من كلام أهل العلم ، ونحن نرجو أن نقف على طبعة للقصيدة تشتمل على توثيق علمي لها من خلال المخطوطات الأصلية التي يتبين من خلالها صحة نسبة القصيدة إلى الناظم المسمى .
رابعا : عناية العلماء بالقصيدة
لم نقف على كلام لأحد من العلماء المتقدمين عن هذه القصيدة ، غير أننا وجدنا العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله ينقل عنها في " النونية " بعض الأبيات ، فيقول :
ولقد شفانا قول شاعرنا الذي … قال الصواب وجاء بالإحسان
إن الذي هو في المصاحف مثبت … بأنامل الأشياخ والشبان
هو قول ربي آيه وحروفه … ومدادنا والرق مخلوقان
وأبيات الشاعر القحطاني هي قوله :
إني أقول فأنصتوا لمقالتي … يا معشر الخلطاء والإخوان
إن الذي هو في المصاحف مثبت … بأنامل الأشياخ والشبان
هو قول ربي آيه وحروفه … ومدادنا والرق مخلوقان
كما أن ابن القيم ضمن أبياتا أو أشطارا كثيرة في نونيته أخذها من نونية القحطاني ، وفي ذلك دليل على أنها قصيدة معتمدة معتبرة ، وأنها كانت مشتهرة في زمن ابن القيم رحمه الله .
وأما العلماء المعاصرون فنجد الكثيرين منهم اهتموا بالقصيدة شرحا وتقريرا ، فنجد ممن شرحها فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك ، وفضيلة الشيخ عمر العيد ، وآخرون كثيرون ، ولكن جميعها شروح صوتية ، لم نقف على شرح مطبوع لها سوى الكتاب الموسوم بـ " الفتح الرباني في شرح نونية القحطاني " تأليف جمال بن السيد بن رفاعي ، من منشورات مكتبة الإيمان ، 2007م.
ووقفنا على مخطوط في " مركز الملك فيصل " بعنوان : تقريظ ومدح نونية القحطاني ، لعلي بن سليمان .
خامسا : عدد أبيات القصيدة
عدد أبياتها (686) بيتا في ترقيم طبعة دار الحرمين ، القاهرة ، الطبعة الأولى لعام 1418هـ.
وفي ترقيم طبعة دار الذكرى يبلغ عدد أبياتها (690) بيتا .
سادسا : المواضيع التي اشتملت عليها القصيدة
اشتملت القصيدة على مواضيع شرعية كثيرة ، تنوعت ما بين العقائد الأساسية ، ومسائل الإيمان المتنازع عليها ، وكثير من الغيبيات الواردة في الكتاب والسنة ، وذكر أركان الإسلام العملية الخمسة وشيء من أحكامها ، وإيراد بعض المسائل الفقهية الفرعية ، وذكر كثير من الآداب والأخلاق والنصائح والمواعظ التي ترقق القلوب وتهذب النفوس ، كل ذلك في نظم واحد تتداخل فيه الموضوعات من غير ترتيب معروف أو تبويب خاص .
سابعا : مزايا القصيدة في النظم والمعنى
للقصيدة مزايا كثيرة جعلتها تلقى قبولا واستحسانا من أهل العلم المعاصرين ، فمن ذلك :
1- القصيدة تنهج منهج أهل السنة والجماعة في مجمل مسائل الاعتقاد والعمل ، وهذا بتزكية العلامة ابن قيم الجوزية الذي نقل عنها في مواضع كثيرة من نونيته رحمه الله ، ففي القصيدة تقرير إثبات صفات الكمال لله تعالى ، والدفاع عن التوحيد وحماية جنابه من الشرك ، وإثبات الإيمان بالقدر ، والرد على طوائف البدعة ، كل ذلك بأدلة قوية ، وحجج منطقية ، وأسلوب رصين قلما تجده في مكان آخر .
2- سلاسة النظم وسهولة العبارة ، فالقصيدة ماتعة للقارئ ، سهلة للحافظ ، لا يجد فيها الناقد أدنى تكلف أو ركاكة رغم اشتمالها على كثير من المواضيع العلمية الشائكة التي قد توقع الناظم في شيء من التكلف ، لكن القحطاني نجا من ذلك بأسلوب جميل وجرس رقراق ونسق هادئ .
3- تنوع المواضيع التي تتحدث عنها القصيدة ، فهي تكاد تشمل جميع أساسيات العقيدة والشريعة في نظم واحد يتنقل فيه القارئ بين مواضيع غاية في الأهمية ، يطعمها الناظم بكثير من الآداب والأخلاق الحسنة التي يدعو إليها ، وذلك ما أكسب القصيدة مزيدا من التألق والجمال ، ومزيدا من الرقة اللازمة لقلب المسلم وطالب العلم خاصة، كقول الناظم رحمه الله :
وإذا خلوت بريبة في ظلمة … والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها … إن الذي خلق الظلام يراني
ثامنا : مؤاخذات على القصيدة .
وكل جهد بشري لا يخلو من المؤاخذات التي يقتضي التنبيه عليها ، فمن ذلك :
1- المبالغة في إدراج بعض المسائل العلمية ضمن مسائل الاعتقاد ، مع تشديد الناظم على ضرورة الإيمان بها وعدم المخالفة فيها وجعلها علامة فارقة بين الحق والباطل ، ومن ذلك قول الناظم رحمه الله:
225- علم الفلاسفة الغواة طبيعة … ومعاد أرواح بلا أبدان
226- لولا الطبيعة عندهم وفعالها … لم يمش فوق الأرض من حيوان
227- والبحر عنصر كل ماء عندهم … والشمس أول عنصر النيران
228- والغيث أبخرة تصاعد كلما … دامت بهطل الوابل الهتان
229- والرعد عند الفيلسوف بزعمه … صوت اصطكاك السحب في الأعنان
230- والبرق عندهم شواظ خارج … بين السحاب يضيء في الأحيان
231- كذب أرسطاليسهم في قوله … هذا وأسرف أيما هذيان
232- الغيث يفرغ في السحاب من السما … ويكيله ميكال بالميزان
233- لا قطرة إلا وينزل نحوها … ملك إلى الآكام والفيضان
234- والرعد صيحة مالك وهو اسمه … يزجي السحاب كسائق الأظعان
235- والبرق شوظ النار يزجرها به … زجر الحداة العيس بالقضبان
236- أفكان يعلم ذا أرسطاليسهم … تدبير ما انفردت به الجهتان
ومن ذلك أيضا إنكاره كروية الأرض ، وذلك في قوله :
245- كذب المهندس والمنجم مثله … فهما لعلم الله مدعيان
246- الأرض عند كليهما كروية … وهما بهذا القول مقترنان
247- والأرض عند أولي النهى لَسطيحة … بدليل صدق واضح القرآن
248- والله صيرها فراشا للورى … وبنى السماء بأحسن البنيان
249- والله أخبر أنها مسطوحة … وأبان ذلك أيما تبيان
250- أأحاط بالأرض المحيطة علمهم … أم بالجبال الشمخ الأكنان
رغم أن كثيرا من علمائنا المتقدمين أثبتوا كروية الأرض ، بل نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الإجماع على ذلك .
2- قسوة الأسلوب في أحيان كثيرة ، وشدة العبارة على المخالفين إلى حد استعمال بعض الكلمات التي لا تليق ، إلى جانب التصريح بحربهم وعدائهم رغم أن الأولى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومن ذلك قوله :
615- عمري لقد فتشتكم فوجدتكم … حمرا بلا عن ولا أرسان
وقوله :
654- يا أشعرية يا أسافلة الورى … يا عمي يا صم بلا آذان
655- إني لأبغضنكم وأبغض حزبكم … بغضا أقل قليله أضغاني
656- لو كنت أعمى المقلتين لسرني … كيلا يرى إنسانكم إنساني
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ثم هم – يعني أهل السنة والجماعة – يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة ، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ؛ ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفسافها " انتهى من " مجموع الفتاوى " (3/159)
3- اشتمال القصيدة على بعض الأبيات التي قد يشكل معناها ، وتحتاج إلى شيء من التأويل أو الحمل على غير الظاهر ، كقوله :
659- قد عشت مسرورا ومت مخفرا … ولقيت ربي سرني ورعاني
660- وأباحني جنات عدن آمنا … ومن الجحيم بفضله عافاني
661- ولقيت أحمد في الجنان وصحبه … والكل عند لقائهم أدناني
662- لم أدخر عملا لربي صالحا … لكن بإسخاطي لكم أرضاني
4- هذا إلى جانب عدم تحرير كلام أهل السنة في بعض المواضع ، وإن كان العذر في ذلك أن النظم في العادة ليس محلا للتحرير والتدقيق ، لكن لا بد من ذكر الملاحظة كي تؤخذ بعين الاعتبار ، ومن ذلك قوله :
541- مرجيهم يزري على قدريهم * والفرقتان لدي كافرتان
فالمحققون من أهل السنة لا يكفرون المرجئة ولا القدرية – الذين لا ينكرون العلم -، وهذا ظاهر مستقر في كتب أهل العلم ، لكن يحمل كلامه على غلاة المرجئة وهم الجهمية ، وغلاة القدرية الذين ينكرون العلم .
5- عدم ترتيب فصول القصيدة وأبوابها أمر يبعث عدم ارتياح في نفس القارئ ، فالناظم يتنقل بشكل مفاجئ بين مواضيع العقيدة والفقه ثم يعود إلى العقيدة والآداب ، وهذا الأمر قد يكون سببا في اضطراب القارئ وانقطاعٍ في تسلسل قراءته ، فمثلا يتحدث في البيت رقم : 116، عن ركن الصلاة ، وبعد ذلك يورد بعض المسائل العقائدية ، ثم يستأنف في البيت رقم: 281 الحديث عن أركان الإسلام الخمسة ومنها الصلاة .
6- وأخيرا : إذا تأملنا ما سبق من عدم توفر ترجمة كافية للناظم يغلب على الظن من خلالها صحة نسبة النظم له ، أو بيان منزلته بين أهل العلم ، إلى جانب ندرة العلماء المعتنين بالقصيدة في العصور السابقة – رغم تقدم وفاة ناظمها – كانت هذه جوانب متعددة تنأى بالقصيدة عن الارتقاء إلى مصاف أساسيات متون العقائد التي ينصح طالب العلم بالعناية بها ، خاصة أن أبواب العقيدة لا بد أن تكون بتقرير السلف الصالحين ، ولذلك سمعنا عن بعض أهل العلم المعاصرين كالشيخ صالح آل الشيخ عدم الاحتفال بالقصيدة كثيرا في تقرير عقيدة أهل السنة ، وإن كان ذلك لا يعني أن ينصرف طالب العلم عنها بالكلية ، لما سبق من مزاياها .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب