0 / 0

إبطال استدلال الطائفة الأحمدية بحديث : ( لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا )

السؤال: 170092

ما صحة هذا الحديث : ورد في ” سنن ابن ماجة ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو كان ابني إبراهيم حياً لكان صِدّيقاً نبياً )
والقاديانية والأحمدية يستخدمون هذا الحديث كدليل على أن الشريعة خُتمت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن النبوة لم تُختم به.. فما قولكم ؟
وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يمكننا تلخيص الجواب عن هذه الشبهة بالفقرات الآتية :
أولا :
الحديث المقصود في السؤال لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روي مرفوعا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :
لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ ، وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ، وَلَوْ عَاشَ لَعَتَقَتْ أَخْوَالُهُ الْقِبْطُ ، وَمَا اسْتُرِقَّ قِبْطِيٌّ )
رواه ابن ماجة في ” السنن ” (1511) من طريق داود بن شبيب الباهلي ، قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان ، قال : حدثنا الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عباس به .
وهذا إسناد ضعيف جدا فيه علتان :
العلة الأولى : إبراهيم بن عثمان ، أبو شيبة الكوفي ، اتفق النقاد على ضعفه ، فضعفه أحمد وابن معين ، بل قال فيه ابن المبارك : ارم به ، وقال الترمذي : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث . ينظر : ” تهذيب التهذيب ” (1/145)
العلة الثانية : الانقطاع ، فقد قالوا في ترجمة إبراهيم بن عثمان إنه لم يسمع من الحكم سوى حديث واحد ، ولم يذكروا هذا الحديث ، وقالوا في ترجمة الحكم بن عتيبة إنه لم يسمع من مقسم سوى خمسة أحاديث ، ليس هذا منها ، فضلا عما اشتهر به من التدليس . ينظر : ” تهذيب التهذيب ” (2/434)
ولذلك ضعف الحديث ابن عدي في ” الكامل ” (8/507)، وابن حجر في ” الإصابة ” (1/94)، وابن كثير في ” البداية والنهاية ” (8/248) طبعة دار هجر ، والسخاوي في ” المقاصد الحسنة ” (ص/406)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
” هذا إسناد ضعيف جداً ؛ إبراهيم هذا متروك الحديث ، وتابعه بقية عن الحكم به ، أخرجه ابن عساكر من طريق محمد بن يونس : أنبأنا سعد ابن أوس أبو زيد الأنصاري : أنبأنا بقية عنه . و ( بقية ) مدلس وقد عنعنه ، فمن المحتمل أن يكون تلقاه عن إبراهيم هذا أو غيره من المتهمين ثم دلسه !
ثم إن في الطريق إليه محمد بن يونس – وهو الكديمي – وضَّاع ” انتهى من ” السلسلة الضعيفة ” (رقم/3202)، وانظر : (رقم/220)
وللحديث شاهد يرويه ابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (3/138) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعا : ( لو عاش إبراهيم لكان نبيا )، ولكنه ضعيف جدا أيضا ، فيه ثابت بن أبي صفية ، أبو حمزة الثمالي ، قال فيه الإمام أحمد : ضعيف ، ليس بشيء ، وقال أبو حاتم وأبو زرعة : لين الحديث . وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال ابن عدي : وضعفه بيِّنٌ على رواياته ، وهو إلى الضعف أقرب ، وقال ابن حبان : كان كثير الوهم في الأخبار حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد ، مع غلوه في تشيعه . ينظر: ” تهذيب التهذيب ” (2/7-8)
ثانيا :
ورد معنى الحديث السابق في كلام بعض الصحابة رضوان الله عليهم ، وهذا تخريج ما ورد:
1- أخرج البخاري في “صحيحه” (6194) من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لابن أبي أوفى : رأيت إبراهيم ابن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قال : ” مات صغيراً ، ولو قُضي أن يكون بعد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي عاش ابنُه ، ولكن لا نبيّ بعده “
2- وعن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، قال : سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : ” لو عاش إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لكان صديقا نبيا “
رواه أحمد في ” المسند ” (19/359)، وفي (21/402) وغيره، وقال محققو المسند : ” إسناده حسن من أجل السدي ” انتهى.
فالخلاصة أن معنى الحديث يصح موقوفا من كلام أنس وابن أبي أوفى ، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثا :
وقد اختلف العلماء في هذه الآثار الواردة عن الصحابة على قولين :
القول الأول :
استنكر بعض العلماء هذا الكلام ، وردوا ما يوهمه من أن النبوة يمكن أن تورث .
فقال ابن عبد البر رحمه الله – معلقا على كلام ابن أبي أوفى – :
” هذا لا أدرى ما هو ، وقد ولد نوح عليه السلام من ليس نبيا ، وكما يلد غير النبي نبيا ، فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي ، والله أعلم ، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل واحد نبيا ، لأنه من ولد نوح عليه السلام ، وذا آدم نبي مكلم ، وما أعلم في ولده لصلبه نبيا غير شيث ” انتهى من ” الاستيعاب ” (1/60)
وقال الإمام النووي رحمه الله :
” وأما ما روى عن بعض المتقدمين : ( لو عاش إبراهيم لكان نبيًا ) فباطل ، وجسارة على الكلام في المغيبات ، ومجازفة ، وهجوم على عظيم من الزلات ، والله المستعان ” انتهى من ” تهذيب الأسماء واللغات ” (1/103)
القول الثاني :
قَبِلَ آخرون مِن أهل العلم الروايات السابقة ، ولكنهم قالوا إن الشرطية فيها غير لازمة ، ولا تدل على جواز الوقوع .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله – معلقا على كلام ابن أبي أوفى رضي الله عنه – :
” مثل هذا لا يقال بالرأي ، وقد توارد عليه جماعة – فذكر حديث ابن عباس وحديث أنس السابقين ثم قال – : فهذه عدة أحاديث صحيحة عن هؤلاء الصحابة ، أنهم أطلقوا ذلك ، فلا أدري ما الذي حمل النووي على استنكار ذلك ومبالغته…ويحتمل أن لا يكون استحضر ذلك عن الصحابة المذكورين فرواه عن غيرهم ممن تأخر عنهم فقال ذلك .
وقد استنكر قبله ابن عبد البر…مع أن الذي نقل عن الصحابة المذكورين إنما أتوا فيه بقضية شرطية ” انتهى باختصار من ” فتح الباري ” (10/578)
ويقول الملا علي القاري رحمه الله :
” لا يستلزم وقوع المقدم في القضية الشرطية ، فلا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، فيقرب من قوله صلى الله عليه وسلم على ما رواه أحمد والترمذي والحاكم عن عقبة بن عامر مرفوعا : ( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ) والله سبحانه أعلم بما كان ، وما يكون ، وبما لا يكون ، وبأنه لو كان كيف يكون ” انتهى باختصار من ” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” (9/3721)، وأيضا: (9/3932)، وانظر تعليقا مهما له في ” الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ” (ص/290)، وانظر: ” الحاوي ” للسيوطي (2/119)
رابعا :
الحقيقة أننا نعجب من الاستدلال بهذا الحديث – بفرض صحته – على جواز النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن سياق الحديث على عكس ذلك تماما ، يُظهر أن المراد به إعلان انتهاء مقام النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن ذلك المقام لن يبلغه أحد من البشر ، إذ لو كان ذلك جائزا لكان أحق الناس بها إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله عز وجل توفاه لحكمة يعلمها سبحانه ، فلم يكن نبيا ، ولن يكون غيره نبيا ، فأي بيان أوضح من ذلك لمن أراد الهدى ، ولكنه هوى القلوب وعماها عن الحق ، فتحرف الكلم عن مواضعه ، والله عز وجل يقول : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) المائدة/13.
خامسا :
معلوم عند أهل اللغة أن كلمة ( لو ) لا تدلّ على إمكانية وقوع المعلق ؛ وإنما يقول النحويون إنها حرف امتناع لامتناع ، يعني امتناع الجواب لامتناع الشرط ، وذلك كثير في القرآن الكريم ، كقول الله تعالى : ( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ) الإسراء/42، وقوله عز وجل : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء/22، فهل يقول عاقل إن هذه الآيات دليل على جواز أن يكون مع الله آلهة أخرى ؟!
فكذلك سياق الحديث الشريف يدل دلالة ظاهرة على أن المقصود التمثيل والافتراض ، والافتراض لا يعني جواز الوقوع ، بل قد يفترض المستحيل شرعا للوصول إلى مقصد التشبيه والتمثيل أو التدليل .
سادسا :
الاستدلال بآثار الصحابة فيه إلزام ظاهر لهم أيضا ، وذلك في قول ابن أبي أوفى – كما سبق نقله مما رواه البخاري – ( إلا أنه لا نبي بعده )، فهي جملة صريحة في نفي النبوة عن غير النبي صلى الله عليه وسلم ممن يأتي بعده .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله :
” إذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة : ( لو عاش إبراهيم لكان نبيا ) على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها لا تصح هكذا عنه صلى الله عليه وسلم ، وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا كما صنعنا نحن فهي تلقمهم حجرا ، وتعكس دليلهم عليهم ؛ إذ إنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيرا كان بسبب أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، ولربما جادلوا في هذا – كما هو دأبهم – وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذه الآثار ، وأن يرفعوا عنها حكم الرفع ، ولكنهم لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا ولو من الوجه الأول ، وهو أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعا صراحة ” انتهى باختصار من ” السلسلة الضعيفة ” (1/388)
وأخيرا :
الطائفة القاديانية أو ( اسمها الآخر الأحمدية ) متفق على خروجها عن ملة الإسلام لدى العلماء المعاصرين ، لما تشتمل عليه عقائدهم من أمور كفرية مناقضة لثوابت الشريعة الإسلامية ، وقد صدرت بكفرهم عشرات الفتاوى والقرارات المجمعية ، من أهمها قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، رقم/4 (4/3)، فقد خالفت هذه الطائفة إجماع المسلمين القطعي على أنه لا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ودلت على ذلك العديد من نصوص الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة ، ينظر جواب السؤال رقم : (113393)
وفي موقعنا بعض الأجوبة التي توسعنا فيها في الحديث عنهم ، وذلك في الجواب رقم : (4060) ، (144765)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android