أنا شاب في الثالثة والعشرين، وأنا نحيف جدّاً، لست كباقي الناس ممن هم في مثل سني، ولكني صحيح ولا أعاني من أي مرض، إلا أني أشعر أحياناً أني أحتاج إلى مزيد من الوزن لكي أكون أقوى، لذلك أسأل وأقول: هل يجوز لي أن أسال الله أن يجعلني أكثر قوة؟ ألا يُعد ذلك من قبيل عدم الرضا بما قسم الله لي؟ وما المقصود بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف…) الحديث؟ وهل ينطبق على حالتي هذه؟
شرح حديث “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”
السؤال: 172290
ملخص الجواب
القوة في حديث “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف” هي قوة الإيمان، والعلم، والطاعة، وقوة الرأي والنفس والإرادة، ويضاف إليها قوة البدن إذا كانت معينة لصاحبها على العمل الصالح؛ لأن قوة البدن وحدها غير محمودة إلا أن تُستعمل فيما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال والطاعات، بل قد تكون سبباً في المعاصي كالبطش بالناس وإيقاع الضرر بهم وحراسة أماكن المنكرات.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نحافة الجسم قد تكون مرضاً وقد تكون طبيعية، ومرجع تحديد الأمر عند أهل الاختصاص من الأطباء، ويمكن علاج النحافة إذا كانت مرضاً ببعض الأطعمة الطازجة والأعشاب الطبيعية مما يعرفه أهل الفن، وفي بعض الأحيان يحتاج صاحب النحافة إلى علاج نفسي، كما يمكن أن تكون النحافة راجعة إلى أمرٍ وراثي، ولا بأس للمسلم الذي تكون نحافة بدنه مرضاً أن يطلب له العلاج بالمباح، وليكن قصده أن يتقوى بدنه على طاعة الله ويكون أقوى في النفع به وانتفاع الناس منه، وليس ذلك من عدم الرضا بما قسم الله في شيء ؛ بل هو من التداوي المشروع، والأخذ بالأسباب المباحة.
الحديث الوارد طلب معناه في السؤال هو ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. رواه مسلم (2664).
والقوة في هذا الحديث هي قوة الإيمان، والعلم، والطاعة، وقوة الرأي والنفس والإرادة، ويضاف إليها قوة البدن إذا كانت معينة لصاحبها على العمل الصالح ؛ لأن قوة البدن وحدها غير محمودة إلا أن تُستعمل فيما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال والطاعات، بل قد تكون سبباً في المعاصي كالبطش بالناس وإيقاع الضرر بهم وحراسة أماكن المنكرات.
قال النووي – رحمه الله -: ” والمراد بالقوة هنا: عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلباً لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك ” انتهى من ” شرح مسلم ” (16 / 215).
وفي شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ” يَنَامُ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ قَالَتْ: وَثَبَ ” – قال: ” قولها ” وَثَبَ ” أي: قام بسرعة، ففيه الاهتمام بالعبادة والإقبال عليها بنشاط، وهو بعض معنى الحديث الصحيح المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف انتهى من ” شرح مسلم ” (6 / 22).
وقال محمد بن عبد الهادي السندي – رحمه الله -: ” قوله (المؤمن القوي) أي: على أعمال البر ومشاق الطاعة، والصبور على تحمل ما يصيبه من البلاء، والمتيقظ في الأمور، المهتدي إلى التدبير والمصلحة بالنظر إلى الأسباب واستعمال الفكر في العاقبة ” انتهى من ” حاشية السندي على ابن ماجه ” (حديث رقم 76).
وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله:
ما مدى صحة الحديث القائل المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؟ وإن كان صحيحًا فما معناه؟ وفي أي شيء تكون القوة؟
فأجاب:
الحديث صحيح، رواه الإمام مسلم في ” صحيحه “، ومعناه: أن المؤمن القوي في إيمانه، والقوي في بدنه وعمله: خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله ؛ لأن المؤمن القوي يُنتج ويَعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية وبقوته العملية، ينتفعون من ذلك نفعاً عظيماً في الجهاد في سبيل الله، وفي تحقيق مصالح المسلمين، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين وإذلال الأعداء والوقوف في وجوههم، وهذا ما لا يملكه المؤمن الضعيف، فمن هذا الوجه كان المؤمن القوي خيراً من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان كله خير، المؤمن الضعيف فيه خير، ولكن المؤمن القوي أكثر خيراً منه، لنفسه ولدينه ولإخوانه المسلمين، فهذا فيه الحث على القوة، ودين الإسلام هو دين القوة، ودين العزة، ودين الرفعة، دائماً وأبداً يُطلب من المسلمين القوة، قال الله سبحانه وتعالى وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ الأنفال/ 60، وقال تعالى ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ المنافقون/ 8، وقال تعالى وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ آل عمران/ 139، فالقوة مطلوبة في الإسلام: القوة في الإيمان والعقيدة، والقوة في العمل، والقوة في الأبدان ؛ لأن هذا ينتج خيراً للمسلمين ” انتهى من ” المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان ” (5 / 380، 381).
وينظر جواب السؤال رقم (114019) ورقم (115129) ورقم (71236 ) ورقم (224161).
فالذي ينبغي عليك أن تنتبه إليه: أنَّ ” النحافة ” ليست بالضرورة أن تكون ضعفاً مذموما ؛ فقد يكون الإنسان نحيف البدن، لكنه نشيط قويّ في الطاعة، كما أن ” البدانة ” ليست قوة ؛ فقد يكون البدين – أو حتى معتدل البنية – ضعيفاً في الطاعة كسولاً في القيام لها.
قال الشاعر:
تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ
وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ
فَما عِظَمُ الرِجالِ لَهُم بِفَخرٍ وَلَكِن فَخرُهُم كَرَمٌ وَخَيرُ
وبما أنك – أخي السائل – لا تشتكي مرضاً: فلتحمد الله تعالى على العافية، وأدِّ ما أمرك الله تعالى به من طاعة، ولا مانع من أن تسعى ليكون جسمك معتدلاً متناسباً مع طولك وعمرك، بالمباح من العلاجات والأطعمة وغيرهما، كما أن الدعاء من جملة الأسباب الشرعية التي يجوز لك فعلها، وليس في ذلك مخالفة للشرع، كما سبق، ولا هو اعتراض على ما قسمه الله لك، والمهم في ذلك كله أن يحرص المسلم على ما ينفعه – في دينه ودنياه -، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء في السؤال طلب الوقوف على معناه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة