0 / 0
81,19912/01/2012

هل السنة النبوية محفوظة من الضياع

السؤال: 172853

نحن نعلم أن القرآن محفوظ ؛ فهل السنة محفوظة أيضا ولم يضع أي حديث لرسول الله منها ، علما أن المغول التتار أحرقوا كتب السنة كثيرا ، وكذلك فعل الاستعمار الحديث في البلاد العربية .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لقد بعث الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهُدَى ودين الحق ، وأنزل عليه كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأمره بتبليغه إلى الناس كافة ، وتَكَفَّلَ سبحانه بحفظ هذا الكتاب ، فقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

وقد وَكَلَ إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مهمة البيان للقرآن ، فقال عز وجل : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقال: ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
فقامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام : يُفَصِّلُ مُجْمَلَهُ ، ويُقَيِّدُ مطلقه ، ويشرح ألفاظه ، ويُوَضِّحُ أحكامه ومعانيه ، فكان هذا البيان منه صلى الله عليه وسلم هو سُنَّتَه التي بين أيدينا .
ولما كان هذا البيان منه صلى الله عليه وسلم بياناً لكتاب الله ، فإنه كان مؤيداً في ذلك من الله عز وجل ، وكانت سُنَّتُه وحياً من عند الله ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى).
قال ابن حزم الظاهري : ” فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذكر ، والذكرُ محفوظ بنص القرآن .
فصح بذلك أن كلامَه صلى الله عليه و سلم كلُّه محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمونٌ لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله “. انتهى ، “الإحكام في أصول الأحكام ” (1/95).
وقال : ” والذِّكْرُ اسم واقعٌ على كلِّ ما أنزل الله على نبيِّه : من قرآنٍ ، أو سُنَّةٍ “. انتهى ، “الإحكام في أصول الأحكام” (1/115).
قال ابن القَيِّم : ” فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ كُلِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَكُلُّ وَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ ذِكْرٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) فَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ ، وَالْحِكْمَةُ : السُّنَّةُ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ السُّنَّةَ كَمَا أُوتِيَ الْكِتَابَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ؛ لِيُقِيمَ بِهِ حُجَّتَهُ عَلَى الْعِبَادِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ “. انتهى ، ” مختصر الصواعق المرسلة” (2/371) .
وإن من مظاهر هذا الحفظ لسنته صلى الله عليه وسلم : ما قام به علماء الإسلام وجهابذته من جهد ظاهر ، وعمل دؤوب مُضْنٍ ، في سبيل جمع هذه السنة وتدوينها ، ووضع القواعد التي تضبط روايتها ، وتحدد قبولها من ردها ، وتمحص أحوال نقلتها ورواتها .
فالسنة تكفل الله بحفظها عن طريق هؤلاء الرواة الذين سخرهم لحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن رجب : ” فأقامَ اللّهُ تعالى لحفظِ السُّنَّةِ أقواماً ميَّزوا ما دخلَ فيها من الكذبِ والوهم والغلطِ ، وضبطُوا ذلكَ غايةَ الضبطِ ، وحفظوه أشدَّ الحفظِ “. انتهى ، “تفسير ابن رجب الحنبلي” (1/605).
والحاصل : أن السنة محفوظة من الضياع ، وكل ما تحتاجه الأمة منها قد نقله العلماء وحفظوه في الصدور والسطور .
وعلى الرغم من الكم الهائل من الكتب التي تم إتلافها على أيدي التتار في بغداد ، إلا أن هذا لم يؤثر على حفظ السنة شيئاً ، فالسنة النبوية محفوظة في صدور العلماء قبل كتبهم ، فضلا عن انتشار كتب الحديث ونسخه في كافة أصقاع العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه.
تم الاستفادة من كتاب : ” ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة” (1/327) لجمال السيد ، وكتاب : ” الحديث حجة بنفسه” للشيخ الألباني .

غير أننا ننبه هنا إلى أمرين :
الأول : أنه ليس معنى ذلك أن كل كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، فقد حفظت ونقلت لنا ، وهي بين أيدي الناس الآن ، بل المراد أن كل ما يحتاجه الناس في أديانهم من أحكام وشرائع ، فهي محفوظة بحفظ الله ، لم يضع منها شيء .
الثاني : أنه ليس معنى ذلك أن كتابا واحدا قد ضمها ، أو ضم الميسور في أيدي الناس منها ، أو أن عالما واحدا قد جمعها وحواها ، حتى لا يخفى عليه منها شيء ؛ بل المراد أن علم جميعها موجود في الأمة ؛ فإذا ذهب علم شيء منها على عالم ، وجد عند غيره ، وإذا خفي في بلد ، ظهر في غيره .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :
” ولسان العرب: أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى لا يكون موجوداً فيها من يعرفه.
والعلمُ به عند العرب ، كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيءٌ ؛ فإذا جُمع علم عامة أهل العلم بها ، أتى على السنن، وإذا فُرّق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها ، ثم ما كان ذهب عليه منها موجوداً عند غيره.
وهم في العلم طبقات : منهم الجامع لأكثره، وإن ذهب عليه بعضه، ومنهم الجامع لأقلَّ مما جمع غيره.
وليس قليلُ ما ذهب من السنن على من جمع أكثرَها: دليلاً على أن يُطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم، بل يُطلب عند نظرائه ما ذهب عليه ، حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله – بأبي هو وأمي – فيتفرَّد جملة العلماء بجمعها، وهم درجات فيما وَعَوا منها ” انتهى من “الرسالة” (42-43) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android