لدي مشكلة تقول أسرتي عنها : أنها وساوس، وقد أتعبتني كثيراً ، فكلما جئت أقرأ القرآن خُيّل إلي أني أخطأت في بعض آياته ، وكلما صليت خُيل إلي أني أسقطت بعض الآيات ، ثم أتوهم أني لم أسجد سجدتين وإنما سجدة واحدة ، ثم أشك فيما إذا كنت قد أتيت بالتشهد كاملاً أم لا، ثم أشك في السلام.. وهكذا.
حتى في الوضوء ، دائماً ما أشك إذا كنت قد غسلت جميع الأعضاء أم لا ، ويُخيّل إلي أن وضوئي ينتقض ، وهذا ما يضطرني إلى إعادة الوضوء مرات ومرات .
وقد تطور الوضع إلى أن وصلت إلى درجة أن أقول: ” أقسم بالله أني لو أعدت الوضوء فإني من الكافرين ” ، ومرات أقول: ” أقسم بالله أني لو أعدت هذا الوضوء فإن الملائكة والجن والشياطين يشهدون على كفري ” ، ونفس القسم أيضاً قلته عند الصلاة وعند قراءة القران ، كل هذا لكي أضع حداً للوسوسة والشك .
وقد نجح هذا الحل نسبياً إلى حد ما ولكن للأسف وجدت نفسي أعيد الوضوء من جديد في بعض المرات ، وهنا وقعت في وسوسة وشك أخر هل ما زلت مسلماً ، أم أني خرجت من الملة بسبب ما أقسمت وقلته من قبل ؟
إنني حزين جداً وتمنيت لو أني لم أقسم ، إني أخشى أني قد خرجت بذلك من الإسلام .
فما العمل الآن؟ وكيف السبيل إلى التخلص من كل تلك الشكوك والأوهام والوساوس التي أفسدت عليّ حياتي.
مصاب بالوسواس فحلف لو عدت إلى الاسترسال معه فأنا من الكافرين
السؤال: 174658
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ليس من حكمة العقل ، ولا من الدين والشرع في شيء أن تجعل دينك عرضة للشيطان ووساوسه ، يلعب به كيف يشاء ، ويجعلك تضعه في محل المقامرة ، والحلف واليمين ، والصواب والخطأ ؛ إن دينك أعلى وأغلى من هذه المجازفات ؛ وعدوك يتربص بك ، ويلقي في قلبك الوساوس والشكوك والظنون ، ليصرفك عن العبادة ، ويضعف قيامك بها ، ويلقي الضيق والغم في قلبك ؛ وها أنت ذا قد رأيت ، أين انتهى بك الحال مع وساوسه ؟!
إن الأمر أيسر من ذلك كله ، يا عبد الله ؛ فإن العبد لا يخرج من عبادته ولا تبطل عليه بمجرد الشك ، فكيف بالوساوس التي تهجم عليه ، والتي هي إلى المرض أقرب منها إلى السلامة .
سئل شيخ الإسلام رحمه الله عما إذا توضأ وقام يصلي وأحس بالنقطة في صلاته : فهل تبطل صلاته أم لا ؟ .
فأجاب : ” مجرد الإحساس لا ينقض الوضوء ؛ ولا يجوز له الخروج من الصلاة الواجبة بمجرد الشك ، وأما إذا تيقن خروج البول إلى ظاهر الذكر فقد انتقض وضوؤه وعليه الاستنجاء ، إلا أن يكون به سلس البول ، فلا تبطل الصلاة بمجرد ذلك إذا فعل ما أمر به ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (21 / 219-220) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” لا ينبغي للمؤمن أن يلتفت إلى هذه الوساوس ; لأن هذا يجرئ عليه الشيطان , والشيطان حريص على إفساد أعمال بني آدم , من صلاة وغيرها ، فالواجب الحذر من مكائده ووساوسه , والاتكال على الله , وحمل ما قد يقع له من الوساوس على أنه من الشيطان , حتى لا يلتفت إليه , فإن خرج منه شيء عن يقين من دون شك أعاد الاستنجاء , وأعاد الوضوء , أما ما دام هناك شك ولو كان قليلا فإنه لا يلتفت إلى ذلك ; استصحابا للطهارة , ومحاربة للشيطان ” .
انتهى من “مجموع فتاوى ابن باز” (10 / 123) .
فالواجب عليك كي تتخلص من هذه الوساوس أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن تمضي في عبادتك غير ملتفت إلى ما يلقيه الشيطان إليك من وساوسه ، وأن تكثر من الدعاء ليصرف الله عنك كيده .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” هذه الوساوس التي تقع لبعض بني آدم سواء كانت وساوس في العقيدة ، أو في مسألة من مسائل الدين كالصلاة والوضوء والطهارة وما أشبه ذلك ، فدواء هذا الداء الذي نسأل الله تعالى أن يعافينا وإخواننا المسلمين منه : أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يدعه وأن يلهو عنه وألا يلتفت إليه مطلقا ، حتى لو وسوس له الشيطان بنجاسة شيء أو بالحدث ، وهو لم يتيقن ذلك فلا يلتفت إليه ، وإذا داوم على تركه والغفلة عنه وعدم الالتفات إليه ، فإنه يزول بحول الله ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” لابن عثيمين (122 / 6) .
ثانيا :
أما قسمك الذي أقسمت ويمينك الذي حلفت ، فقد أسأت فيها أعظم الإساءة ، إلا أن يكون الوسواس قد غلب عليك ، حتى لم تدر ما تقول ، فنرجو أن تكون معذورا به .
ولتعلم أن هذه اليمين وحدها لا تخرجك من الدين ، وإنما هي يمين يقصد صاحبه أن يمنع نفسه من هذا الفعل ، لشدة بغضه للكفر ونفرته منه ؛ فيلزمك كفارة يمين ، مع التوبة إلى الله والندم وكثرة الاستغفار .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
” الْحَالِفُ هُوَ الَّذِي يَلْتَزِمُ مَا يَكْرَهُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ؛ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَنِسَائِي طَوَالِقُ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَمِينٌ ؛ بِخِلَافِ مَنْ يَقْصِدُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ مِنْ نَاذِرٍ وَمُطَلِّقٍ وَمُعَلِّقٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْصِدُ وَيَخْتَارُ لُزُومَ مَا الْتَزَمَهُ وَكِلَاهُمَا مُلْتَزِمٌ ؛ لَكِنَّ هَذَا الْحَالِفَ يَكْرَهُ وُقُوعَ اللَّازِمِ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمَلْزُومُ ، كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّ هَذَا يَكْرَهُ الْكُفْرَ وَلَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ : فَهَذَا حَالِفٌ .
وَالْمَوْقِعُ يَقْصِدُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ اللَّازِمِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ الْمَلْزُومِ ؛ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مُرَادًا لَهُ أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ غَيْرَ مُرَادٍ لَهُ . فَهَذَا مُوقِعٌ لَيْسَ بِحَالِفِ ، وَكِلَاهُمَا مُلْتَزِمٌ مُعَلِّقٌ ؛ لَكِنَّ هَذَا الْحَالِفَ يَكْرَهُ وُقُوعَ اللَّازِمِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَابِرِ التَّابِعِينَ وَعَلَيْهِ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (33/ 60) .
وسئل علماء اللجنة :
ما حكم الإسلام في من قال : إن أنا فعلت كذا أكون كافرا ، ثم فعل ذلك الشيء مرات ومرات ، علما بأنني أواظب على الصلوات وعلى ختم القرآن الكريم ، وهل الحسنات السابقة تكون قد حبطت ، أنا من جانبي نطقت بالشهادتين واغتسلت من فتوى نفسي، والآن أعيش في حالة قلق دائم ، علما بأني أتشهد وأكثر في ذلك ، وأواظب على السنن والطاعات والاستغفار ؟
فأجابت اللجنة : ” لا يجوز للمسلم أن يحلف بملة غير الإسلام، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك ، ففي (الصحيحين) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ، وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما ) وإذا فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله فعليه كفارة يمين ، مع التوبة إلى الله ، وعدم العود إلى مثل هذه اليمين ، ولا يكفر بذلك وتكفيه التوبة والعمل الصالح ؛ لقول الله سبحانه : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) ولا تحبط أعماله ؛ لأنه لم يرد الكفر ، وإنما أراد التأكيد على نفسه بعمل شيء أو تركه ” .
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (23/ 196-197) .
وينظر إجابة السؤال رقم : (10160) ، (155510) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة