0 / 0
260,79722/11/2011

هل للقاضي أن يحكم للزوجة بالخلع مع غياب الزوج عن حضور جلسات المحكمة ؟

السؤال: 174662

لقد كنت مرتبطاً بفتاة ما ( كان نكاحا وليست مجرد خطبة ) في عام 2003 ، وكان أخي الأكبر مرتبطاً بأختها الكبرى أيضا ، وفي عام 2005 تزوج أخي من أختها ، ولكن بعد فترة وجيزة من الزواج انفصلا ، وهو ما أدى إلى انفصال عائلتها عني ، حتى خطيبتي ظلمتني ، بالرغم من أنني لم أرتكب ظلما ضدها منذ أن ارتبطت بها ، كنا أنا وهي نعيش في نفس المدينة ، وقد رفع والدها قضية ” خلع ” ضدي في المحكمة ، وقد تسلمت الإشعار ولكنني لم أظهر في المحكمة بسبب دعاوى باطلة أقاموها ضدي ، بعد ذلك لم تشعرني المحكمة بأي جديد ولا أدري إن كانت المحكمة قد استجابت لدعواهم أم لا ، وقد ارتبطت هي الآن بشخص آخر مدَّعين أن المحكمة قد حكمت لهم وأقرت الخلع ، ولكنها وفي نفس الوقت لم تعطني مالاً مقابل هذا الخلع ، وأنا لم أقل من طرفي إنني طلقتها أو انفصلت عنها أو أي شيء يفيد الانفصال ، هل هذا الخلع جائز ؟ وهل يجوز لها الزواج من غيري في مثل هذه الملابسات أم أن النكاح لا يزال قائماً ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
لا يجوز لأهل الزوجة التفريق بينها وبين زوجها بغير داع قوي يدعوهم لذلك ، والملاحظ عند كثير من الناس الصبر على زوج ابنتهم عندما يتغير حاله للأسوأ وعندما تكثر معاصيه بل بعضهم يترك الصلاة ويسب الدين وتجد أهل الزوجة يصبرونها على البقاء في بيتها ! فإذا ما تزوج عليها أو طلق أخوه ابنتهم الأخرى رأيت منهم المبادرة للتفريق بينها وبينه ورأيت منهم العنف والسوء في تعاملهم وأخلاقهم معه .
وانظر في تحريم إفساد الزوجة على زوجها جواب السؤال رقم (125191 ) .

ثانياً:
لا يحل للزوجة أن تترك بيت الزوجية إلا بإذن زوجها ، وقد حرَّم الله تعالى الخروج من بيتها إذا طلقها زوجها طلاقاً رجعيّاً فكيف أن تخرج وهي غير مطلقة ؟! .
ولتعلم الزوجة أنه لا يحل لها طلب الطلاق ولا طلب الخلع من غير بأس ، وقد ورد في السنَّة الوعيد على الأمرين ، والفرق بينهما أن طلاقها تأخذ معه حقوقها ، وخلعها تدفع لزوجها مهره أو تسقط عنه حقوقاً لها ، ولا بأس بطلب الطلاق إذا كان الزوج يضربها أو يشتمها أو يشتم أهلها أو يكون مرتكباً لكبائر ، بل قد يجب عليها ذلك إذا كانت تخشى من معاصيه أن تؤثر على دينها وعلى أولادها كشربه للخمر أو تعاطيه للمخدرات ، ولا بأس من طلب الخلع إذا كرهت أخلاقه كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب ، أو كان ذلك بسبب خِلْقته ، أو كبَره ، أو ضعفه .
وعليه : فإذا كان طلب الزوجة المخالعة لأجل تطليق أخيك لأختها : فهو سبب غير شرعي ، ولا يبيح لها ذلك ، وأما إذا كان ثمة أشياء أخرى فالمرجع في تحديد الصواب والخطأ هو القاضي الشرعي الذي يستمع لدعواها .

ثالثاً:
فإذا تحقق ما يدعو الزوجة لطلب الخلع ورفعت أمرها للقاضي الشرعي فهل يجب على الزوج إجابة طلبها وتطليقها ؟ ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجب على الزوج ذلك ، وإنما يستحب له إجابتها وقبول ما تبذله له أو تسقطه عنه ليسرحها ، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب إجابة طلبها ، وهو قول عند الحنابلة ، وهو أحد قولي شيخ الإسلام ابن تيمية ، ورجحه الشوكاني ، ويتعين القول بالوجوب حيث يُخشى على المرأة في دينها أو نفسها إن هي بقيت في عصمته ، وهو قول الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – : ” هل للزوجة أن تطلب الخلع أَوْ لَا ؟ فالجواب : إن كان لسبب شرعي ولا يمكنها المُقَام مع الزوج : فلها ذلك ، وإن كان لغير سبب : فليس لها ذلك ، مثال ذلك : امرأة كرهت عشرة زوجها إما لسوء منظره أو لكونه سيئ الخلق أو لكونه ضعيف الدين أو لكونه فاتراً دائماً ، المهم أنه لسبب تنقص به العشرة : فلها أن تطلب الخلع ، ولهذا قالت امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهما للنبي صلّى الله عليه وسلّم : يا رسول الله ! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خُلُق ولا دِين – فهو مستقيم الدين ، مستقيم الخلق – ولكني أكره الكفر في الإسلام – تعني بالكفر : عدم القيام بواجب الزوج – فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم ( أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ) – والحديقة هي المهر ، حيث كان قد أمهرها بستاناً – فقالت : نعم ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لثابت ( خُذ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا ) فأخذها وطلقها – رواه البخاري – .
الشاهد من هذا الحديث أنها قالت ” لا أعيب عليه في خلق ولا دين ” .
وعلى هذا ، فإذا كان الزوج قليل شهود الجماعة في الصلاة ، أو قليل الصلاة ، أو عاقّاً لوالديه ، أو يتعامل بالربا ، وما أشبه ذلك : فللزوجة أن تطلب الخلع لكراهتها دينه .
وإذا وصلت بها الحال إلى ما وصلت إليه امرأة ثابت رضي الله عنهما وطلبت الخلع : فهل يُلزم الزوج بالخلع أو لا يلزم ؟ لا شك أنه يستحب للزوج أن يوافق ، وهو خير له في حاله ومستقبله ، لقوله تعالى ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ ) النساء/ 130 ، لكن إذا أبى وعُرض عليه مهره فقيل له : نعطيك المهر كاملاً ، فهل يُلزَم بذلك أو لا ؟ اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة ، فأكثرهم يقول : لا يُلزَم ، فهو زوج وبيده الأمر ، والقول الراجح : أنه يُلزَم إذا قالت الزوجة : أنا لا مانع عندي ، أعطيه مهره ، وإن شاء أعطيته أكثر ؛ لأن بقاءها معه على هذه الحال شقاء له ولها ، وتفرق ، والشارع يمنع كل ما يحدث البغضاء والعداوة ، فالبيع على بيع المسلم حرام لئلا يحدث العداوة ، فكيف بهذا ؟! فيلزم الزوج أن يطلق ، وحديث ثابت رضي الله عنه يدل عليه ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ( خُذ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا ) ، والأصل في الأمر الوجوب ، وقول الجمهور : إن هذا للإرشاد فيه نظر .
والقول بالوجوب هو الراجح ، يقول في الفروع : ” إنه ألزم به بعض القضاة في عهده ” ، وهؤلاء الذين ألزموا به وُفِّقوا للصواب ” انتهى من ” الشرح الممتع ” ( 12 / 451 – 454 ) باختصار .

وفي هذه الحال إذا رفض الزوج طلب الخلع من زوجته : فإن القاضي يجبره عليه ، والذي يظهر لنا أن عدم حضورك للمحكمة هو ما جعل القاضي يتمم الخلع الذي تقدمت به زوجتك ، والقاضي معذور في حال أنه طلب حضورك ليستمع منك وأنت رفضت الذهاب لإسماعه دعواك ولردك على دعوى زوجتك ، وأما حقوقك فلعلك إذا راجعت المحكمة أن تجدها هناك في انتظارك.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
امرأة تزوجت ابن عمها ، ولم يكتب الله في قلبها له مودة ، وقد خرجت من بيته منذ ثلاث عشرة سنة ، وحاولت منه الطلاق ، أو المخالعة ، أو الحضور معه إلى المحكمة : فلم يرض بذلك ، وهي تبغضه بغضاً كثيراً ، تفضِّل معه الموت على الرجوع إليه ، وقد أسقطت نفسها من السطح لما أراد أهلها الإصلاح بينها وبينه ، فما الحكم ؟ .
فأجاب : ” مِثل هذه المرأة يجب التفريق بينها وبين زوجها المشار إليه ، إذا دفعت إليه جهازه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس لما أبغضته زوجته وطلبت فراقه ، وسمحت برد حديقته إليه : ( اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقة ) رواه البخاري في صحيحه ؛ ولأن بقاءها في عصمته والحال ما ذكر : يسبِّب عليها أضراراً كثيرة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَار ) – رواه ابن ماجه بإسناد حسن – ؛ ولأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، ولا ريب أن بقاء مثل هذه المرأة في عصمة زوجها المذكور من جملة المفاسد التي يجب تعطيلها وإزالتها والقضاء عليها .
وإذا امتنع الزوج عن الحضور مع المرأة المذكورة إلى المحكمة : وجب على الحاكم فسخها من عصمته ، إذا طلبت ذلك ، وردَّت عليه جهازه ؛ للحديثين السابقين ؛ وللمعنى الذي جاءت به الشريعة ، واستقر من قواعدها ، وأسأل الله أن يوفق قضاة المسلمين ؛ لما فيه صلاح العباد والبلاد ؛ ولما فيه ردع الظالم من ظلمه ، ورحمة المظلوم وتمكينه من حقه ، وقد قال الله سبحانه : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/ 130 ” انتهى من ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 21 / 259 ) .

والخلاصة :
أن مطالبة زوجتك بالخلع قد يكون له وجه حق ، وقد لا يكون ، وإنما يُعرف ذلك بعد استماع القاضي الشرعي لقضيتكما ؛ فإذا نظر القاضي في الأمر ، ورأى فسخ النكاح ، فله ذلك ؛ فإن أبى الزوج قبول الخلع ، أو لم يحضر مجلس الحكم : فللقاضي أن يحكم به بغيابه ، ويُنفذ طلبها على أن ترجع ما دفعه لها من مهر ، وتُسقط عنه المطالبة بالباقي منه ، ولها أن تتزوج بعد حكم القاضي بعد انتهاء عدتها ، وهي حيضة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء ؛ إلا أن يكون المعمول به – قضاء – في تلك البلاد أن عدتها ثلاث حيض ، فيلزمها أن تمكث ثلاث حيض ، قبل أن تنكح غيره .
وانظر تفصيل الخلع في جوابي السؤالين ( 26247 ) و ( 99881 ) ، وانظر في عدة الخلع ورجوع المختلعة لزوجها : جوابي السؤالين (5163 ) و (14569 ) .
وفي فسخ القاضي لعقد الزوجية بالخلع في حال غياب الزوج انظر جواب السؤال رقم (12179) و (151776) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android