تنزيل
0 / 0

أقوال العلماء والأطباء في مسئولية ماء الرجل وماء المرأة في تحديد جنس الجنين

السؤال: 175100

روى مسلم (315) عن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ فَقُلْتُ: أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ ، فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ: سَلْ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً ؟ قَالَ: فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ: زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ ، قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا ؟ قَالَ: يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا قَالَ: صَدَقْتَ ، قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ ، قَالَ: يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ ، قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ؟ قَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا ، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ ، أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللهِ ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ ، آنَثَا بِإِذْنِ اللهِ ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ سَأَلَنِي هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ ، وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى أَتَانِيَ اللهُ بِهِ . فالعلم الحديث اليوم يخبرنا أن المنيّ والبويضة معاً هما من يحددان الخواص الجينية للجنين ، وأن سبق ماء المرأة من عدم سبقه لا علاقة له نهائيّاً في تحديد جنس الجنين أذكر أم أنثى ! وكما ترون فالحديث يناقض هذه الحقيقة العلمية ، فإذا كان محمد نبيّاً ولا يتلفظ إلا بوحي من الله فكيف فاتته إذاً هذه الحقيقة ، بل جاء بما يخالف العلم ؟! .
لا أدري ربما هناك تفسير آخر لهذا الحديث لا أعلمه ! إذا كان الأمر كذلك فأرجو الشرح والتفصيل قدر الإمكان ، وأرجو أن لا يُنظر إلى سؤالي هذا على أنه سؤال استفزازي أو تجريحي ، ولكم خالص الشكر .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
خلط بعض الكتَّاب في مسألة " تحديد جنس الجنين " بين معاني الأحاديث الواردة في بابه ، فحملوا أحاديث الشبَه و(النزع) الوارد إطلاقه فيها على أن المراد بها تحديد جنس الجنين ، وليس الأمر كذلك ، بل تحديد الجنس غير الشبَه .

ثانياً:
ذهب أكثر العلماء والأطباء المعاصرين إلى أن الرجل هو المسئول عن تحديد جنس المولود – بإذن الله – وأن المرأة هي كالأرض المزروعة لا خيار لها في الزرع فما يُزرع فيها تُنبته بإذن ربها ، وإليه الإشارة في آيات من القرآن الحكيم .
قال الدكتور محمد علي البار – وفقه الله – : " ومن المقرر علميّاً أن جنس المولود يتحدد في اللحظة الأولى التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبويضة فيلقحها ، فإذا ما التقى حيوان منوي يحمل شارة الذكورة " Y " بالبويضة : فإن الجنين سيكون ذكراً بإذن الله ، أما إذا كان الحيوان المنوي سيلقح البويضة يحمل شارة الأنوثة : فإن الجنين سيكون أنثى بإذن الله .
إذن الحيوان المنوي أو نطفة الرجل هي التي تحدد نوعية الجنين ذكراً أم أنثى ، ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ) النجم/ 45 ، 46 ، والنطفة التي تُمنى هي نطفة الرجل بلا ريب ، ويقول تعالى أيضاً ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى . أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ مِنْهُ ( أي : المني ) الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) القيامة/ 36 – 40 " انتهى من " خلق الإنسان بين الطب والقرآن " ( ص 297 ، 298 ) .

ثالثاً:
إذا عرفنا وجه الصواب في المسألة على ما ذكرناه ، فكيف نوفق بين ما سبق ، وبين الحديث الوارد في السؤال ، وفيه أن للمرأة دوراً في تحديد جنس الجنين ؟ .

والجواب على ذلك نقول : إن هناك ثلاثة اتجاهات في توضيح ذلك وبيانه :
الأول : أن بعض العلماء ذهب إلى أن الإذكار والإيناث ليس له سبب طبيعي ، وأن ما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه – وهو الذي اشتمل على النص على جنس الجنين – هو وهْمٌ من بعض رواته ، وأنه في الشبه بأحد الأبوين ، ليس في تحديد الذكورة والأنوثة ، ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، والشيخ العثيمين رحمه الله من المعاصرين .
قال ابن القيم – رحمه الله – : " وسئل صلى الله عليه وسلم عن شبَه الولد بأبيه تارة وبأمه تارة فقال ( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الشبه له ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل فالشبه لها ) متفق عليه ، وأما ما رواه مسلم في صحيحه أنه قال ( إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر الرجل بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل آنث بإذن الله ) فكان شيخنا – أي : ابن تيمية – يتوقف في كون هذا اللفظ محفوظا ويقول : " المحفوظ هو اللفظ الأول ، والإذكار والإيناث ليس له سبب طبيعي ، وإنما هو بأمر الرب تبارك وتعالى للملك أن يخلقه كما يشاء ، ولهذا جعل مع الرزق والأجل والسعادة والشقاوة " " انتهى من " إعلام الموقعين " ( 4 / 269 ) .

الثاني ، وقد ذهب إليه الأكثرون : أن الحديث صحيح ، وأنه لا إشكال في كون علو ماء المرأة يسهم في تخلق المولود إلى أنثى إن أذن الله بذلك – وقد وقع خلاف في معنى " العلو " هل هو السبق ، أو العلو الحقيقي ، أو الكثرة والقوة – ، وأنه حتى في حال علو ماء المرأة فإنه يؤثر في اختيار الحيوان المنوي المذكر أو المؤنث ، دون أن يكون له دور رئيسي ، فرجع الأمر إلى أن المؤثر الحقيقي هو ماء الرجل ، فالمرأة هنا تساهم بدور ثانوي ، وذلك بتهيئة الظروف لاستقبال الحيوان المنوي ، فالوسط الحامضي يقتل "Y " ويبقي على " X " من الحيوانات المنوية فيكون جنس المولود أنثى " XX " .
قال الدكتور محمد علي البار – وفقه الله – : " وتضمن الحديث – يعني : حديث ثوبان – وصفاً لماء الرجل وماء المرأة ، كما تضمن قضية الذكورة والأنوثة وأرجعها إلى أي الماءين علا ، فالإذكار أو الإيناث تبع له .
ويبدو ذلك معارضاً للآيات الكريمة التي ذكرت أن جنس الجنين يحدده مني الرجل فحسب – وذكر آية النجم وآية القيامة – كما يبدو معارضاً للمعلومات الطبية التي تؤكد أن جنس الجنين إنما يحدِّده الحيوان المنوي الذي سيلقح البويضة فإن كان حيواناً منويّاً يحمل شارة الذكورة " Y " كان الجنين ذكراً ، بإذن الله وإن كان حيوانا منويّاً يحمل شارة الأنوثة " X " كان الجنين أنثى بإذن الله .
وفي الواقع ليس هناك تعارض ، وربما أثَّر علو ماء الرجل أو ماء المرأة في الحيوانات المنوية التي سيفلح واحد منها بإذن الله في تلقيح البويضة ، ونحن نعلم أن إفرازات المهبل حامضية وقاتلة للحيوانات المنوية ، وأن إفرازات عنق الرحم قلوية ولكنها لزجة في غير الوقت الذي تفرز فيه البويضة ، وترق وتخف لزوجتها عند خروج البويضة ، وإلى الآن لا ندري مدى تأثير ماء المرأة على نشاط الحيوانات المنوية المذكرة أو المؤنثة ، ولا بد من إجراء بحوث دقيقة لنتبين مدى تأثير هذه الإفرازات على الحيوانات المنوية المذكرة أو المؤنثة ، ومدى تأثير علوها أو انخفاضها على نشاط هذه الحيوانات ، وهناك من يقول : إن معنى العلو هو الغلبة والسيطرة فإن كانت الغلبة للحيوانات المذكرة كان إذكار ، وإن كان للمؤنثة كان إيناث بإذن الله " انتهى من " خلق الإنسان بين الطب والقرآن " ( ص 390 ، 391 ) .

الثالث : وهذا الاتجاه ظهر حديثاً وهو يجعل المسئولية عن تحديد جنس الجنين مشتركة بين الرجل والمرأة ، وقد تزعم هذا الاتجاه وأظهره للناس – فيما نعلم – الدكتور جمال حمدان حسانين – اختصاصي علم التشريح والأجنة – وهي في تفسير حديث ثوبان رضي الله عنه – ، وقد قال ما نصه : " اندماج الحيوان المنوي مع البويضة يعتمد على الخصائص الكهربية لهذه الخلايا الجنسية ، فعندما تكون البويضة " سالبة الشحنة " فإنها تجذب إليها الحيوان المنوي (Y) الذي يحمل شحنة موجبة وينتج " طفل ذكر " ، وبما أن الحامل للصبغي " الشحنة الموجبة " هي الأعلى حسب قواعد الطبيعة يكون منيُّ الرجل هو الأعلى ، وبذلك يكون علو منيُّ الرجل سبباً في إنجاب طفل ذكر " ، وهذا يطابق ما أوضحه الحديث النبوي بشكل مذهل ( فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة : أذكرا بإذن الله ) .
وأما إذا كانت البويضة موجبة الشحنة فإنها تجذب إليها الحيوان المنوي الحامل للصبغي (X) الذي يحمل شحنة سالبة وينتج " طفل أنثى " ، وهذا ما أوضحه أيضا الحديث النبوي ( وإذَا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله ) .
وعلي ذلك يكون هناك دور مشترك للرجل والمرأة في تحديد جنس الطفل " . انتهى
 

ولعل أقرب الأقوال هو الاتجاه الثاني الذي يرى مسئولية ماء الرجل عن تحديد جنس الجنين ، وأن علو ماء المرأة الذي يكون معه المولود أنثى ، لا يسلب من ماء الرجل مسئوليته العظمى ، ولا يعطي دوراً مساوياً لماء المرأة ، مع الاعتراف بحاجتنا إلى دراسة علمية حديثة من أكثر من عالم ومتخصص لدراسة هذه القضية بكافة أجزائها والخروج بنتيجة علمية متفق عليها .

والله أعلم

المصدر

اللقاء الشهري 17 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android