0 / 0

دراسة روايات حديث النهي عن تأبير النخل

السؤال: 176081

قد قرأت ثلاثة أحاديث عن حادثة تأبير النخل ، فأيها صحيح ، وأيها صحيح من حيث المتن ، أي لا يخالف الشريعة الإسلامية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الأحاديث الواردة في قصة ” تأبير النخل ” كثيرة كما يقول البزار : ” رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم : أنس ، وعائشة ، ورافع بن خديج ، وجابر بن عبد الله ، ويسير بن عمرو ” انتهى من ” البحر الزخار ” (3/154) .
ونحن نذكرها هنا مع بيان ألفاظها وتخريجها :
الحديث الأول :
ولفظه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم النهي عن تأبير النخل ، وإنما أخبرهم بالظن ، فعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ” مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ ، فَقَالَ : ( مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ ) فَقَالُوا : يُلَقِّحُونَهُ ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا ). قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ : ( إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا ، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ) .
رواه كل من أبي عوانة وإسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه .
أخرجه مسلم في ” صحيحه ” (رقم/2361)، وأحمد في ” المسند ” (3/15) وعبد بن حميد في ” المسند ” – كما في ” المنتخب ” (ص/64) – وأبو داود الطيالسي في ” المسند ” (1/186) – ومن طريقه الطحاوي في ” شرح معاني الآثار ” (3/48) –، وأخرجه ابن أبي عاصم في ” الآحاد والمثاني ” (1/165)، وأبو يعلى في ” المسند ” (2/12)، والشاشي في ” المسند ” (1/68، 70)، وأبو نعيم في ” حلية الأولياء ” (4/ 372( كلهم من طريق أبي عوانة عن سماك.
أما رواية إسرائيل عن سماك فأخرجها أحمد في ” المسند ” (3/18) وابن ماجه في ” السنن ” (رقم/2470)، والطحاوي في ” شرح مشكل الآثار ” (4/423)، وفي ” شرح معاني الآثار ” (3/48)، والشاشي في ” المسند ” (1/69) .
ولفظ رواية إسرائيل قريب جدا من لفظ رواية أبي عوانة ، إلا أنه لم يقل : ( ولا تؤاخذوني بالظن)، بل قال مكانه : ( والظن يخطئ ويصيب ) .
ورواه كل من حفص بن جميع وأسباط بن نصر عن سماك ، كما عند البزار في ” البحر الزخار ” (3/154) ولم يذكر ألفاظهما .

الحديث الثاني :
ولفظه قريب من الحديث الأول ، لا يشتمل على جزم النهي ، وإنما على الظن منه عليه الصلاة والسلام .
عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : ” قَدِمَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ ، يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ ، فَقَالَ : ( مَا تَصْنَعُونَ ؟ ) قَالُوا : كُنَّا نَصْنَعُهُ ، قَالَ : ( لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا ) ، فَتَرَكُوهُ ، فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ ، قَالَ : فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ) قال عكرمة : أو نحو هذا ) .
رواه مسلم في ” صحيحه ” (حديث رقم/2362)، وابن حبان في ” صحيحه ” (1/202) والطبراني في ” المعجم الكبير ” (4/280) من طريق النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة وهو ابن عمار ، حدثنا أبو النجاشي ، حدثني رافع بن خديج .
الحديث الثالث :
ولفظه هو المشتهر بين الناس ، جاء معناه في آخر الحديث السابق ، وهو قوله : ( أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ) أو ( إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ ) .
رواه كل من عفان ، والأسود بن عامر ، وعبد الصمد ، ومحمد بن كثير العبدي عن حماد بن سلمة ، ورواه حماد من طريقين : عن ثابت ، عن أنس بن مالك وعن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ : ( لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ ) ، قَالَ : فَخَرَجَ شِيصًا ، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ : ( مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ ) قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ) .
أخرجه مسلم في ” صحيحه ” (حديث رقم/2363)، وأحمد في ” المسند ” (20/19) (41/401)، وابن ماجة في ” السنن ” (رقم/2471)، والبزار في ” البحر الزخار ” (13/355) (18/99)، وأبو يعلي في ” المسند ” (6/198) (6/237)، والطحاوي في ” شرح مشكل الآثار ” (4/424)، وابن حبان في ” صحيحه ” (1/201) .

الحديث الرابع :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ , قَالَ : ” أَبْصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يُلَقِّحُونَ ، فَقَالَ : ( مَا لِلنَّاسِ؟ ) فَقَالُوا : يُلَقِّحُونَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ : ( لَا لِقَاحَ أَوْ مَا أَرَى اللِّقَاحَ شَيْئًا )، فَتَرَكُوا اللِّقَاحَ ، فَجَاءَ تَمْرُ النَّاسِ شِيصًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا لَهُ , مَا أَنَا بِصَاحِبِ زَرْعٍ وَلَا نَخْلٍ لَقِّحُوا ) .
رواه الطحاوي في ” شرح مشكل الآثار ” (4/425) قال : حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، ثنا عياش بن الوليد الرقام ، ثنا محمد بن الفضيل ، ثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن جابر به . ومجالد بن سعيد ضعيف الحديث ، كما في ” تهذيب التهذيب ” (10/41) .
ثانيا :
الخلاصة : أن أصل القصة صحيح بلا شك ، ولكن الاختلاف الوارد في ألفاظها يدل على أن بعض الرواة نقلوا فيها المعنى وليس النص النبوي ، كما قال العلامة محمد رشيد رضا في ” تفسير المنار ” (7/426): ” اختلاف الألفاظ يدل على أنها رويت بالمعنى ” انتهى.
وقد ذهب الطحاوي إلى أنها حوادث متعددة ، فقال : ” قال صلى الله عليه وسلم ما حكاه عنه طلحة لبعض من رآه يعاني اللقاح ، ثم قال ما حكته عنه عائشة وأنس في قوم آخرين ممن رآهم يعانون التلقيح ، وقال ما في حديث جابر لقوم آخرين وأنهم يعانون التلقيح ، فحكى كل من سمعه صلى الله عليه وسلم يقول شيئا مما سمعه يقوله ، وكلهم صادق فيما حكاه عنه , وكل أقواله التي قالها صلى الله عليه وسلم مما حكاه عنه هؤلاء القوم كما قال ” انتهى من ” شرح مشكل الآثار ” (4/425) .
لكن الراجح أنها حادثة واحدة ، إذ من المستبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاطب أربعة أو خمسة أقوام بذلك ، ثم اعتذر لهم كل على حدة ، ومن المستبعد أيضا أن تكون عائشة رضي الله عنها قد كانت ترافقه حين مر على القوم الذين يؤبرون النخل ، فالغالب أنها وأنس بن مالك رضي الله عنهما قد أخذوا الحديث عن غيرهم من الصحابة ، وبذلك يقوى احتمال اتحاد الحادثة .
ولو طلب منا أن نختار إحدى هذه الألفاظ ونرجح بينها ، لاخترنا اللفظ الأول منها ، الذي رواه سماك بن حرب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه ، إذ هو الذي يغلب على الظن أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لدليلين :
الدليل الأول :
أنه اللفظ الذي قدّمه الإمام مسلم في ” صحيحه “، وقد قال العلامة المعلمي رحمه الله : ” عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها ، يقدم الأصح فالأصح ” انتهى من ” الأنوار الكاشفة ” (ص29) .
الدليل الثاني :
أن اللفظ الأول هو اللفظ الوحيد الذي ذكر كلمة ( الظن )، يصرح النبي صلى الله عليه وسلم فيها إخباره بما يمليه عليه ظنه في أمور الدنيا ، ولم يأمرهم أمرا تعبديا كما توهمه ألفاظ حديث رافع وأنس وعائشة وجابر رضي الله عنهم ، والتصريح بالظن يجنب المخاطبين الخلط بين السنة التشريعية وغير التشريعية .
يقول المعلمي رحمه الله : ” قوله صلى الله عليه وسلم في حديث طلحة : ( ما أظن يغني ذلك شيئاً ) إخبار عن ظنه ، وكذلك كان ظنه ، فالخبر صدق قطعاً ، وخطأ الظن ليس كذباً ، وفي معناه قوله في حديث رافع : ( لعلكم )، وذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد ، لأن حماداً كان يخطئ ، وقوله في حديث طلحة ( فإني لن أكذب على الله ) فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ ؛ لأن السياق في احتمال الخطأ ، وامتناعه عمداً معلوم من باب أولى ، بل كان معلوماً عندهم قطعاً ” انتهى من ” الأنوار الكاشفة ” (ص29) .

ثالثا :
لا يتعارض الحديث مع قوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3-4. لأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة تأبير النخل صرح بأنه كان ظنا وتقديرا منه على حسب ما يعلمه من أمور الدنيا ، فأي حديث بعده يرد من غير تصريح بكلمة الظن وما يدل عليها داخل في عموم الآية ، ويجب التسليم به على أنه وحي وتشريع إلا لقرينة صارفة .
يقول الطحاوي رحمه الله :
” لم يكن ذلك منه صلى الله عليه وسلم إخبارا عن وحي , وإنما كان منه على قول غير معقول ظاهر [ يعني : أنه خبر عن أمر حسي مشاهد للناس ] مما يتساوى فيه الناس في القول , ثم يختلفون فيتبين ذوو العلم به عمن سواهم من غير أهل العلم به , ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان يعاني ذلك ، ولا من بلد يعانيه أهله ; لأنه صلى الله عليه وسلم إنما بلده مكة ، ولم تكن دار نخل يومئذ , وإنما كان النخل فيما سواها من المدينة التي صار إليها صلى الله عليه وسلم , وكان القول في الأمر الذي قال على الظن به ” انتهى من ” شرح مشكل الآثار ” (4/425) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
” قال العلماء : ولم يكن هذا القول خبرا ، وإنما كان ظنا كما بينه في هذه الروايات ، قالوا : ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش وظنه كغيره ، فلا يمتنع وقوع مثل هذا ، ولا نقص في ذلك ” انتهى من ” شرح مسلم ” (15/116) .
ويقول ابن تيمية رحمه الله :
” لم ينههم عن التلقيح ، لكنهم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم ، كما غلط من غلط في ظنه أن (الخيط الأبيض) و(الخيط الأسود) هو الحبل الأبيض والأسود” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18/12) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android