خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير دفنه
السؤال: 177349
من المعلوم أن من إكرام الميت التعجيل بدفنه ، فبم تفسرون دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يومين ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ليس في تأخير دفن جسد النبي صلى الله عليه وسلم الطاهر أي مخالفة لإكرام الميت ،
وبيان ذلك من وجوه عدة :
أولا :
جسد النبي صلى الله عليه وسلم الطاهر في حياته وموته ليس كأجساد بقية البشر ، لا
يغيره الموت ولا تصيبه الآفات ، بل هو محفوظ بحفظ الله عز وجل ، جسد شريف طيب طاهر
في حياته وفي مماته ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في ” صحيحه ”
(رقم/3667) عن عائشة رضي الله عنها في قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ ، قَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، طِبْتَ حَيًّا
وَمَيِّتًا….إلى آخر الحديث )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لَمَّا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغَسْلِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلا أَهْلُهُ :
عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَأُسَامَةُ بْنُ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَصَالِحٌ مَوْلاهُ….وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ
وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ وَصَالِحٌ مَوْلاهُمَا يَصُبَّانِ الْمَاءَ ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ ،
وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلم شَيْءٌ مِمَّا يُرَاهُ
مِنَ المَيِّتِ ، وَهُوَ يَقُولُ : بِأَبِي وَأُمِّي ، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا
وَمَيِّتًا…إلى آخر الحديث ) رواه أحمد في ” المسند ” (4/187) وقال المحققون في
طبعة مؤسسة الرسالة : حسن لغيره . انظر: ” الخصائص الكبرى ” للسيوطي (2/469-492)
ولهذا فقد أمِنَ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على جسده الشريف أن يتغير بسبب
الموت ، وكراهة تأخير الدفن معللة بخوف تغير الميت ، أما إذا انتفت العلة فأُمِنَ
التغير ، كما في جسده صلى الله عليه وسلم ، فلا كراهة حينئذ ، إذا وجدت حاجة لمثل
ذلك التأخير .
ثانيا :
ومن الحاجات التي ربما تكون قد دعت إلى ذلك التأخير ، حرص جميع الصحابة رضوان الله
عليهم على الصلاة عليه ، فقد صلى عليه جميع الناس ، الرجال والنساء والصبيان ، صلوا
أرسالا – أي جماعات متفرقين -، لم يؤمهم إمام واحد ، وإنما كان يدخل الجمع منهم
حجرته الشريفة عليه الصلاة والسلام فيصلون عليه فرادى ، وهذا لا بد أن يستغرق كثيرا
من الوقت كي يدرك الجميع هذه الفضيلة .
جاء في ” موطأ مالك ” (1/231) :
” أنه بلغه أنه صلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ” انتهى.
وروى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (7/430) عن سعيد بن المسيب قال : لما توفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وضع على سريره , فكان الناس يدخلون زمرا زمرا يصلون عليه
ويخرجون ولم يؤمهم أحد .
وقد كان اختلافهم في شأن غسله صلى الله عليه وسلم ، ومن يغسله ، وأين يدفن ، كل ذلك
مما يستغرق شيئا من الوقت ، ويدعو إلى بعض التأخر .
بل قبل ذلك ، كان وقع هذه الفاجعة على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عظيما ، فلم
تكد عقولهم وقلوبهم تطيق ثقل المصيبة ، حتى أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن
يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ، وكان من الصحابة من أصمت ، ومنهم من أقعد
إلى الأرض فلم يستطع حراكا ، وهكذا لم يصب الصحابة بمصاب أعظم من ذلك اليوم .
حتى قال حسان بن ثابت رضي الله عنه :
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة … عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم … وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه … ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك … رزية يوم مات فيه محمد
انظر: ” الروض الأنف ” (7/584، 602) .
ثالثا :
لقد اشتغل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بما يحفظ على الأمة أمرها وشأنها ،
فدارت بينهم بعض الحوارات والاجتماعات لتحديد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
كي يوحدوا راية الأمة ، ويقطعوا على الشيطان سبيل التفرقة بين الناس ، وكي لا يخلو
الناس من إمام يقيم فيهم الحق ، ويخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشؤون
العظام ، وهذا أيضا استغرق بعض الوقت .
وقد كان ذلك هو أهم وأعظم أمر دعاهم إلى التأخر في دفنه هذه الأيام .
قال الزرقاني رحمه الله :
” إنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه ، أو لاشتغالهم في أمر البيعة
بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق ، ولدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع
قبله ولا بعده مثله ، فصار بعضهم كجسد بلا روح ، وبعضهم عاجزا عن النطق ، وبعضهم عن
المشي ، أو لخوف هجوم عدو ، أو لصلاة جم غفير عليه ” انتهى من ” شرح الموطأ ”
(2/94)
سابعا :
ومع هذه الأسباب والأحداث المتنوعة التي ذكرناها ؛ فإن الأمر كله يستغرق سوى شيئا
من نهار الاثنين ، وليلة الثلاثاء ونهاره ، ثم دفن عليه الصلاة والسلام وسط ليلة
الأربعاء ، أي إن الأمر كله لم يستغرق أكثر من (48) ساعة في أعلى تقدير ، وهذا وقت
ليس بالطويل ، ولا يكاد يكفي لتحقيق جميع الأسباب السابقة . انظر ” السيرة النبوية
الصحيحة ” (2/553-556)
فكيف إذا علمنا أن كثيرا من
المحدثين قالوا إنه عليه الصلاة والسلام توفي يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء ،
وليس ليلة الأربعاء .
فقد اختلف المحدثون
والمؤرخون في اليوم الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك على قولين :
القول الأول : أنه دفن ليلة الأربعاء ، وهو الذي عليه الأكثرون ، واستدلوا لذلك بما
روي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ )
رواه أحمد في ” المسند ” (41/300) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة : إسناده
محتمل للتحسين . وذكروا متابعاته التي يحسن لأجلها .
قال ابن كثير رحمه الله – بعد أن ذكر القول الثاني في دفنه عليه الصلاة والسلام يوم
الثلاثاء – : ” هو قول غريب ، والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه الصلاة
والسلام توفي يوم الاثنين ، ودفن ليلة الأربعاء ” انتهى من ” البداية والنهاية ”
(5/292)
القول الثاني : أنه دفن يوم
الثلاثاء ، وقد وردت بذلك مجموعة من الأدلة والآثار ، حتى قال ابن عبد البر رحمه
الله : ” أكثر الآثار على أنه دفن يوم الثلاثاء ، وهو قول أكثر أهل الأخبار ” انتهى
من ” الاستذكار ” (3/56)
جاء في ” موطأ مالك ” (1/231) :
” أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ، ودفن يوم الثلاثاء
، وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ” انتهى.
وروى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (7/430) عن سعيد بن المسيب قال :
” لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع على سريره , فكان الناس يدخلون زمرا
زمرا يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمهم أحد , وتوفي يوم الإثنين , ودفن يوم الثلاثاء ”
انتهى.
وروى الترمذي في ” الشمائل المحمدية ” (ص/336) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ :
” تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ”
انتهى.
وفي ” شرح السنة ” للبغوي (14/49):
” قال عروة : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ودفن في آخر الليل
من ليلة الثلاثاء ، أو مع الصبح ، وقال عكرمة : دفن ليلة الأربعاء ” انتهى.
وروى البيهقي في ” دلائل النبوة ” (7/ 256) عن الأوزاعي قال :
” توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين في شهر ربيع الأول قبل أن ينتصف
النهار ، ودفن يوم الثلاثاء ” انتهى.
وروى البيهقي أيضا في ” دلائل النبوة ” (7/256) عن ابن جريج قال : أُخبرت أن النبي
صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الاثنين ، ودفن الغد في الضحى .
وأما يوم وفاته فكان عندما
اشتد الضحى من يوم الاثنين باتفاق المحدثين ، ورد في ذلك النص الصريح الصحيح عن أبي
بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لابنته عائشة رضي الله عنها :
( فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَتْ : يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ) رواه البخاري في ” صحيحه ” (رقم/1387)
والله أعلم.
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟