0 / 0

يسأل عن صحة حديث يدل على استرقاق ابن الزنا !!

السؤال: 177356

قرأت حديثًا لأبي داود في كتاب النكاح رقم 2126 يقول:
أن رجلا من الأنصار يقال له بصرة قال: ( تزوجت امرأة بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك ، فإذا ولدت -قال الحسن – فاجلدها ، وقال ابن أبي السري : فاجلدوها أو قال: فحدوها
هل هذا الحديث صحيح أم لا؟ وإذا كان ضعيفا ، فما سبب ضعفه ؟ وما الحكم المأخوذ من هذا الحديث ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
هذا الحديث رواه أبو داود في سننه (2131 ) من طريق ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ بَصْرَةُ ، قَالَ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِكْرًا فِي سِتْرِهَا ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ حُبْلَى .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا ، وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ ، فَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدُوهَا ، أَوْ قَالَ : فَحُدُّوهَا ).

وقد حكم نقاد الحديث وحفاظه على هذا الحديث بالضعف ؛ وذلك لأنه من وراية ابن جريج ، وهو مشهور بالتدليس .
وقد دلس هذا الحديث ، فرواه عن صفوان بن سليم ، وهو في حقيقة الأمر يرويه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم .
وإبراهيم بن أبي يحيى متروك عند أهل الحديث .

قال أبو حاتم : ” وَمَا رَوَاهُ ابنُ جُرَيج ، عَنْ صَفْوان بْنِ سُلَيم، عن ابن المسيّب… لَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ صَفْوان بْنِ سُلَيم.
ويَحتمِلُ أَنْ يكونَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيج ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى ، عَنْ صَفْوان ابن سُلَيم ؛ لأنَّ ابْنَ جُرَيج يُدلِّسُ عَنِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَفْوان بْنِ سُلَيم غَير شَيْءٍ “.
انتهى من “علل الحديث لابن أبي حاتم” (4/ 65) .

وقال البيهقي : ” فهذا الحديث إنما أخذه ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سليم ” . انتهى من “السنن الكبرى” (7/157).
وقال عبد الحق الإشبيلي : ” فابن جريج إنما رواه عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي يحيى الأسلمي ، عن صفوان ، وإبراهيم هذا متروك الحديث ” . انتهى من “الأحكام الوسطى” (3/156) .

ويؤكد ذلك أن عبد الرزاق رواه في مصنفه (6/ 249) عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
ثم رواه عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حُدِّثْتُ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ .
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ” حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ صَفْوَانَ , هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى , عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ” انتهى .
وينظر : ” سنن الدارقطني” (4/ 368) .

قال الخطيب البغدادي : ” أراد عَبْد الرزاق بهذا القول البيان أن ابْن جريج إنَّما سمعه من إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى عن صَفْوَان ، ودلسه إذ رَوَاهُ عن صَفْوَان نفسه “.
انتهى من ” الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة” (5/386) .

قال ابن القيم: “هذا الحديث قد اضطُرِبَ في سنده وحكمه واسم الصحابي راويه … وله علَّة عجيبة ، وهي : أنه حديث يرويه ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُليم ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عن رجل من الأنصار .
وابن جريج لم يسمعه من صفوان ؛ إنما رواه عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي يحيى الأسلمي ، عن صفوان .
وإبراهيم هذا متروك الحديث ؛ تركه : أحمد ابن حنبل ، ويحيى بن معين ، وابن المبارك ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة الرَّازيان وغيرهم .
وسُئل عنه مالك ابن أنس : أكان ثقة ؟
فقال: لا ! ولا في دينه “. انتهى من “تهذيب السنن” (3/60).
وللحديث علة أخرى أيضاً ، وهي : أن أكثر الرواة قد رووه عن سعيد بن المسيب مرسلاً .
قال ابن القيم : ” المعروف أنه إنما يُروى مرسلاً عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كذا رواه : قتادة ، ويزيد بن نعيم ، وعطاء الخراساني ، كلهم عن سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم “. انتهى من “تهذيب السنن” (3/61) .
وقال أبو حاتم الرازي : ” هَذَا حديثٌ مُرسَل لَيْسَ بِمُتَّصل”.
انتهى من ” علل الحديث لابن أبي حاتم” (4/ 65) .
وقال عبد الحق الإشبيلي: ” والإرسال هو الصحيح “. انتهى من “الأحكام الوسطى” (3/156).

والحديث ضعفه كذلك الإمام أحمد ، كما في “مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ” (7/3708) .

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى : ” فتخلص أن هذا الحديث بهذا الإسناد فيه ثلاث علل:
الأولى : عنعنة ابن جريج ، وهو مدلس.
الثانية : أن ابن جريج يرويه عن ابن أبي يحيى ، وهو: متروك .
الثالثة : أنه قد اختلف في وصله وإرساله ، والذي عليه الأكثر روايته مرسلاً ، وهذا هو المعروف .
وعليه : فإن الحديث بهذه العلل لا يكون حجة ، والله أعلم”.
انتهى من “الحدود والتعزيرات عند ابن القيم” صـــ 151.
ثانياً :
هذا الحديث – على ضعفه – اشتمل على جملة من المسائل والأحكام ، نسوقها باختصار :
1- أن من تزوج امرأة وتبين له أنها حامل من الزنا ، فنكاحه باطل ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
قال ابن القيم : ” وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْحُكْمُ بُطْلَانَ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنْ زِنًى ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ “. انتهى من ” زاد المعاد ” (5/ 96).
2- أنه إذا دخل بهذه المرأة وجب لها مهرها كاملاً ، وهذا الحكم قد ثبت بأدلة أخرى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وَلَا يَسْقُطَ الْمُهْرُ بِمُجَرَّدِ زِنَاهَا ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُلَاعِنِ لَمَّا قَالَ: مَالِي ، قَالَ : لَا مَالَ لَك عِنْدَهَا ، إنْ كُنْت صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا ، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك”.
انتهى من “مجموع الفتاوى” (15/320) .
3- أن الحمل يكفي دليلا على وقوع الزنا ، إذا لم تكن المرأة ذات زوج ؛ فيقام الحد عليها ولو لم تعترف ، أو تقم بينة أخرى ، بناء على هذا الحديث .
وفي هذه المسألة خلاف بين العلماء ، والذي عليه جمهور أهل العلم أن الحبل لا يكفي لإقامة الحد على المرأة ، لإمكان أن يكون ذلك الحمل عن إكراه ، أو وطء شبهة ؛ وأما الزنى فلا يثبت إلا ببينة ، أو اعتراف .
وللاستزادة ينظر : “الحدود والتعزيرات عند ابن القيم” صـ 153، للشيخ بكر أبو زيد .
4- أن ابن الزنا يصير عبدا لمن تزوج بأمه .
وهذا الحكم ليس في الشرع ما يدل عليه إلا هذا الحديث ، وهو حديث ضعيف لا حجة فيه على الإطلاق .
ولذلك لم يقل به أحد من العلماء .
قال البيهقي : ” وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا مِنَ الْحُرَّةِ يَكُونُ حُرًّا ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا مَنْسُوخًا ، وَاللهُ أَعْلَمُ “. انتهى من “السنن الكبرى” (7/ 255).
وقال الخطابي : ” هذا الحديث لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به ، وهو مرسل ، ولا أعلم أحداً من العلماء اختلف في أن ولد الزنا حر إذا كان من حرة ، فكيف يستعبده ؟!!
ويشبه أن يكون معناه إن ثبت الخبر : أنه أوصاه به خيراً ، أو أمره باصطناعه ، وتربيته ، واقتنائه ؛ لينتفع بخدمته إذا بلغ ، فيكون كالعبد له في الطاعة ، مكافأة له على إحسانه وجزاء لمعروفه “. انتهى من ” معالم السنن” (3/ 218) .

والحاصل : أن الحديث المذكور شديد الضعف ، لا تقوم به حجة في الشرع ، وأن ما دل عليه من الأحكام يعرض على أصول الشرع وأدلته الثابتة .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android