0 / 0

طبيب يشكو ويسأل : كيف أوفّق بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة ؟

السؤال: 179458

أنا مسلم عادي وأحاول أن أكون مسلمًا ملتزمًا إن شاء الله ، فمنذ فترة قريبة بدأت ألتزم بتعاليم ديني ، وأحافظ على صلواتي ، وبدأت أقترب من الله عز وجل ، عسى أن يغفر لي سبحانه في الآخرة ، ولكن المشكلة هي أني كيف أوازن بين أمور الدنيا وعباداتي ؟
أنا أعمل طبيب وهناك كثير من الالتزامات تتطلب مني وقتا وجهدًا، وأحتاج لتركيز شديد في عملي ومن ثم ينعكس هذا سلبا على عباداتي ، وهذا ما يسبب لي الحزن والهم ؛ لأني لا أعطي ربي مثل ما أعطي لعملي ، أنا أقرأ في الكتب الإسلامية وأحاول أن أتعلم ، ولكن لا أستطيع الموازنة بين أعمال الدنيا والأعمال الأخروية ، فما نصيحتكم لي ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نحمد الله أن وفقك للالتزام بدينك والمحافظة على فروضه وواجباته .
وننصحك أولا بأمر مهم عسى أن يضفي على حياتك البهجة والسعادة ، وهو أنه يمكنك أن تجعل من مهنتك وعملك سبيلا قويما إلى ربك ، وذلك بالنية الصالحة ، وبما يمكنك فعله مع المرضى من العناية بهم ونصحهم وإرشادهم ومساعدتهم ، تنوي بذلك وجه الله .
فالعمل المباح ينقلب طاعة وقربى بالنية الصالحة وإحسان الظن بالله .
روى مسلم (1006) عَنْ أَبِي ذَرٍّ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا ) .
قال النووي رحمه الله :
” ( وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة ) يُطْلَق عَلَى الْجِمَاع , وَيُطْلَق عَلَى الْفَرْج نَفْسه , وَكِلَاهُمَا تَصِحّ إِرَادَته هُنَا , وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات , فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ , أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ , أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام , أَوْ الْفِكْر فِيهِ , أَوْ الْهَمّ بِهِ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة ” انتهى .
ويقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله :
” إن العبد إذا أحسن النية وقصد قصدا في عمل المباح فإنه يتحول بالنية إلى قربة وطاعة وعمل صالح ” انتهى من “فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي” (ص 290) .

ثانيا :
عليك بترتيب وقتك بمقتضى ترتيب أولوياتك ، وأن تعطي كل ذي حق حقه دون أن يؤدي ذلك إلى عدوان على حق آخر .
والتركيز في العمل والإقبال عليه بجد وإخلاص أمر مطلوب ، ولكن لا ينبغي الانشغال بمزيد من الأعمال التي تتطلب منا المزيد من الجهد والوقت والتركيز مما قد يؤثر سلبا على أمور أخرى لا تقل أهمية عن تلك ، وخاصة إذا تعلقت بأمور الشرع .
وهاهنا تكون الأزمة التي تتحدث عنها ، ولا يمكن التخلص منها إلا بالموازنة العادلة .

فاجتهد ، قدر طاقتك ، في أن تخصص وقتا محددا للعمل في مهنتك ، ولا تجعل هذا الأمر بالذات مفتوحا غير مقيد بوقت محدود ، بل حاول أن تقيده بمتوسط من الساعات ، تراه ملائما لطبيعة عملك وظروفك .
ثم اجعل في خلاله وقتا أو أوقاتا تنظر فيها في المصحف ، ولو وقتا يسيرا ، أو تطالع فيه كتابا من الكتب العلمية الشرعية أو تراجع فيها درسا ، وبإمكانك أن تحيي أوقات الانتظار ، والفترات البينية بين الأعمال والمهمات ، بشغلها بما سبق من قراءة وردك القرآني ، أو نحو ذلك من الطاعات .
وبإمكانك أن تحمل كثيرا من الدروس العلمية والدعوية ، والتلاوات القرآنية ، على حاسوبك الشخصي ، لتنتفع بسماع ذلك في أوقات فراغك ، أو انتظارك ، أو عملك الروتيني الذي لا يتطلب منك تركيزا ذهنيا .
واجتهد في أن تفتح على نفسك أبواب الطاعات ، بحسب ما تطيقها ، فلا تفوت أسبوعا ، أو شهرا من غير أن تصوم فيه ، ولو أن تظفر من الشهر بصيام ثلاثة أيام ، قبل أن يفوتك .
واجتهد في أن يكون لك ورد من صلاة النوافل تواظب عليه ، بحسب طاقتك وهمتك مع ربك ، وحبذا أن تظفر من نفسك بركعتين قبل الفجر.

واعلم أنك لن تستطيع الموازنة بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة إلا بمراعاة هذا الحديث والعمل بمقتضاه ، وهو ما رواه البخاري (1968) أن سَلْمَان قال لأبي الدرداء رضي الله عنهما وهو يعظه : ( إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) فَأَتَى أبو الدرداء النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ سَلْمَانُ ) .
ثم قبل ذلك كله ، وبعد ذلك كله : فليس أعظم للعبد وأنفع له من الافتقار إلى ربه ، والاستعانة به ، واللجوء إليه : أن يصلح له شأنه كله ، وأن يعينه على أمره ، وأن يمده بمدد من عنده سبحانه .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (69747) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android