تنزيل
0 / 0

هل يزوَّج ابنته ممن تعلق قلبها به أم يحرمها منه ؟

السؤال: 179875

سأختصر الأمر قدر المستطاع في انتظار فتواكم التي قد تنقذ عائلة من الانهيار ، فقد ساء الأمر جدّاً بعد مشكلة حدثت ، هذه أحداثها :
أختي كان عمرها 16 أو 17 سنة حين خطبها شاب ملتزم نحسبه على خير ، وكانت هي سعيدة بذلك غاية السعادة ، وكانت قبل ذلك قد انقطعت عن الدراسة فراراً بدينها ؛ فالمعاهد عندنا مختلطة ، سار كل شيء على أتم وجه ، وتم العقد الشرعي ، وكان لا يشك أحد في أنهما يعيشان سعادة حقيقية ، فجأة صارت أختي تقول : أنا لا أحب هذا الشخص ، لا أطيقه ، لماذا يتصرف هكذا .. الخ ، وبدت كأنها تخترع له عيوباً ، ظننا أن الأمر سحر أو ما شابه ؛ لأن ارتباطهما أثار غيرة الكثير من الفتيات في سنها ، طال الأمر وزاد نفورها من زوجها ولا أحد يفهم السبب وزوجها في غاية العجب واللطف معها ، ويؤول الأمر لصغر سنها أو خوفها من الزواج ومسؤولياته ، حتى أتى اليوم الذي اعترفت فيه أنها تحب غيره ! وكانت الصدمة الكبرى ، تبيَّن أنه فتى من سنها كان يدرس معها في نفس الصف وأنها كانت تحبه في صمت لعدة سنوات وهو لا يدري ، والجديد أنه اتصل بها على الانترنت وبدا منه أنه يهتم لأمرها ، صدته ، وكان دافعها أن ذلك لا يجوز ، لكن النفس والشيطان انتصرا عليها ، وصارت بينهما علاقة إلكترونية ، لا تقابله ولا يقابلها لكن الاتصال موجود ، نفَّرها ذلك من زوجها عقد شرعي بدون دخول وانفجر الوضع ، علم الأب والزوج بذلك ، كاد أبي يقضي نحبه من الصدمة ؛ لأنه ظن دائما أن ابنته لا يمكن أن تقع في مثل هذه الأمر ، وهي التي اختارت بنفسها الالتزام والحجاب ونفرت من المدارس المختلطة ، ووافقت بملء إرادتها على زوج متدين ، وعاشت بعيدة عن المجون والاحتكاك بالناس والمسلسلات والغناء …الخ ، عاشت في وسط نظيف ، سبحان الله ، لما تأزم الأمر اعتذرت وأقسمت على التوبة والعودة للطريق المستقيم ، وسامحها زوجها مؤولا الأمر لنزوة مراهقة إضافة لتمسك بمصاهرته لعائلتنا فهو يحب أبي جدّاً ، لكن الأمور توترت وأختي لم تتب وساء خلقها مع الجميع وخاصة مع زوجها وحتى والديها ، وصارت الحياة مع زوج لا تحبه أمراً غير محتمل ، انتهت أشهر من العذاب والأحزان بانفصالها عن زوجها بألم كبير من أطرافنا جميعا ، أبي تبرأ منها وضربها وأعلن سخطه عليها ، بعد مرور أشهر على ذلك كله لا زالت أختي تحب الشاب الأول ، لا تنساه ، ولا تريد غيره ، سألنا عن هذا الشاب فبدا جادّاً ، مقيماً للصلاة ومتمسكاً بأختي جدّاً ، أبي يرفض ارتباطهما تماما .
سؤالنا : ما حكم الشرع في هذا الأمر هل جائز لهما الارتباط ؟ هل تكون فيه بركة ؟ أبي قد يغير رأيه بفتوى منكم ، لا أخفيك أختي تتعذب ، لا تخرج من غرفتها تقريبا ، ترى أننا نحرمها من الحلال .. الخ .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
نسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه صلاح أسرتكم واجتماعها ، ونسأله تعالى أن يهدي
أختك لما يحب ويرضى وأن يجنبها الفتن والمنكر والإثم .
وما تذكريه في رسالتك يؤكِّد ما نذكره دوماً في إجابتنا من خطر الاختلاط والعلاقات
بين الجنسين مراسلة ومحادثة ، وليس ثمة فرق في هذا بين عامي أو ملتزم ؛ ففتنة
الشهوة لا تفرق بينهم إذا ظهر نارها واشتعل عودها .

ثانياً:
بما أن الحديث لن يكون مع أختك بل معك ومع والدك الفاضل : فإننا نرجو أن نوفق فيما
ننصحكم به ونوجهكم نحو العمل بمقتضاه :
1. لا تحمِّلوا أنفسكم مسئولية ما حدث مع أختك ، فأنتم لم تقصروا في تربيتها ، وقد
وافقتم على خروجها من مدرسة الاختلاط ، وقد حرصتم على إعفافها بتزويجها لرجل من أهل
الصلاح وكان ذلك ، فلم يحصل منكم ما تلومون به أنفسكم ، اللهم إلا أن يكون التساهل
مع أختك في استعمالها للإنترنت .
2. لا يحل للولي أن يُكره موليته على الزواج بمن تكره ، وأنتم لن تفعلوا هذا – إن
شاء الله – مع أختك ، سواء كان الإكراه على الرجوع لزوجها الأول أو غيره .
3. لا يكون الأب عاضلاً لابنته إذا كان يمنع تزوجها من شخص غير مرضي الدين والخلُق
، وإنما يكون عاضلاً إذا رفض كل من تقدَّم لابنته وهو مرضي الدين والخلق .
4. وأما بخصوص التصرف الشرعي مع أختكم فنرى :
أ. عدم ذِكر ما جرى منها لأحدٍ من أقربائكم – فضلاً عن غيرهم – كائناً من كان ، فلا
أحد يوثق به من قريب أو جار أن يسرِّب خبرها فيُزاد فيه ولا يُنقص حتى تتسع الدائرة
عليكم ، فلا تقدروا على مواجهتها والذب عن أنفسكم .
ب. عدم مقاطعة والدك لها وعدم التبرؤ منها والسخط عليها ، ونرى أنها الآن أحوج ما
تكون لعقل والدها ليلجم سعار عاطفتها ، فهي الآن محجوبة عن التفكير بعقلها ، وتحتاج
من يقف معها من أهلها لمخاطبة عقلها ، وإحياء تدينها بتذكيرها بحكم ما حصل منها
وعواقب ذلك ، فهي قد ارتكبت معصية بيِّنة بإنشائها علاقة مع رجل أجنبي عنها ، وهي
آثمة بالحديث معه ومراسلته ، فيجب أن تعلم حقيقة مخالفتها للشرع ، كما أنها تحتاج
إلى من يخاطب عقلها ليبين لها أن ما تفعله قد يكون له عواقب سيئة من تفرق الأسرة ،
ومن هوانها على عشيقها ذاك عندما يصير زوجاً لها ، ومن احتمال أن يعاقبها ربها
بابنة تتصرف مثل تصرفها ، ومن انتشار خبرها بين الناس مما يسبب طعنا وتجريحا
بوالدها وأمها وأخواتها ، وهكذا في قائمة طويلة من العواقب السيئة تُخبر بها وتوقَف
عليها ؛ فلعلَّ ذلك الخطاب لتدينها وعقلها أن يثمر ثمرة يانعة .
ثم تعرفوها مع ذلك : أن هذا الشاب هو الذي أفسدها على زوجها الذي عقد عليها عقدا
شرعيا ، وسبب نفرتها منه ، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من كل من أفسد امرأة
على زوجها ، ولعنه ، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى عدم صحة زواجها من هذا المفسد .
وينظر جواب السؤال رقم (84849)
.
ج. إذا لم تقنع أختكم بما تعظونها به وتذكرونها بعواقبه ، وظلت مصرَّة على التزوج
بذاك الشاب : فنرى أن تزوجوها إياه ! علاجاً لمرضها ودائها ، واستصلاحا لشأنها ،
وستراً عليها وعلى أسرتكم أن تنالكم ألسنة السوء ، ولا يكون هذا منكم إلا بعد
التأكد من صلاحية ذاك الشاب ليكون زوجاً لأختكم من حيث دينه وخلقه ، وإلا فلا يحل
لكم القبول به زوجاً لها.
نحن على علم بصعوبة هذا الأمر عليكم ، ونحن نقدِّر ذلك ، ولكن من نظر إلى عواقب
خلاف هذا الأمر ، فإنه لن يتردد بقبوله ، ومما رأيناه وعلمناه من حوادث مشابهة رفض
فيها الأهل تزويج من تعلقت به ابنتهم : زنا ، هروب من البيت ، انتحار ، السفر خارج
بلادها … وغير ذلك مما انتشرت حكايته وذاعت أخباره ، نسأل الله أن يعصمكم من شر
ذلك كله ، ولذا فما نقوله لكم وإن كان صعباً على النفس قبوله ، لكنَّ الأصعب قد
يكون في خلافه .

فابدؤوا إذاً بالصواب في
وعظها وإرشادها لفعل الصواب ، من قطع علاقتها بذلك الشاب حقيقة لا صورة ، وواقعاً
لا كلاماً ، فإن استجابت لكم فبها ونعمت ، وإن لم تستجب فليس أمامكم إلا الجمع
بينها وبين ذاك الشاب بالحلال ، إيقافاً لإثمها في علاقتها به الآن بالحرام ،
واتقاء لشر نخافه من عاقبة ذلك الأمر.
ونرى ، إذا حصل الخيار الثاني ، وتقدم هذا الشاب فعليا إليكم ، أن لا يكون تعجل في
الدخول ، بل لتكن ثمة فترة معقولة بعد العقد ، فقد تتضح لها من الأمور ما كان عنها
خافياً عليها من سلوك وأخلاق وتصرفات لذاك الشاب تنفرها منه ، وقد تعيد التفكير في
قرارها في التزوج منه فلا تكمل مشوارها ، وبكل حال فالخير في تأخير الدخول حتى تتضح
الأمور وتكمل قناعتها بصواب فعلها .
وهذا الذي ذكرناه لك من اجتماعهما بالحلال بالزواج قد ورد بمثله الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لَمْ نَرَ – وفي
لفظ ( يُرَ ) – لِلمُتَّحَابَّيْن مِثُلَ النِّكَاحِ ) رواه ابن ماجه ( 1847 )
وصححه البوصيري ، والألباني في ” صحيح الجامع “.
قال المنَّاوي – رحمه الله – : ” ( لَمْ يُرَ لِلمُتَّحَابَّيْنِ ) قال الطِّيبي :
هو من الخطاب العام ، ومفعوله الأول محذوف ؛ أي : لم تَرَ أيها السامع ما تزيد به
المحبة ( مِثْلَ النِّكَاحِ ) لفظ ابن ماجه والحاكم ( مِثْلَ التَّزوُّج ) أي : إذا
نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه ، فنكاحها يورثه مزيد المحبة ، كذا ذكره الطيبي
، وأفصح منه قول بعض الأكابر المراد : أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق :
النكاح ، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلاً “
انتهى من ” فيض القدير ” ( 5 / 376 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – في بيان علاج داء العشق – : ” وقد اتفق رأي العقلاء
من الأطباء وغيرهم في مواضع الأدوية : أن شفاء هذا الداء : في التقاء الروحين
والتصاق البدنين ” انتهى من ” روضة المحبين ” ( ص 212 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – : ” ولقد أبطلَ مَنْ قال : إنها إذا عيَّنت كُفْئاً
تُحبه ، وعيَّن أبوها كُفْئاً : فالعبرةُ بتعيينه ، ولو كان بغيضاً إليها قبيحَ
الخِلقة .
وأما موافقتُه لمصالح الأمة : فلا يخفى مصلحة البنت فى تزويجها بمن تختاره وترضاه
وحصولُ مقاصد النكاح لها به ، وحصولُ ضد ذلك بمن تُبغِضُه وتنفِرُ عنه ، فلو لم تأت
السنة الصريحة بهذا القول ، لكان القياسُ الصحيح وقواعدُ الشريعة لا تقتضى غيره ،
وبالله التوفيق ” .
انتهى من ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” ( 5 / 97 ، 98 ) .

نسأل الله أن ييسر أمركم
ويفرج كربكم ويهديكم لما فيه رضاه .

والله أعلم

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android