أسأل عن حديث جاء في صحيح البخاري ، روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( مَنْ يَكْفُلُ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ) فما الذي يعنيه الحديث ؟ هل سؤال الأب والأم للمساعدة أو المعلم أو الزميل أو صاحب المحل ، هل كل هؤلاء يدخلون ضمن الحديث ؟
شرح حديث : ( مَنْ يتكفل لِي ألا يسأل الناس شيئا وأتكفل لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ )
السؤال: 182011
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحديث المذكور لم أجده في صحيح البخاري ، ولم أجد من عزاه إليه ، وفي معناه أحاديث ، منها :
ما رواه مسلم في صحيحه (1043) عن عوف بن مالك الأشجعي قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة ، فقال: ألا تبايعون رسول الله؟ ، وكنا حديث عهد ببيعة ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ألا تبايعون رسول الله ؟، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ ، قال : فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا وأسر كلمة خفية : ولا تسألوا الناس شيئاً ، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه ".
وظاهر هذا الحديث أنه عام في كل مسؤول ، لأن قوله صلى الله عليه وسلم : ( شيئا ) غير محدد ولا مخصص ، بل هو نكرة ، ومن المقرر في علم الأصول : أن النكرة في سياق النهي تفيد العموم .
قال النووي في " شرح مسلم " (7/132) : " فيه التمسك بالعموم ؛ لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه ، وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا والله أعلم " انتهى .
وترك سؤال الناس مطلقا ، أمر لا يطيقه كل الناس ، لذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه ، ولم يأمرهم به ، وقد استنبط بعض العلماء ذلك من إسراره صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة .
قال الأبي في " شرح مسلم " (2/173) : " الذي يترجح أنها لا ترجع إلى التكليف ، وإلا لوقع بيانها لوجوب التبليغ عليه صلى الله عليه وسلم " انتهى .
قال العيني في " شرح سنن أبي داود " (6/393) : " قوله : ( وأسر كلمة خفية ) يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أسر النهي عن السؤال ، ليخص به بعضهم دون بعضه ولا يعمهم بذلك ؛ لأنه لا يمكن العموم ، إذ لا بد من السؤال ، ولا بد من التعفف ، ولا بد من الغنى ، ولا بد من الفقر ، وقد قضى الله تبارك وتعالى بذلك كله ، فلا بد أن ينقسم الخلق إلى الوجهين " انتهى .
وجاء في معنى حديث عوف بن مالك : حديثُ ثوبان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسم قال : مَنْ يَتَقَبَّلُ – وفي رواية يتكفل – لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : أَنَا. قَالَ : لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ . رواه أبو داود (1450) وغيره ، وصححه الألباني .
فهذا ثوبان رضي الله عنه فهم عموم هذا الأمر ، فكان لا يسأل أحدا أن يناوله السوط .
قال الآبادي في " عون المعبود " (5/39) في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأتكفل له بالجنة ) : " أي أوَّلا من غير سابقة عقوبة ، وفيه إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة " انتهى .
وقيده بعض أهل العلم بطلب الحاجات من الناس ، أو طلب أموالهم ؛ قال السندي في حاشيته على النسائي (1/564) : " ( لا تسأل الناس شيئا ) أي من مالهم ، وإلا فطلب ماله عليهم لا يضر والله أعلم " انتهى .
فهذه الأحاديث عامة في كل مسؤول ، ومن أراد تحصيل ما فيها من الأجر العظيم ، وهو تكفل النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة ، فليترك سؤال الناس في القليل والكثير ، والجليل والحقير ، وليس ذلك واجبا ، ولكنه من الكمالات ، وليس كل الناس يستطيع فعله .
قال القرطبي في " المفهم " (3/86) : " وأخذه صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة ألا يسألوا أحدا شيئا : حملٌ منه على مكارم الأخلاق ، والترفع عن تحمل منة الخلق ، وتعليم الصبر على مضض الحاجات ، والاستغناء عن الناس ، وعزة النفوس ، ولمَّا أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء وفي كل الأحوال ، حتى فيما لا تلحق فيه منة ؛ طردا للباب ، وحسما للذرائع " انتهى .
إلا أن ذلك ـ أيضا ـ مقيد بغير حالة الضرورة ، فما لم يضطر المرء إلى سؤاله : لم يسأله ، وما دفعته الضرورة إليه ، فلا حرج عليه في سؤاله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ " مُحَرَّمَةً فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَفِي النَّهْيِ عَنْهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/182) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب