0 / 0
127,82127/09/2012

حكم دفع الزكاة لغير المسلمين ومنهج عمر بن عبد العزيز في المسألة

السؤال: 182393

هل يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلمين إذا لم يكن فقراء المسلمين في حاجة لهذه الزكاة ، أي إذا استكفى المجتمع الإسلامي ، حيث إني سمعت أن الدولة الإسلامية قديمًا كانت غنية ، وكان الكل يستفيد منها ، حيث كتب حاكم ليبيا وتونس للخليفة عمر بن عبد العزيز في مرة من المرات أنهم لم يجدوا فقيرًا ليعطوه الزكاة ، فقال لهم : أعطوها للفقراء من النصارى واليهود ، فقال له الحاكم : لم يأخذ الزكاة أحد ، ولم نجد أحدًا منهم محتاجا ، فأمره الخليفة أن يضعها في السوق ودعى الناس أن من أردا شيئًا من الزكاة فليأخذها ، فلم يأخذ أحد ، فأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز وقتها أن تشترى بها العبيد ثم تحرر لوجه الله عز وجل ، فما رأيكم شيخنا الكريم ، هل يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلمين ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا
اختلف العلماء في حكم دفع الزكاة لغير المسلمين من الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل ، وذلك على قولين :
القول الأول : ذهب جماهير العلماء إلى عدم جواز دفع الزكاة الواجبة لغير المسلمين ، وأن من دفع زكاته لكافر لم تجزئه ، وبقيت في ذمته لمستحقيها المسلمين من مصارف الزكاة ، بل نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك .
يقول ابن المنذر رحمه الله :
” أجمعوا على أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ” انتهى من ” الإجماع ” (ص/8) .
ويقول ابن قدامة رحمه الله :
” لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر ولا لمملوك ” انتهى من ” المغني ” (2/487) .
والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له : (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ) رواه البخاري (1395) ومسلم (19) .
فقوله ( فقرائهم ) أي فقراء المسلمين .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” فيه أن الزكاة لا تدفع إلى كافر ” انتهى من ” شرح مسلم ” (1/197) .
القول الثاني : يجوز دفع الزكاة الواجبة لمستحقيها من غير المسلمين ، وتجزئ مَن أخرجها على هذا الوجه ، وهو مذهب الزهري ، وابن سيرين ، وزفر من الحنفية .
فقد نقل العمراني الشافعي (ت558) الخلاف عن بعض السلف في المسألة ، فقال : ” قال الزهري، وابن سيرين : يجوز دفعها إلى المشركين ” انتهى من ” البيان في مذهب الشافعي ” (3/441) .
واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة :
الدليل الأول :
روى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (2/402) قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حبيب بن أبي حبيب ، عن عمرو بن هرم ، عن جابر بن زيد ، قال : سئل عن الصدقة فيمن توضع ؟ فقال : في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم ، وقال : ( وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس ) .
وهذا إسناد صحيح ، ولكنه مرسل ، فجابر بن زيد من الطبقة الوسطى من التابعين ، توفي سنة (93هـ)، ولا تعرف الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثاني :
روى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (4/288) قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عمر بن نافع ، عن أبي بكر العبسي ، عن عمر ، في قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء ) التوبة/ 60 ، قال: هم زمنى أهل الكتاب .
وروى أبو يوسف في ” الخراج ” (ص139) الأثر بسياق أطول فيه إنصاف عمر لليهودي الذمي وقوله له : ( مَا أَنْصَفْنَاهُ أَن أكلنَا شيبته ثُمَّ نَخُذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ ).
وروى الطبري نحوه في ” جامع البيان ” (14/308) من تفسير عكرمة .
قلنا : ولكنه إسناد ضعيف ، قال الذهبي رحمه الله : ” أبو بكر العبسي عن عمر : مجهول ” انتهى من ” ميزان الاعتدال ” (4/499)، وانظر: ” الجرح والتعديل ” لابن أبي حاتم (9/341).
الدليل الثالث :
ما رواه البلاذري (ت279هـ) في ” فتوح البلدان ” قال : حدثني هِشَام بْن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عُمَر بْن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق مر بقوم مجذومين منَ النصارى ، فأمر أن يعطوا منَ الصدقات ، وأن يجرى عليهم القوت .
ولكنه إسناد ضعيف لجهالة المشايخ عن عمر ، ثم إن قوله ( يعطوا من الصدقات ) يحتمل أنها الصدقات المستحبة ، وليست الزكاة الواجبة .
الدليل الرابع :
يقول السرخسي الحنفي رحمه الله :
” لا يعطى من الزكاة كافر إلا عند زفر رحمه الله ، فإنه يُجَوِّز دفعها إلى الذمي ، وهو القياس ؛ لأن المقصود إغناء الفقير المحتاج على طريق التقرب ، وقد حصل ” انتهى من ” المبسوط” (2/202) ثم رد على ذلك بالحديث الذي استدل به الجمهور .
والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء من فقهاء المذاهب المعتمدة ، لسلامة استدلالهم بالحديث النبوي الشريف ، وضعف أدلة القول الثاني ، وهو الأحوط والأبرأ للذمة ، كما أنه السلوك العملي للفقهاء عبر التاريخ الإسلامي ، والفتوى المعتمدة لديهم .
وفي موقعنا بعض الفتاوى المتعلقة بالموضوع ، يمكن الإفادة منها في الأرقام الآتية : (21384)، (39655) ، (106541) .
ثانيا :
فإذا صادف الزمان خلو المسلمين من مستحقي الزكاة جاز دفعها لغير المسلمين ، عملا بالقول الثاني الوارد عن العلماء ، فحينئذ الميسور لا يسقط بالمعسور ، فإذا تعسر إيجاد مسلم مستحق للزكاة دفعت لمن تيسر وجوده من غير المسلمين ، كما أن حال الاضطرار يختلف عن حال السعة ، وقد روى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (2/401) قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : ” لا تصدق على يهودي ولا نصراني إلا أن لا تجد غيره ” .
وذهب فقهاء الشافعية إلى حفظ الزكاة في حالة انعدام المستحقين من المسلمين ، والانتظار بها إلى أن يتيسر من يأخذها .
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله : ” إن لم يوجد أحد منهم في بلد الزكاة ولا غيرها حفظت الزكاة حتى يوجدوا أو بعضهم ، فإن وجدوا وامتنعوا من أخذها قاتلهم الإمام على ذلك كما قاله سليم في المجرد ؛ لأن أخذها فرض كفاية ، ولا يصح إبراء المستحقين المحصورين المالك من الزكاة ” انتهى من ” مغني المحتاج ” (4/189) .
ونحن نرى أن البحث في هذه المسألة الفرعية ضرب من الخيال ؛ إذ لا يكاد يتصور القضاء على الفقر تماما في زمن من الأزمان ، لذلك لا حاجة للخوض في المسائل الفرضية ، اللهم إلا ما روي في زمان عمر بن عبد العزيز رحمه الله قالوا : ” كان الرجل يُخرج زكاة ماله في زمن عمر بن عبد العزيز فلا يجد أحدا يقبلها ” انتهى من ” تاريخ واسط ” (ص/184)، وروى ابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (37/388) بإسناده عن سليمان بن داود الخولاني أنه حدثه – وكان عبدة بن أبي لبابة بعث معه بخمسين ومائة درهم فأمره أن يفرقها في فقراء الأنصار – قال : فأتيت الماجشون ، فسألته عنهم ، فقال : والله ما أعلم أن فيهم اليوم محتاجا ، لقد أغناهم عمر بن عبد العزيز ، فزع إليهم حين ولي فلم يترك فيهم أحدا إلا ألحقه .
ثالثا :
أما سيرة عمر بن عبد العزيز في هذه المسألة فقد فتشنا في مجموعة من الكتب التي تحدثت عن أخباره ، منها :
1. سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك وأصحابه ، لابن عبد الحكم (ت214هـ)
2. أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز ، رواية أبي بكر الآجري (ت360هـ)، ورواية ابن بشران (ت430هـ) .
3. سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ، لابن الجوزي (ت597هـ) .
4. منهج عمر بن عبد العزيز في الإصلاح الاقتصادي ، الدكتور علي جمعة الرواحنة المنشور على الرابط الآتي :
http://www.aliftaa.jo/index.php/ar/research/show/id/27
فلم نجد فيها ما يدل على دفع عمر بن عبد العزيز الزكاة الواجبة لليهود والنصارى ، وإنما فيها أنه أعتق الرقاب من تلك الأموال .
قال يحيى بن سعيد :
” بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها ، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقيرا ، ولم نجد من يأخذها مني ، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس ، فاشتريت بها رقابا فأعتقتهم وولاؤهم للمسلمين ” انتهى من “سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك وأصحابه ” عبد الله بن عبد الحكم (ت214هـ) (ص/59) .
وليس في الأثر ما يدل على أنها رقاب غير مسلمة ، إلا قوله ” وولاؤهم للمسلمين “، ولكن هذه الجملة غير كافية للدلالة على أنهم غير مسلمين ، بل قد يكونون من المسلمين ، واشترط ولاءهم لعامة المسلمين .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android