هل يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلمين إذا لم يكن فقراء المسلمين في حاجة لهذه الزكاة ، أي إذا استكفى المجتمع الإسلامي ، حيث إني سمعت أن الدولة الإسلامية قديمًا كانت غنية ، وكان الكل يستفيد منها ، حيث كتب حاكم ليبيا وتونس للخليفة عمر بن عبد العزيز في مرة من المرات أنهم لم يجدوا فقيرًا ليعطوه الزكاة ، فقال لهم : أعطوها للفقراء من النصارى واليهود ، فقال له الحاكم : لم يأخذ الزكاة أحد ، ولم نجد أحدًا منهم محتاجا ، فأمره الخليفة أن يضعها في السوق ودعى الناس أن من أردا شيئًا من الزكاة فليأخذها ، فلم يأخذ أحد ، فأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز وقتها أن تشترى بها العبيد ثم تحرر لوجه الله عز وجل ، فما رأيكم شيخنا الكريم ، هل يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلمين ؟
حكم دفع الزكاة لغير المسلمين ومنهج عمر بن عبد العزيز في المسألة
السؤال: 182393
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا
اختلف العلماء في حكم دفع الزكاة لغير المسلمين من الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل ، وذلك على قولين :
القول الأول : ذهب جماهير العلماء إلى عدم جواز دفع الزكاة الواجبة لغير المسلمين ، وأن من دفع زكاته لكافر لم تجزئه ، وبقيت في ذمته لمستحقيها المسلمين من مصارف الزكاة ، بل نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك .
يقول ابن المنذر رحمه الله :
” أجمعوا على أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ” انتهى من ” الإجماع ” (ص/8) .
ويقول ابن قدامة رحمه الله :
” لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر ولا لمملوك ” انتهى من ” المغني ” (2/487) .
والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له : (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ) رواه البخاري (1395) ومسلم (19) .
فقوله ( فقرائهم ) أي فقراء المسلمين .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” فيه أن الزكاة لا تدفع إلى كافر ” انتهى من ” شرح مسلم ” (1/197) .
القول الثاني : يجوز دفع الزكاة الواجبة لمستحقيها من غير المسلمين ، وتجزئ مَن أخرجها على هذا الوجه ، وهو مذهب الزهري ، وابن سيرين ، وزفر من الحنفية .
فقد نقل العمراني الشافعي (ت558) الخلاف عن بعض السلف في المسألة ، فقال : ” قال الزهري، وابن سيرين : يجوز دفعها إلى المشركين ” انتهى من ” البيان في مذهب الشافعي ” (3/441) .
واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة :
الدليل الأول :
روى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (2/402) قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حبيب بن أبي حبيب ، عن عمرو بن هرم ، عن جابر بن زيد ، قال : سئل عن الصدقة فيمن توضع ؟ فقال : في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم ، وقال : ( وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس ) .
وهذا إسناد صحيح ، ولكنه مرسل ، فجابر بن زيد من الطبقة الوسطى من التابعين ، توفي سنة (93هـ)، ولا تعرف الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثاني :
روى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (4/288) قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عمر بن نافع ، عن أبي بكر العبسي ، عن عمر ، في قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء ) التوبة/ 60 ، قال: هم زمنى أهل الكتاب .
وروى أبو يوسف في ” الخراج ” (ص139) الأثر بسياق أطول فيه إنصاف عمر لليهودي الذمي وقوله له : ( مَا أَنْصَفْنَاهُ أَن أكلنَا شيبته ثُمَّ نَخُذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ ).
وروى الطبري نحوه في ” جامع البيان ” (14/308) من تفسير عكرمة .
قلنا : ولكنه إسناد ضعيف ، قال الذهبي رحمه الله : ” أبو بكر العبسي عن عمر : مجهول ” انتهى من ” ميزان الاعتدال ” (4/499)، وانظر: ” الجرح والتعديل ” لابن أبي حاتم (9/341).
الدليل الثالث :
ما رواه البلاذري (ت279هـ) في ” فتوح البلدان ” قال : حدثني هِشَام بْن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عُمَر بْن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق مر بقوم مجذومين منَ النصارى ، فأمر أن يعطوا منَ الصدقات ، وأن يجرى عليهم القوت .
ولكنه إسناد ضعيف لجهالة المشايخ عن عمر ، ثم إن قوله ( يعطوا من الصدقات ) يحتمل أنها الصدقات المستحبة ، وليست الزكاة الواجبة .
الدليل الرابع :
يقول السرخسي الحنفي رحمه الله :
” لا يعطى من الزكاة كافر إلا عند زفر رحمه الله ، فإنه يُجَوِّز دفعها إلى الذمي ، وهو القياس ؛ لأن المقصود إغناء الفقير المحتاج على طريق التقرب ، وقد حصل ” انتهى من ” المبسوط” (2/202) ثم رد على ذلك بالحديث الذي استدل به الجمهور .
والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء من فقهاء المذاهب المعتمدة ، لسلامة استدلالهم بالحديث النبوي الشريف ، وضعف أدلة القول الثاني ، وهو الأحوط والأبرأ للذمة ، كما أنه السلوك العملي للفقهاء عبر التاريخ الإسلامي ، والفتوى المعتمدة لديهم .
وفي موقعنا بعض الفتاوى المتعلقة بالموضوع ، يمكن الإفادة منها في الأرقام الآتية : (21384)، (39655) ، (106541) .
ثانيا :
فإذا صادف الزمان خلو المسلمين من مستحقي الزكاة جاز دفعها لغير المسلمين ، عملا بالقول الثاني الوارد عن العلماء ، فحينئذ الميسور لا يسقط بالمعسور ، فإذا تعسر إيجاد مسلم مستحق للزكاة دفعت لمن تيسر وجوده من غير المسلمين ، كما أن حال الاضطرار يختلف عن حال السعة ، وقد روى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (2/401) قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : ” لا تصدق على يهودي ولا نصراني إلا أن لا تجد غيره ” .
وذهب فقهاء الشافعية إلى حفظ الزكاة في حالة انعدام المستحقين من المسلمين ، والانتظار بها إلى أن يتيسر من يأخذها .
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله : ” إن لم يوجد أحد منهم في بلد الزكاة ولا غيرها حفظت الزكاة حتى يوجدوا أو بعضهم ، فإن وجدوا وامتنعوا من أخذها قاتلهم الإمام على ذلك كما قاله سليم في المجرد ؛ لأن أخذها فرض كفاية ، ولا يصح إبراء المستحقين المحصورين المالك من الزكاة ” انتهى من ” مغني المحتاج ” (4/189) .
ونحن نرى أن البحث في هذه المسألة الفرعية ضرب من الخيال ؛ إذ لا يكاد يتصور القضاء على الفقر تماما في زمن من الأزمان ، لذلك لا حاجة للخوض في المسائل الفرضية ، اللهم إلا ما روي في زمان عمر بن عبد العزيز رحمه الله قالوا : ” كان الرجل يُخرج زكاة ماله في زمن عمر بن عبد العزيز فلا يجد أحدا يقبلها ” انتهى من ” تاريخ واسط ” (ص/184)، وروى ابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (37/388) بإسناده عن سليمان بن داود الخولاني أنه حدثه – وكان عبدة بن أبي لبابة بعث معه بخمسين ومائة درهم فأمره أن يفرقها في فقراء الأنصار – قال : فأتيت الماجشون ، فسألته عنهم ، فقال : والله ما أعلم أن فيهم اليوم محتاجا ، لقد أغناهم عمر بن عبد العزيز ، فزع إليهم حين ولي فلم يترك فيهم أحدا إلا ألحقه .
ثالثا :
أما سيرة عمر بن عبد العزيز في هذه المسألة فقد فتشنا في مجموعة من الكتب التي تحدثت عن أخباره ، منها :
1. سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك وأصحابه ، لابن عبد الحكم (ت214هـ)
2. أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز ، رواية أبي بكر الآجري (ت360هـ)، ورواية ابن بشران (ت430هـ) .
3. سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ، لابن الجوزي (ت597هـ) .
4. منهج عمر بن عبد العزيز في الإصلاح الاقتصادي ، الدكتور علي جمعة الرواحنة المنشور على الرابط الآتي :
http://www.aliftaa.jo/index.php/ar/research/show/id/27
فلم نجد فيها ما يدل على دفع عمر بن عبد العزيز الزكاة الواجبة لليهود والنصارى ، وإنما فيها أنه أعتق الرقاب من تلك الأموال .
قال يحيى بن سعيد :
” بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها ، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقيرا ، ولم نجد من يأخذها مني ، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس ، فاشتريت بها رقابا فأعتقتهم وولاؤهم للمسلمين ” انتهى من “سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك وأصحابه ” عبد الله بن عبد الحكم (ت214هـ) (ص/59) .
وليس في الأثر ما يدل على أنها رقاب غير مسلمة ، إلا قوله ” وولاؤهم للمسلمين “، ولكن هذه الجملة غير كافية للدلالة على أنهم غير مسلمين ، بل قد يكونون من المسلمين ، واشترط ولاءهم لعامة المسلمين .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة