0 / 0

شرح حديث : ( ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ )

السؤال: 182410

السلام على من اتبع الهدى.
في صحيح مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : ( ذكاة الجنين من ذكاة أمه ) فهل معنى ذلك إجازة أكل الجنين أم لا ؟ وما هو المقصد من هذا الحديث ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
لا ينبغي للمسلم أن يحيي إخوانه المسلمين بهذه العبارة : ( السلام على من اتبع الهدى ) وإنما هذه التحية يبعثها الداعية ومن في حكمه إلى غير المسلمين ، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما المشروع في تحية المسلم أن يقال له : السلام عليكم ، وإن شاء زاد الرحمة والبركة.
وروى البخاري (3326) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ . فَزَادُوهُ : وَرَحْمَةُ اللَّهِ . فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ ).
راجع جواب السؤال رقم : (105399) ورقم (130897) .

ثانيا :
روى أبو داود (2828) والترمذي (1476) وصححه وابن ماجة (3199) وأحمد (10950) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ )
وقَالَ التّرمِذيّ : " وَفِي الْبَاب عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ " انتهى .
وهذا الحديث صححه النووي في "المجموع" (2 /562) وابن دقيق العيد في "الإلمام" (2 /432) والألباني في "الإرواء" (8/256) وغيرهم ، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (23/76) : "بأسانيد حسان" ، لكنه ليس في صحيح مسلم ، كما ورد في السؤال .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ:
" لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ " انتهى من "التلخيص الحبير" (4 /390) .

ثالثا :
معنى الحديث : أن الجنين إذا خرج ميتا من بطن أمه بعد ذبحها ، أو وجد ميتا في بطنها ، فهو حلال ، لا يحتاج إلى استئناف ذبح ؛ لأنه جزء من أجزائها ، فذكاتها ذكاة له .
قال ابن القيم رحمه الله :
" سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَنِين الَّذِي يُوجَد فِي بَطْن الشَّاة : أَيَأْكُلُونَهُ أَمْ يُلْقُونَهُ ؟ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ , وَرَفَعَ عَنْهُمْ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ كَوْنه مَيْتَة : بِأَنَّ ذَكَاة أُمّه ذَكَاة لَهُ , لِأَنَّهُ جُزْء مِنْ أَجْزَائِهَا كَيَدِهَا وَكَبِدهَا وَرَأْسهَا , وَأَجْزَاء الْمَذْبُوح لَا تَفْتَقِر إِلَى ذَكَاة مُسْتَقِلَّة ، وَالْحَمْل مَا دَامَ جَنِينًا فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا , لَا يَنْفَرِد بِحُكْمٍ , فَإِذَا ذُكِّيَتْ الْأُمّ أَتَتْ الذَّكَاة عَلَى جَمِيع أَجْزَائِهَا الَّتِي مِنْ جُمْلَتهَا الْجَنِين , فَهَذَا هُوَ الْقِيَاس الْجَلِيّ , لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة نَصّ .
وَالصَّحَابَة لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّة ذَكَاته , لِيَكُونَ قَوْله " ذَكَاته كَذَكَاةِ أُمّه " جَوَابًا لَهُمْ , وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَنْ أَكْل الْجَنِين الَّذِي يَجِدُونَهُ بَعْد الذَّبْح , فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ حَلَالًا بِجَرَيَانِ ذَكَاة أُمّه عَلَيْهِ , وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاج إِلَى أَنْ يَنْفَرِد بِالذَّكَاةِ .
قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك " كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِين فَذَكَاته ذَكَاة أُمّه " وَهَذَا إِشَارَة إِلَى جَمِيعهمْ .
وَمَعْلُوم أَنَّ الْجَنِين لَا يُتَوَصَّل إِلَى ذَبْحه بِأَكْثَر مِنْ ذَبْح أُمّه , فَتَكُون ذَكَاة أُمّه ذَكَاة لَهُ ، وهو مَحْض الْقِيَاس " انتهى مختصرا من "تهذيب السنن" (2 /53-56) .

وهذا الحكم خاص بما إذا خرج الجنين ميتا من بطن أمه بعد ذبحها ، وكانت قد نفخت فيه الروح قبل خروجه .
وأما إذا لم يكن قد نفخت فيه الروح ، فهو ميتة ، لا يحله ذبح أمه .
ومثله : لو خرج ميتا ، وعلمنا أن موته قبل ذبح أمه ؛ فإنه لا يحل اتفاقا .
فإذا خرج حيا حياة مستقرة بعد ذبح أمه : لم يبح أكله إلا بذبحه أو نحره ؛ لأنه نفس أخرى ، وهو مستقل بحياته .

وينظر تفاصيل أخرى لأهل العلم في هذه المسألة في : "المغني" لابن قدامة (9/320) ، "المجموع" للنووي (9 /127) ، و"الموسوعة الفقهية" (5 /156) .

رابعا :
رغب بعض أهل العلم عن أكل الجنين ، من ناحية الطب .
قال ابن القيم رحمه الله : " لحوم الأجِنَّة غير محمودة لاحتقان الدم فيها ، وليست بحرام لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَكَاةُ الجَنِين ذَكَاةُ أُمِّهِ ) " انتهى من "زاد المعاد" (4 /378).
ولتفادي ذلك ، كان ابن عمر رضي الله عنهما يرى ذبحه قبل أكله ، لإخراج ما تبقى فيه من الدم ، وليس لأجل الذكاة الشرعية .
روى الإمام مالك في "الموطأ" (1061) عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " إِذَا نُحِرَتْ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ " .
راجع للاستزادة جوب السؤال رقم : (129231) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android