الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
التصوف مذهب من المذاهب المحدثة في الدين ، وكان أوائل من انتسب إليه من الزهاد ، وفي كثير منهم تعبد وصلاح ، ثم انتشرت فيهم البدع والشركيات والاختراعات التي لم يسبقوا إليها ، وكثر ذلك في المتأخرين منهم ، حتى مرق كثير منهم من الدين .
وهم طرق متعددة ، ومذاهب مختلفة ، متفقون على البدعة ، والغالب عليهم الوقوع في الشركيات ، والنفرة من السنة وأهلها ، بل وبغضهم ومعاداتهم ، وموالاة أهل البدع والضلال والانحراف ، بل والكفار الخلص ، كما وجد في كثير منهم .
ومن جملة تلبيس الشيطان بهم وهمينته عليهم أنه يوهمهم أن لهم اتصالا بالغيب ، وأن من الممكن للواحد منهم أن يخاطبه النبي أو الولي وإن كان قد مات منذ دهر ؛ بما لهم من خصوصية خرق حُجب الزمان والمكان ، والتحديث والإلهام بما يشبه الوحي ، إلى خرافات وخزعبلات كثيرة غير محتملة شرعا ولا عقلا .
راجع لبيان ما عليه هذه الطائفة من الضلال والتلبيس إجابة السؤال رقم (4983) .
ثانيا :
لا يجوز لأحد أن يحتج بشيء يراه في منامه ، أو يسمعه ، ولو في يقظته ؛ إذا كان يخالف ما جاء في شريعة الله تعالى من أحكام ، ويرد بها ما حفظه الله من دينه وشرعه ، سواء كان ذلك ردا عاما ، بدعوى تحليل أو تحريم ، أو ردا خاصا له ، أو لأتباعه ، أو نحو من ذلك ؛ فإن دين الله عز وجل قد كمل ، وكملت الشريعة ، وانقضى زمان الوحي بموته صلى الله عليه وسلم .
فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ) . رواه الطبراني في ” الكبير “(1647) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فقد بيَّن الله – سبحانه – على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) ” .
انتهى من ” إعلام الموقعين ” ( 1 / 250 ) .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (70364) بيان أن المنامات لا تثبت بها سنة ، ولا يغير بها حكم من أحكام الشريعة ، ولو زعم الرائي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نقل النووي رحمه الله الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع من أحكام .
وأما ما تسمعه والدتكم من أصوات تأمرها بما أخبرتكم به ، مما يخالف الشرع ، فهذا من وحي الشيطان وأمره ، ومن شأن من يتبع ذلك – إن مضى في ذلك الطريق – أن يخرج عن الدين ويتحرر من التكاليف الشرعية ، ويرد ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وأجمع عليه علماء المسلمين ، وهذا هو الكفر بعينه ، نسأل الله السلامة .
فالواجب على العقلاء من أبنائها تدارك هذا الأمر ، وأن يوجهوها لضلال ما هي فيه ، وما تعتقده ، وأن هذا من تلبيس الشيطان عليها ، وأن يبينوا لها أن هذا من أمر الشيطان وأنه يجب عليها عدم الإصغاء إليه وعدم طاعته التي تخالف بها دين الله وشريعته .
ويمكن إجمال هذا البيان في هذه النقاط التالية :
أولا :
يجب أن تبينوا لها أن الشريعة قد كملت وفُرغ منها بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه ليس لأحد كائنا من يكون أن يغير شريعة الله التي شرع لعباده لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
ثانيا :
أنه لا يجوز لأحد أن يحتج بما يسمعه في يقظته أو يراه في منامه على خلاف الشرع ، وإلا لارتفع الدين بالكلية ، ولكان لكل واحد شرع يخصه ، يمليه عليه هذا الصوت الذي يسمعه ويزعم أنه رسول الله أو أنه الصحابي فلان .
ثالثا :
مَن أدراها أن هذا الصوت هو صوت النبي صلى الله عليه وسلم أو صوت عليّ رضي الله عنه ؟ أين الدليل على ذلك ؟ وكيف يكون الحال لو سمع غيرها صوتا يزعم أنه رسول الله يأمره بخلاف ما أمرها به هذا الصوت الذي سمعته ؟
أليس في ذلك ما يقتضي أن يكون لكل واحد شرع يخصه ؟
وهل يجوز مثل ذلك في دين أحد من الناس ، فضلا عن دين الله الذي أنعم الله به على الناس كافة ؟
رابعا :
قال الله تعالى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21
فلا يجوز لأحد أن يشرع في دين الله ما لم تأت به شريعة الله التي شرعها لنبيه صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بها .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” الأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 757) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الأصل في العبادات الحظر والمنع ، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله : إما في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومتى شك الإنسان في شيء من الأعمال هل هو عبادة أو لا ، فالأصل أنه ليس بعبادة حتى يقوم دليل على أنه عبادة ” .
انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (169 / 1) .
فإذا كان هذا فيما لم يأذن الله بتشريعه ، فكيف بما يخالف شرعه ويناقضه ؟!
فمن جاء بعد مئات السنين يزعم أنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بخلاف شرعه الذي شرعه ، ومضى عليه الناس ، فقد كذب على الله ، وكذب على رسوله ، وضل عن الحق الثابت بالعقل والشرع ضلالا مبينا !!
خامسا :
أليس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقت اختلافهم وحصول الفتنة بينهم كانوا أحوج إلى أن يسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يروه بعد وفاته حتى يفتيهم فيما هم فيه ، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه ؟
فما بالنا لم نجد أحدا منهم حصل له ذلك ، ولا ادعاه ، مع أنهم كانوا أحوج ما يكونون إليه ؟
قال علماء اللجنة الدائمة :
” توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه ، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة ، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها ، وقام من بعده الخلفاء الراشدون ، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم ، ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيا وكلمه ، أو سمع منه شيئا قبل يوم البعث والنشور : فزعمه باطل ؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه ” .
انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 1 / 486 ، 487 ) .
ويراجع : إجابة السؤال رقم (70364) لبيان أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة .
وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هؤلاء الذين يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء ومن الأولياء يأتيهم ويكلمهم ويسألونه فيجيبهم ، وقال :
” قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ : وَيْحَك أَتَرَى هَذَا أَفْضَلَ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؟ فَهَلْ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَجَابَهُ ؟ ، وَقَدْ تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ فِي أَشْيَاءَ فَهَلَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهُمْ ؟ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ تُنَازِعُ فِي مِيرَاثِهِ فَهَلَّا سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا ؟ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/ 407) .
راجع إجابة السؤال رقم (114317) .
سادسا :
حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على النكاح وحض عليه وقال : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري (5066) ومسلم (1400) .
ولم يأمر أحدا باستئذان أحد قبل أن الزواج ، وإنما أمر بالزواج أمرا عاما لمن أطاقه وقدر على تكاليفه وتبعاته ، ولقد كان في الصحابة من تزوج ولم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولا استأذنه ، ولا عرف النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد زواجه ؛ فروى البخاري (2048) ومسلم (1427) ” أن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ يوما وعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَزَوَّجْتَ ؟ ) قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ : ( وَمَنْ ؟ ) ، قَالَ : امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالَ: ( كَمْ سُقْتَ ؟ ) ، قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ) .
وروى البخاري (5247) ومسلم (715) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنه قال للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ ، قَالَ : ( أَتَزَوَّجْتَ ؟ ) ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : ( أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ؟ )، قَالَ : قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا ، قَالَ : ( فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ ؟ ) .
فهذا يدل على أن الشريعة جاءت بالأمر بالزواج والحث عليه ، ولم تلزم أحدا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن يستأذنه في ذلك ، فالذي جاءت به والدتكم من أنها سمعت من يزعم أنه رسول الله يأمرها بتأخير زواج أبنائها ، وينهاها عن زواجهم إلا بإذنه – لا شك أنه شيطان مريد ، يريد أن يبدل كلام الله ، ويوقع الناس فيما يخالف الشريعة ويضادها ، متوهمين أن ذلك من الشريعة ، وصدقوا ، ولكنها شريعة الشيطان ، لا شريعة الرحمن .
فالواجب عليكم أن تنصحوا أمكم بالكف عن ذلك والتوبة منه وعدم الالتفات إليه لأنه من أمر الشيطان ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ، ولا يأتي لأحد – لا هو ولا أحد من صحابته رضي الله عنهم ولا غيرهم – بعد الوفاة ، وأن الذي يأتي ويتكلم إنما هو الشيطان يريد أن يضل ابن آدم ويخرجه عن دينه .
يريد أن يسقط حق الله وحق عباده في الزكاة وفي الصلاة وغير ذلك من أمور الدين .
كما يجب عليكم أن لا تطيعوها في شيء مما تأمركم به من خلاف الشرع ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وعليكم بالزواج ولو بدون إذنها ورضاها ، والأنثى لابد لها في الزواج من ولي .
وفقكم الله ، ويسر لكم أمركم .
ولمعرفة الطريقة المثلى لدعوة المتصوفة لطريق أهل السنَّة والجماعة يرجى مراجعة إجابة السؤال رقم (145905) .
والله أعلم .