لماذا وضع الله في الأنبياء والملائكة والأولياء قوة دينية تمكنهم من فعل المعجزات ؟ ، ولماذا سهل الله عليهم تلبية رغبات الناس وآمالهم ؟
هذا هو السبب الأكبر للشرك ، فالناس يسيرون وراء هذه القوى لتخفيف مشكلاتهم وتحقيق رغباتهم ، وهناك العديد من الحوادث حدثت في الكتب الدينية .
فأخبروني لماذا عندما يقومون باستخدام قوتهم بعيدا عن الله ؛ فإن الأناس الذين استعانوا بهم يعيشون حياة سعيدة وتتحقق أحلامهم ، وتختفي مشكلاتهم بمجرد قراءتهم لبضعة أسطر من كتبهم ؟
يعتقد أن سبب انتشار الشرك وقوع المعجزات والكرامات
السؤال: 185853
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا نكتمك القول الصريح بأن سؤالكم يحتاج إلى مراجعة في جميع جزئياته للتثبت من موافقتها للتنظير الشرعي الإسلامي أو للواقع الحياتي .
فقولك في بداية السؤال : ” لماذا وضع الله في الأنبياء والملائكة والأولياء قوة دينية تمكنهم من فعل المعجزات ؟ ، ولماذا سهل الله عليهم تلبية رغبات الناس وآمالهم ؟ ” غير مسلَّمٍ أصلا حتى نجيب عليه . فالله عز وجل لم يمنح الملائكة والأولياء قوة تمكنهم من فعل المعجزات ، وذلك من التصورات الخاطئة التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين ، وكان لها حضور عبر قرون متطاولة بين العوام ، أما العلماء والفقهاء فقد بينوا للناس هذه الأغلوطات والخرافات ، وأن الله عز وجل لم يمنح أحدا قوة خاصة دون سائر الناس ، يستعملها حيث يشاء وكيف شاء ، ومن يدعي ذلك فعليه أن يأتي بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة الصحيحة ، ولن يجد ما يسعفه لتقرير ذلك ، فيظهر خطؤه أو كذبه إن تعمد ذلك .
بل القرآن الكريم مليء بالآيات الدالة على ضعف جميع المخلوقات وعجزها ، وفقرها إلى الله سبحانه وتعالى ، وأنها لا تملك شيئا لنفسها نفعا ولا ضرا ، لا استقلالا ولا تبعا ، كما قال عز وجل : ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) المائدة/76 ، وقال تعالى : ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/188 ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد البشرية وأكرم الخلق على الله تعالى – قد أصابه السوء ، ومسته البأساء والضراء ، يأمره ربه تعالى أن يخبر الناس أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، فكيف يملك ذلك لغيره ! ومن يحق له بعد ذلك أن يدعي القدرة على نفع أحد أو ضره ، أو التأثير بالمعجزات وبما يخالف الأسباب والسنن الكونية . وقد تكرر ذلك أيضا في سورة يونس، في الآية رقم/49، حيث يقول الله سبحانه : ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) ، وأوضح من ذلك أيضا قوله سبحانه وتعالى : ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ) الأنعام/50 ، ومن قبل نبينا صلى الله عليه وسلم أُمر نوح عليه السلام أن يقول بمثله ، وذلك في قوله تعالى : ( وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) هود/31.
فهؤلاء الأنبياء ، وهم أشرف الخلق ، وأقربهم إلى الله تعالى ، نهوا أن يدعوا سلطة أو نفوذا أو قدرة أو رزقا ، وأمروا أن يوجهوا الناس جميعا إلى سؤال حاجاتهم من الله عز وجل ، وأن يعلقوا قلوبهم بالرب الخالق جل وعلا ، أما المخلوق فهو فقير ضعيف مهما علت مرتبته وارتفع شأنه . قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/15.
أما معجزات الأنبياء فهي خاصة بهم في بعض الأحوال ، وليس في جميع الأوقات والأزمان ، عدا معجزة القرآن الكريم ، فهي دائمة مدى التاريخ . وكلها كانت لغرض محدد أيضا وهو إثبات النبوة للناس ، وليس لإغواء الناس ولا لتعليقهم بقدرة خاصة في شخص ذلك النبي أو الرسول . يقول الله جل وعلا : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) المائدة/73-76.
فتأمل معنا كيف أنكر سبحانه وتعالى على أولئك الذين غرتهم معجزات المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، فأخرجوها عن سياقاتها التي جاء المسيح بها ، وهي إثبات النبوة فحسب ، وجعلوا تلك المعجزات سببا للشرك بالله تعالى ، بدعوى أن المسيح يملك فيها قدرة خاصة مطلقة بتفويض من الله تعالى على إحياء الموتى وإبراء المرضى ، وهذا محل الإشكال والخلل ، ثم اعلم أن هذه المعجزات قبل ذلك كله وبعده : إنما هي بتقدير الله وخلقه وسلطانه و”إذنه” ، كما تجده واضحا في قصة عيسى بن مريم عليه السلام ؛ فالمعجزة ليست بقدرة مستقلة ، ولا بتفويض كامل من الله سبحانه ، وإنما هي أحوال مؤقتة يجريها الله على يد نبيه ثم تنقضي ؛ لذلك أعقبه سبحانه وتعالى بتذكير هؤلاء ببشرية المسيح وأمه وعجزهما وضعفهما ، وقال أيضا : ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) .
فالمعجزات جاء بها الرسل والأنبياء لغرض محدد ، هو إثبات النبوة وكفى ، وذلك اقتضى أن يكون استعمال المعجزة محدودا في الزمان والمكان المناسبين ، وليس بإرادة مطلقة للنبي أو الرسول .
فهذا المسيح عليه السلام – رغم معجزاته المبهرة من إحياء الموتى بإذن الله – لم يتمكن من دفع المعتدين الذين أرادوا صلبه حتى رفعه الله إليه وألقى شبهه على أحد أصحابه ، وحين سأله الحواريون المائدة من السماء لم يتمكن من ذلك إلا بسؤال الله عز وجل وإلحاح في السؤال .
وموسى عليه السلام هرب مع بني إسرائيل من بطش فرعون وقومه ، ولم يستعمل العصا إلا حين أذن الله له فشق البحر لتسهيل طريق الخروج .
ولما تعنت كفار قريش في سؤال الآيات من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، كأنهم يظنون فيه القدرة المطلقة على تحقيق المعجزات كيف شاء ومتى شاء ، كان جواب ذلك كله بكلمتين تختصر لك – أخانا السائل – جميع إشكالاتك ، تعجب فيهما من تعنتهم ، وضلالهم عن فهم حقيقة النبوة ؛ يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ) الإسراء/90-93.
وفي مقابل معجزات الأنبياء ، التي هي أعظم سبل الهداية ، نجد فتنة الدجال ، وما أجراه الله على يديه من خوارق العادات ، وهي أعظم فتنة ، وأخطر سبيل للغواية ، كما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنه فقال : ( يَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ ، فَيَقُولُ لَهَا : أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا ، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ ) رواه مسلم (2937) .
ومع كل تلك الخوارق فهو أعور ، لا يملك لنفسه إرجاع عينه في وجهه ، ومكتوب بين عينيه ” كافر ” لا يملك محوها أو تبديلها ، ويقتله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، ولا يملك أن يدرء عن نفسه القتل ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن الدجال فقال : ( يَأْتِي – وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ – فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ فَيَقُولُ لَهُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ ، أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ ؟ فَيَقُولُونَ : لَا ، قَالَ : فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ : وَاللهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْآنَ – قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ – أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ) رواه مسلم (2938) .
فالمؤمن هو الذي يعتصم بالله سبحانه وتعالى ، ولا يغتر بتلك الخوارق فيعتقد أنها علامات ألوهية أو أسباب كافية لعبادة من دون الله سبحانه ، ولو تأمل قليلا – كما سبق بيانه – لعرف الفارق بين الألوهية والعبودية ، فالقرآن الكريم ظاهر الدلالة على هذا الفارق العظيم ، وأن ذلك كله ابتلاء واختبار لبني البشر ؛ فالدنيا مبنية على الابتلاء أصلا ، قال تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) المائدة/48 ، وقال عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/2 ، وقال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) هود/7 .
أما الاغترار بما يحكى ويقال عن تفريج الكربات ، وحل المعضلات ، وإزالة الهموم والغموم بسبب الاستعانة بمن يدعي الكرامة والقدرة الخارقة من المسلمين أو غير المسلمين ، فذلك أيضا من أسباب ضلال بني آدم ، ولا يهلك فيها إلا من لم يفهم حقيقة الإيمان ، وخدعته بعض الأخبار .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” مما ينبغي أن يعلم أن سبب ضلال النصارى وأمثالهم من الغالية كغالية الْعُبَّادِ والشيعة وغيرهم ثلاثة أشياء :
أحدها : ألفاظ متشابهة مجملة مشكلة منقولة عن الأنبياء ، وعدلوا عن الألفاظ الصريحة المحكمة ، وتمسكوا بها ، وهم كلما سمعوا لفظا لهم فيه شبهة تمسكوا به ، وحملوه على مذهبهم وإن لم يكن دليلا على ذلك ، والألفاظ الصريحة المخالفة لذلك إما أن يفوضوها ، وإما أن يتأولوها كما يصنع أهل الضلال ، يتبعون المتشابه من الأدلة العقلية والسمعية ، ويعدلون عن المحكم الصريح من القسمين .
والثاني : خوارق ظنوها آيات ، وهي من أحوال الشياطين ، وهذا مما ضل به كثير من الضلال المشركين وغيرهم ، مثل دخول الشياطين في الأصنام وتكليمها للناس ، ومثل إخبار الشياطين للكهان بأمور غائبة ، ولا بد لهم مع ذلك من كذب ، ومثل تصرفات تقع من الشياطين .
والثالث : أخبار منقولة إليهم ظنوها صدقا ، وهي كذب ، وإلا فليس مع النصارى ولا غيرهم من أهل الضلال على باطلهم لا معقول صريح ، ولا منقول صحيح ، ولا آية من آيات الأنبياء ” انتهى من ” الجواب الصحيح ” (2/315) .
وفي السبب الثالث جواب على قولك في السؤال : ” لماذا عندما يقومون باستخدام قوتهم بعيدا عن الله فإن الأناس الذين استعانوا بهم يعيشون حياة سعيدة وتتحقق أحلامهم ، وتختفي مشكلاتهم بمجرد قراءتهم لبضعة أسطر من كتبهم “، فتأكد أخانا السائل أن أكثر ما تسمعه عن ذلك من الكذب الصريح ، أو الشائعات والمبالغات ، وإلا فليقدم هؤلاء الدجالون تلك الحلول التي يزعمونها للبشرية كاملة ، أو على الأقل لبني جنسهم ، ولينقذوا جميع من حولهم من الفقر والمرض والبطالة وسيء الأحوال .
كل هذا وغيره : أسئلة مشروعة أن نطرحها عليك ، ونحن نربأ بأحد في القرن الحادي والعشرين ، وقد انتشر العلم والفهم بين الناس ، أن تنتكس العقول مرة أخرى لتعود وتؤمن بأن أحدا من البشر يملك سلطات بعيدة عن الله عز وجل ، يمكنه ببضعة أسطر ، أو شيء من الحيل والمخاريق ، تغيير حياة أحد من البشر ،
وأما إن كان مرادك أن أتباع الأنبياء تختفي المشكلات من حياتهم ، بمجرد قراءة بضعة أسطر من كتبهم ؛ فهذا ـ أيضا ـ أظهر خطأ وبعدا عن فهم حقيقة دعوة الأنبياء ، وحال أتباعهم ؛ فأولا نقول لك : إن فضيلة متابعة النبي ، والاهتداء بهديه ورسالته : لا تحصل بمجرد قراءة بضعة أسطر من كتبهم ؛ بل إن ذلك يحتاج إلى تغيير كامل في “بوصلة” حياته ، وتغيير كامل لمنهجه وطريقه ، ليكون خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، خطوة وخطوة ، حذو القُذَّة بالقذة .
قال الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام/153 ، وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) الأنعام/162-163.
ثم إننا نقول لك : إن مشاكل هذه الحياة ، ومتاعبها ، وبلاءها : من الفقر ، والمرض ، وفقد الحبيب … كل هذه المتاعب ، والمصاعب ، والابتلاءات : لا تختفي من حياة الأنبياء ، ولا من حياة أتباعهم ؛ فالدنيا بنيت على هذا الابتلاء ، لحكمة بالغة لله في كونه ؛ لكن الذي يختفي من حياتهم : الضنك ، والشقاء ، والضلال ، والضيق ، والحرج ، مهما قابلهم من ابتلاء !!
نحن بحاجة إلى التأمل في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفهم حقيقة التوحيد التي جاء الإسلام بها ، ولا تختلط علينا خرافات الكذابين والدجالين الذين يغوون الناس ببعض الحيل أو بادعاء الكرامات وهم أبعد الناس عن طريق الاستقامة ، فالكرامة إنما هي من فعل الله ورزقه ، يحصل له ببركة متابعته للنبي ، والله تعالى يجريه على يديه لحاجة له إليه ، أو حجة في دينه على من يخالفه ؛ ثم الأصل في شأنها الإسرار والكتمان بين العبد التقي الولي وبين ربه سبحانه ، ولو كان طريق الاستقامة طريقهم لما تبجحوا بها ، وراؤوا بها الناس ، وأكلوا بها أموالهم ، واستخدموهم بها في أغراضهم ؛ بل هذه شأن الدجالين والأكالين للسحت ؛ كما يقول السبكي رحمه الله : ” المعجزة مقرونة بدعوى النبوة ، ولا كذلك الكرامة … وأيضا فالمعجزة يجب على صاحبها الإشهار ، بخلاف الكرامة ، فإن مبناها على الإخفاء ، ولا تظهر إلا على الندرة والخصوص ، لا على الكثرة والعموم ، وأيضا فالمعجزة تجوز أن تقع بجميع خوارق العادات ، والكرامات تختص ببعضها ، كما بيناه من كلام القشيرى ، وهو الصحيح ” . انتهى من ” طبقات الشافعية الكبرى ” (2/317) .
ولتعلم يا عبد الله أن من رحمة الله تعالى بعباده ، وحكمته في خلقه وأمره ونهيه : أن جعل مع الرسل والأنبياء ما يدل أقوامهم على تصديقهم والإيمان بهم ، لأنه تعالى يحب العذر من خلقه ، ويحب لهم الهداية والرشاد ؛ فمن اتخذ ذلك ذريعة للتعلق بالأنبياء تعلق المربوب بربه ، والعبد بخالقه سبحانه ، وسؤالهم حاجاتهم التي لا يقدر عليها إلا الله : فقد أتي من نفسه ، ولا يلومن أحدا سوى نفسه الأمارة بالسوء ، التي هي مأوى كل ظلم وجهل ؛ وليعلم أنه في واد ، ودعوة الأنبياء في واد آخر ، تلك الدعوة التي تختصرها الآية الكريمة في سورة الفاتحة : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) الفاتحة/ 5.
لدينا الكثير من التساؤلات والحوارات حول أسئلتك السابقة ، ولكننا نرجو أن يكون فيما ذكرنا خلاصة كافية .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب