قال تعالى : (فاستقم كما أمرت) ، ما قصة هذه الآية ؟
الكلام على قوله عز وجل : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ )
السؤال: 193616
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود:/ 112.
قال ابن جرير رحمه الله :
” يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه ، كما أمرك ربك ، ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ، ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه ، إن ربكم بما تعملون من الأعمال كلِّها – طاعتها ومعصيتها – ذو علم بها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو لجميعها مبصرٌ ، فاتقوا الله ، أيها الناس ، أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعلمون ، وهو لكم بالمرصاد ” انتهى باختصار يسير من “تفسير الطبري” (15 /499) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة ، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان : وهو البغي ، فإنه مَصرَعة حتى ولو كان على مشرك ، وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد ، لا يغفل عن شيء ، ولا يخفى عليه شيء ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (4 /354) .
وقد جاء ذلك بعد ذكر الله عز وجل حال السعداء وحال الأشقياء ، وبعد قوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ( فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) هود/ 109 – 111 .
فلما أخبر الله تعالى بحال الفريقين ، وأخبر بكفر أولئك الذين يعبدون الأصنام من دون الله ، وعدم استقامة هؤلاء الذين اختلفوا في الكتاب فتفرقوا وتحزبوا ، ” أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع ، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة ، ويدوموا على ذلك ، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة ” .
انتهى من “تفسير السعدي” (ص 390) .
ولم نقف لهذه الآية على قصة معينة نزلت بسببها ، لكن دل سياق الآيات على أن معنى الآية مفرع على ما تقدم من ذكر حال السعداء والأشقياء ، وذكر حال المشركين والذين اختلفوا في الكتاب ، فجاءت توجيها للنبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه إلى الاستقامة وعدم الاعوجاج ومجاوزة الحد ؛ ولذلك جاء بالفاء في قوله : ( فاستقم ) وهي للتفريع على ما تقدم .
وحاصل ذلك : لقد علمت – أيها الرسول الكريم – حال السعداء وحال الأشقياء ، وأخبرناك بحال المشركين وحال الذين اختلفوا في الكتاب ، وأعلمناك أن كل مكلف سيوفى جزاء عمله ، فالزم أنت ومن معك من المؤمنين طريق الاستقامة على الحق ، وداوموا على ذلك كما أمركم الله ، بدون إفراط أو تفريط ، واحذروا أن تتجاوزوا حدود الاعتدال في كل أقوالكم وأعمالكم ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ؛ حتى تكونوا من الذين سعدوا ، ولا تكونوا من الأشقياء .
ولذلك لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقَالَ: ” يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي أَمْرًا فِي الْإِسْلَامِ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ ، قَالَ: ( قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ) .
رواه أحمد (14991) والترمذي (2410) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب