0 / 0

هل في التصبح بسبع تمرات وقاية من جميع أنواع السموم ؟

السؤال: 195581

ما معنى هذا الحديث الوارد في ” صحيح البخاري ” في الكتاب الخامس والستين ، حديث رقم (356) : عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أكل حين يصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ).

فهل معنى هذا أن من أكل التمر في الصباح فإنه محمي من كافة أنواع السم ، حتى من مثل سم السيانيد ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

في دلالة هذا الحديث جانبان ، جانب نؤمن به ونصدقه ولا نتردد فيه لوضوحه وظهوره ، وجانب آخر نحاول فهمه وتفسيره والبحث فيه ، فليس هو من مسائل الإيمان واليقين .
أما ما نصدق به ولا نتردد فيه فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن التصبح بالتمر ، وقاية نافعة من تأثير السم على جسم الإنسان ، ورد ذلك في قول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ، وفي حديث صحيح متفق على صحته بأسانيد ناصعة كالشمس ، وعن جماعة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، منها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً ، لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ) رواه البخاري في ” صحيحه ” (رقم/5445) ومسلم في ” صحيحه ” (رقم/2047) .
فهذا القدر المتفق عليه الذي نقر به ، يتعلق بالمعنى الإجمالي للحديث ، وإثبات صدوره عن النبي عليه الصلاة والسلام .
أما تفسير الحديث والبحث في حدود ألفاظه ونتائج تجاربه ، فذلك مجال رحب ، خاض فيه العلماء قديما وحديثا ، وتعددت فيه الأنظار والأفهام ، بل تعددت فيه روايات الحديث نفسه ، الأمر الذي يفتح الباب إلى النظر إلى مزيد من الأبحاث التجريبية ، واعتبارها في معرفة دلالة الحديث ، وفهم قيوده وحدوده .
فقد قال ابن التين بأن المراد نخل خاص لا يعرف الآن ، وقال الخطابي رحمه الله ليس ذلك خاصية من خواص التمر ، وإنما هي بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعجوة معينة . ينظر ” فتح الباري ” (10/239) ، وبناء على هذين القولين لا يمكن تعميم وقاية التصبح بالتمر اليوم من جميع أنواع السموم .
وقال أكثر العلماء بتخصيص عجوة المدينة بهذا الوقاء ، كالطحاوي في ” شرح مشكل الآثار ” (14/362) ، وأبو عوانة في “المستخرج” (5/189) ، والقاضي عياض في ” إكمال المعلم ” (6/531) ، والنووي في ” شرح مسلم ” (14/3) ، وأبي العباس القرطبي الذي دعا إلى إجراء التجارب لفهم دلالة الحديث ، فقال رحمه الله : ” الذي ينبغي أن يقال إن ذلك خاصة عجوة المدينة ، ثم هل ذلك مخصوص بزمان نطقه أو هو في كل زمان ؟ كل ذلك محتمل ، والذي يرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة ، فإن وجدنا ذلك كذلك في هذا الزمان ، علمنا أنها خاصة دائمة ، وإن لم نجده مع كثرة التجربة علمنا أن ذلك مخصوص بزمان ذلك القول ” .
انتهى من ” المفهم ” (5/322).
وقال الإمام المازري رحمه الله : ” هذا مما لا يعقل معناه في طريقة علم الطب ، ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر في السم وجه من جهة الطب ، لم يقدر على إظهار وجه الاقتصار على هذا العدد الذي هو السبع ، ولا على الاقتصار على هذا الجنس الذي هو العجوة ، ولعل ذلك كان لأهل زمانه صلى الله عليه وسلم خاصة ، أو لأكثرهم ، إذ لم يثبت عندي استمرار وقوع الشفاء في زمننا غالبا ، وإن وجد ذلك في زماننا في أكثر الناس حمل على أنه أراد وصف غالب الحال ” انتهى من ” المعلم بفوائد مسلم ” (3/121) .
وهكذا ترى كيف اختلف العلماء وشراح الحديث في توجيه دلالته ، وتفسير كلماته ، حتى دخل هذا الاختلاف في أنواع السم المقصودة في الحديث ، فقال ابن القيم رحمه الله : ” يجوز نفع التمر المذكور في بعض السموم ، فيكون الحديث من العام المخصوص ، ويجوز نفعه لخاصية تلك البلد ، وتلك التربة الخاصة من كل سم ، ولكن ها هنا أمر لا بد من بيانه ، وهو أن من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله واعتقاد النفع به ، فتقبله الطبيعة فتستعين به على دفع العلة ” انتهى من ” زاد المعاد ” (4/92) .
وخالفه الحافظ ابن حجر رحمه الله – بعد أن نقل كلامه – فقال : ” لكن سياق الخبر يقتضي التعميم ؛ لأنه نكرة في سياق النفي ، وعلى تقدير التسليم في السم ، فماذا يصنع في السحر ” انتهى من ” فتح الباري ” (10/240) .
وأما الأبحاث التجريبية المعاصرة فقد وقفنا على مجموعة منها ، لكنها لم تتوصل إلى نتائج حاسمة في جميع القضايا الخلافية السابقة ، وإنما إلى نتائج تدل على الجانب الأول الذي ذكرناه في بداية الجواب ، وهو إثبات النفع العام للتمر من آثار السموم ، من غير تحديد ولا تعيين .
ومن ذلك أنه قام كل من الدكتور عبدالكريم السلال ، والدكتور زهير ، والدكتور أحمد ديسي ، بنشر بحث محكّم في مجلة (Biomedical Letters) في جامعة (Cambridge) بعنوان : ” دراسة تأثير خلاصة التمر على إبطال مفعول سم الحية والعقرب “، فكان في خلاصة الدراسة أنه : ” تم إعطاء أربعة متبرعين من (9 – 11) حبة تمر لكل منهم ، أما عينات الدم فتم أخذها قبل أكل التمر وبعده بحوالي (4 – 5) ساعات ، فكشفت الدراسة أن عينات الدم التي أخذت منهم بعد تناول التمر كانت مقاومة لسم الأفعى بنسبة (83%) ، وأن نسبة امتصاص الهيموغلوبين لسم الأفعى وتأثيره على (3%) من خلايا الدم الحمراء قبل تناول التمر كانت (0.542) ، وبعد تناول التمر أصبحت (0.09)، وقد وجدت الدراسة أو التجربة أن إعطاء (5%) من خلاصة التمر أبطلت حوالي (34%) و (71%) من النشاط السمي للأفعى والعقرب على التوالي ، وأن (20%) من خلاصة التمر أحبطت المفعول بنسب (87%) و (100%) ” انتهى .
وللنظر في تفاصيل هذه الدراسة المنشورة باللغة الانجليزية يمكن مراجعة المرجع الآتي – وقد تمت ترجمة خلاصته فيما سبق – :
Abdul-karim j. sallal. A Zuhair S. Amr. A Ahmad M Disi, Inhibition of haemolytic activity of snake and scorpion venom by date extract, Biomedical Letters, 55, 51 – 56, 1997.
هذا وقد أخبرنا الدكتور السلال أن التمر الذي تم إطعامه للمتبرعين من أردأ أنواع التمور المتوافرة في أسواق الأردن ، وليس من عجوة المدينة ، ولا من تمر المدينة المنورة كله .
كما يمكن مراجعة بحث الدكتورة أروى عبد الرحمن أحمد ( معاصر ، قسم علوم الحياة ، كلية العلوم ، جامعة صنعاء ) ، بعنوان : ” إعجاز التمر في الشفاء والوقاية من الميكروبات الضارة والممرضة “، في ” بحوث المؤتمر العالمي العاشر لأبحاث الإعجاز العلمي ” ، دار جياد للنشر (1/158 – 204).
وفيها أيضا بحث آخر للدكتورة ( ليلى أحمد الطيب الحمدي ، دينا الموصلي ) ، كلية العلوم للبنات جامعة الملك عبد العزيز بعنوان : ” العلاج النبوي بتمر العجوة في حالات التسمم والتليف الرئوي بالجازولين ” (2/125 – 146)، جاء فيه : ” أوضحت هذه الدراسة تأثير تمر العجوة العلاجي على التسمم والتليف الرئوي الناتج من استنشاق أبخرة الجازولين ، مما يتيح الفرصة أمامنا للوصول إلى إثبات الأثر الإيجابي لهذا التمر ، في معالجة الأنسجة المريضة في الأعضاء المختلفة “.
انظر هذه الأبحاث المعاصرة السابقة في رسالة بعنوان : ” أثر العلم التجريبي في الحكم على الحديث “، مقدمة في الجامعة الأردنية ، عام 2012م ، للباحث للدكتور جميل أبو سارة .
وهكذا لم يجزم علماء الإسلام المتقدمون ولا المتأخرون بالتأثير المطلق لجميع أنواع التمور ، في جميع أنواع السموم ، وإنما حاصل كلام مجموعهم يدل على ضرورة التفقه في معنى الحديث ، والبحث فيه بحثا تجريبيا دقيقا ، ثم بعد ذلك يمكننا الجزم إن كانت دلالة الحديث قد انقضت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كما قال بعض العلماء ، أم إنها مستمرة ، كما هو ظاهر الحديث ؟
نحن في انتظار الأبحاث التجريبية الدقيقة التي تعيننا على فهم الحديث .
يقول الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله :
” إذا كان الطب الحديث لم يوفق في اكتشاف سائر خواص العجوة حتى الآن ، أفليس من الخطأ التسرع إلى الحُكْمِ بوضعه ، وهل اِدَّعَى أحد أن الطب انتهى إلى غايته ، أو أنه اكتشف كل خاصة لكل من المأكولات والمشروبات والنباتات والثمار التي في الدنيا ؟ إنك لا تشك معي في أن إقدام مؤلف ” فجر الإسلام ” على القطع بتكذيب هذا الحديث جُرْأَةٌ بالغة منه ، لا يمكن أن تقبل في المحيط العلمي بأي حال ، ما دام سنده صحيحاً بلا نزاع ، وما دام متنه صحيحاً على وجه الإجمال ، ولا يضره بعد ذلك أن الطب لم يكتشف حتى الآن بقية ما دل عليه من خواص العجوة ، ويقيني أنه لو كان في الحجاز معاهد طبية راقية ، أو لو كان تمر العالية موجوداً عند الغَرْبِيِّينَ ، لاستطاع التحليل الطبي الحديث أن يكتشف فيه خواص كثيرة ، ولعله يستطيع أن يكتشف هذه الخاصة العجيبة ، إن لم يكن اليوم ، ففي المستقبل إن شاء الله ” .
انتهى من ” السنة ومكانتها في التشريع ” (ص285) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android