الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إن كنت تقصد بالتبني أن هذه الفتاة قد صارت كابنتك , بحيث تنتسب إليك , ويحمل اسمها اسمك فهذا محرم لا يجوز ؛ وقد أبطله الله في القرآن في قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) الأحزاب/4 , 5.
وأما إن كنت تقصد بالتبني أنك قد ضممتها إلى كنفك ورعايتك , وأحسنت إليها بالإنفاق والتربية , فهذا أمر مستحب , وهو – في حقك – باب من أبواب صلة الرحم ؛ لأن ابنة أخيك من رحمك المحرمة التي تجب صلتها , ومعلوم أن الإحسان إلي ذوي الأرحام أفضل من الإحسان إلى غيرهم من الأباعد , فقد روى النسائي (2582) والترمذي (658) وابن ماجة (1844) عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
أما بخصوص ما تريد أن تهبه لابنة أخيك وزوجتك , فإن كنت تريد أن تعطيهما هذا العطاء حال حياتك فهذا لا حرج فيه , بشروط :
الشرط الأول :
أن تفعل ذلك حال الصحة لا حال المرض المخوف , فإن الهبة حال المرض المخوف تأخذ حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث ، ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة فيهما , قال الشيخ عبد الله بن جبرين: " يجوز للزوج في صحته وحياته أن يهدي زوجته ما يشاء ، مقابل صبرها ، أو حسن خدمتها ، أو ما دخل عليه لها من مال أو صداق ، إذا لم يفعله إضراراً بالورثة الآخرين ، ولا يتحدد ذلك بربع المال ولا غيره .
وهكذا بالنسبة للزوجة ، لها أن تعطي زوجها ما شاءت من مالها أو صداقها ؛ لقوله تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) , ولا يجوز ذلك في حال المرض ؛ لكونه يُعتبر وصية لوارث " انتهى من " فتاوى إسلامية " ( 3 / 29 ) .
وقد ذكر أهل العلم ضابط المرض المخوف , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " فالمرض المخوف هو الذي إذا مات به الإنسان لا يعد نادراً ، أي: لا يستغرب أن يموت به الإنسان ، وقيل: ما يغلب على الظن موته به، وغير المخوف هو الذي لو مات به الإنسان لكان نادراً" انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (11 / 101).
الشرط الثاني :
ألا تقصد بهذه الهبة مضارة الورثة وحرمانهم من الميراث, وقد سبق أن بينا أن الهبة التي يقصد بها الإضرار بالورثة هبة محرمة لا تجوز , فليراجع ذلك في الفتوى رقم: (182290) .
والواقع أن الذي يظهر بوضوح من سؤالك أنك حريص على حرمان إخوتك وأخواتك من ميراثك ، ولذلك تحرص على أن يوقعوا لك ضمانا بعدم المطالبة بحقهم في الميراث بعد وفاتك ، وهذا أمر محرم لا شك ، ويحرم عليك كل تصرف تقصد به مضارة بعض الورثة ، أو حرمانهم من ميراثهم .
الشرط الثالث :
أن تسلم الهبة التي تريد أن تهبها لابنة أخيك ، أو زوجتك ، في حال حياتك ، بحيث يقبضانها ، ويتمكنان من التصرف التام فيها ، تصرف المالك في ملكه .
أما إذا كتبت لهما هذه الممتلكات ، لكن على أن يتسلماها ويتصرفا فيها بعد موتك : فهذه وصية ، لا هبة ؛ والوصية للزوجة لا تجوز ؛ لأنها وارثة , والوارث لا وصية له ؛ لما روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجة (2713) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) والحديث صححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " .
لكن إن حصل وأوصى الميت لأحد الورثة , وأجاز الورثة الوصية , فإنها تنفذ ، لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " .
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني" (6/58) : " إذا وصَّى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة : لم تصح ، بغير خلاف بين العلماء ، قال ابن المنذر , وابن عبد البر : أجمع أهل العلم على هذا ، وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه , فلا وصية لوارث ) . رواه أبو داود . وابن ماجة , والترمذي … وإن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء " انتهى .
وأما الوصية لابنة أخيك فإنها جائزة إذا لم تكن من الورثة , والوصية لها حينئذ تعتبر مخرجا شرعيا لإيصال المال لها بعد وفاتك , ولكن لا تجوز الوصية لها ولا لغيرها إلا بالثلث فما دونه , لا بأكثر منه ؛ فقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من الوصية بأكثر من الثلث ، فقد روى البخاري (2742) ومسلم (1628) " أن سعد بن أبي وقاص قال : يا رسول الله أوصي بمالي كله , قال: ( لا ) , قلت: فالشطر , قال : ( لا ) , قلت : الثلث , قال : ( فالثلث ، والثلث كثير ، إِنكَ أَنْ تذر وَرثَتك أَغْنياء خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرهم عالة يَتَكَفَّفُونَ الناسَ) .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث ، ولا تصح لوارث ، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني وزاد في آخره : ( إلا أن يشاء الورثة ) " انتهى .
وقد استحب كثير من أهل العلم للموصي أن يوصي بأقل من الثلث , جاء في " الكافي في فقه ابن حنبل " (2 / 265) " قال ابن عباس : وددت لو أن الناس غضُّوا (نقصوا) من الثلث ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ والثلث كثير ] متفق عليه , وأوصى أبو بكر بالخمس وقال : رضيت نفسي ما رضي الله به لنفسه , وقال علي : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالثلث " انتهى.
مع التنبيه على أن الوصية بقصد الإضرار بالورثة لا تجوز كما بيناه في الفتوى رقم: (74974) .
أما طلبك من إخوتك أن يتنازلوا عن نصيبهم في تركتك , فلا ننصحك بذلك لأمور:
1- أن هذا التصرف يدل على قصد الحرمان من حقهم الشرعي ، ومعلوم أن هذا قصد محرم ، وقد سبق بيان أن الوصية والهبة بقصد الإضرار بالورثة ، أو منعهم حقهم الشرعي في الميراث : محرم شرعا .
2- أن هذا التصرف من شأنه أن يلقِي بينك وبين إخوتك الوحشة والبغضاء , ويستغله الشيطان ليفسد ذات بينكم , فيوسوس لإخوتك ويلقي في صدورهم أنك تبغضهم , ولا تريدهم أن ينتفعوا بمالك من بعدك .
3- أنه ربما وافقوك وتنازلوا عن نصيبهم في التركة على غير رغبتهم , ولكن بدافع الحياء والإحراج , ومعلوم أنه لا يجوز استعمال الحياء في انتزاع الحقوق من أصحابها , جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى (3 / 30):
" ألا ترى إلى حكاية الإجماع على أن من أخذ منه شيء على سبيل الحياء من غير رضا منه بذلك لا يملكه الآخذ , وعللوه بأن فيه إكراها بسيف الحياء , فهو كالإكراه بالسيف الحسي بل كثيرون يقابلون هذا السيف ، ويتحملون مرار جرحه ، ولا يقابلون الأول : خوفا على مروءتهم ووجاهتهم التي يؤثرها العقلاء ، ويخافون عليها أتم الخوف" انتهى.
وأما عن حكم الشرع في التركة , فهو كالتالي :
أولا :
يبتدأ بتجهيز الميت من تركته , من غسل وكفن وقبر , جاء في صحيح البخاري (2 / 77) " وقال إبراهيم : يبدأ بالكفن ، ثم بالدين ، ثم بالوصية , وقال سفيان: أجر القبر والغسل هو من الكفن" انتهى.
ثانيا:
بعد تجهيز الميت تسدد الديون من التركة – إن كان على الميت دين – ، تخرج الوصايا التي أوصى بها في حدود الثلث , أو أقل ؛ لقول الله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )النساء / 11.
ثالثا:
تقسم التركة بين الورثة على حسب أحكام الشرع الحنيف , وبخصوص تركتك أنت , فإن الميراث ينحصر في زوجتك وإخوتك ، إن مت قبلهم , فتستحق زوجتك ربع التركة ؛ لعدم وجود فرع وارث لك , قال تعالى : ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )النساء / 12 ، وباقي التركة يستحقه إخوتك للذكر مثل حظ الأنثيين , أي يأخذ الأخ الذكر ضعف الأخت .
والخلاصة:
أن الذي ننصحك به : أن توصي لابنة أخيك التي تبنيتها بشيء من ثروتك ، فيما لا يتجاوز الثلث ، تأخذه بعد موتك ، أو تهبه لها في حياتك .
وزوجتك لها ربع ثروتك ميراثا ، فإن خفت أن يضيع عليها حقها بعد موتك ، فلك أن تمكنها منه في حياتك .
فإن أردت التبرع بشيء من مالك للأعمال الخيرية ، في حياتك ، ولم تكن في مرض موت : فلك أن تتبرع بما شئت من ذلك ، لكن لا تجحف بحق ورثة من بعدك ، ولا تحرمهم من أن يأخذوا شيئا من مالك .
والله أعلم.