هجر الأخ العاقّ لوالديه
السؤال: 197782
لي أخ (أصغر مني) لا يحترم إخوته الأكبر منه ، وفي بعض الأحيان يعتدي حتى على والديه بالكلام ، هل يجوز لي مقاطعته إلى أن يصبح بارّا يحترم والديه وإخوته ، ولو قاطعته لسنوات؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
ما ذكرته عن أخيك تجاه والديك أمرٌ منكر ، وهو من كبائر الذنوب ؛ لأن حق الوالدين
حق عظيم ؛ ” فإن الله عز وجل قرن حق الوالدين بحقه في آيات كثيرة ، مثل قوله عز وجل
: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا) [النساء: 36] ، وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23] ، وقوله تعالى:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)
[لقمان: 14] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهذه الآيات تدل على وجوب برهما ، والإحسان إليهما ، وشكرهما على إحسانهما إلى
الولد ، من حين وُجد في بطن أمه ، إلى أن استقل بنفسه وعرف مصالحه .
وبرهما يشمل الإنفاق عليهما عند الحاجة ، والسمع والطاعة لهما في المعروف ، وخفض
الجناح لهما ، وعدم رفع الصوت عليهما ، ومخاطبتهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن ،
كما قال الله عز وجل في سورة بني إسرائيل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)
الإسراء/ 23، 24 .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : ” سئل : أي العمل أفضل ؟ قال : (
الصلاة على وقتها ) ، قيل : ثم أي ؟ قال : ( بر الوالدين ) ، قيل : ثم أي ؟ قال : (
الجهاد في سبيل الله) ” .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد ) .
أخرجه الترمذي : 1821 ، وصححه ابن حبان ، والحاكم ، من حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما ، ولفظ الطبراني ( في رضا الوالدين ) ، والأحاديث في وجوب
برهما والإحسان إليهما كثيرة جدا .
وضد البر : هو العقوق لهما ، وذلك من أكبر الكبائر ؛ لما ثبت في الصحيحين ، عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟) – ثلاثاً – قلنا
: بلى يا رسول الله ، قال : ( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين )، وكان متكئاً فجلس
، فقال : ( ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور ) رواه البخاري (2654) ، ومسلم ( 126
).
وفي الصحيحين – أيضاً – عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) ، قيل : يا رسول ،
وهل يسب الرجل والديه ؟ قال : ( نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب
أمه) رواه البخاري (5973) ، ومسلم (130) .
فجعل صلى الله عليه وسلم التسبب في سب الوالدين سبّاً لهما ، فالواجب على كل مسلم
ومسلمة العناية ببر الوالدين ، والإحسان إليهما ، ولا سيما عند الكبر والحاجة إلى
العطف والبر والخدمة ، مع الحذر كل الحذر من عقوقهما والإساءة إليهما بقول أو عمل ”
. انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 8 / 306 ، 307 ) .
ثانياً :
عليك أن تبدأ بتذكير أخيك بالله ، وأن تبين له نصوص الوعيد الواردة في من عقّ
والديه، ومنزلة البر في الإسلام ؛ حتى تقوم عليه الحجة، وتبرأ ذمتكم أمام الله ،
وليعلم أنه آثم بعمله القبيح مع والديه، وواقع فيما حرمه الله عليه.
واحرص على تنويع طرق توصيل النصيحة لأخيك ، فتارة بإسماعه شريطاً مؤثراً ، وتارة
بإهدائه كتاباً نافعاً ميسرا عن هذا الأمر ، وعليك بتخويفه من عقاب الله له بمثل
ذلك ، فيعقه أولاده ، كما عق هو والديه ، والجزاء من جنس العمل .
ثالثا :
ينبغي أن يعلم أن هجر العاصي والمبتدع إنما شرِع لحكمٍ عظيمة ، ومن أهمهما : تأديبه
حتى يترك معصيته وبدعته ، وكذا شُرع تحذيرا لغيره أن يقع في المعصية أو البدعة .
فينبغي أن ينظر إلى المصلحة الشرعية التي يرجى من الهجر تحقيقها ؛ فإن كان يغلب على
الظن حصول مثل تلك المصلحة ، من انتهاء المهجور عن منكره ، أو تقليله منه ، أو
تأديبه عليه ، أو تنبيهه إلى عظم ما أتى به من المنكر ، أو تنبيه غيره إلى أن هذا
منكر ، أو نحو ذلك من المقاصد الشرعية التي يرجى حصولها .
ومتى لم يُرجَ من الهجر حصول مصلحة شرعية راجحة ، لم يكن مشروعا ، ولا مندوبا إليه
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في
قوتهم وضعفهم ، وقلتهم وكثرتهم ؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة
عن مثل حاله ، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة ، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر
وخُفْيَتِه : كان مشروعا ، وإن كان : لا المهجورُ ، ولا غيرُه ، يرتدع بذلك ، بل
يزيد الشر ، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته : لم يشرع الهجر ،
بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف
قوماً ويهجر آخرين ” انتهى من “مجموع الفتاوى” ( 28 و / 206 ) .
وانظر للمزيد جواب السؤال رقم (93146)،
(146828)، (89601).
والله أعلم.
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة